قضايا وآراء

حق المقاومة.. هل هو فقط للبيض والشقر وذوي العيون الزرق؟

كامل الحواش
1300x600
1300x600

أثارت الأحداث التي تابعها المشاهد العربي في أوكرانيا خلال الأسبوع الأول من الهجمة الروسية على أوكرانيا العديد من التساؤلات حول ازدواجية المعايير التي تتعامل بها القوى الغربية وبالذات الولايات المتحدة، بريطانيا والاتحاد الأوروبي. فهل حياة وحقوق من شكله أوروبي أهم ممن شكلهم غير ذلك؟

كشف الوضع على الحدود بين أوكرانيا وبولندا أن تعامل البولنديين على الحدود مع منهم ليسوا أوكرانيين عنصرية واضحة. سمعنا عن طابور للأوكرانيين وآخر لغيرهم ودفع بعض ذوي البشرة السمراء أو السوداء للخلف، كما أن نوعية الرعاية المقدمة للاجئين من المجموعتين مختلفة..

ولكن الإزدواجية في المعايير امتدت لحقوق أخرى هي ربما مبنية أيضا على العرق أو اللون. صحيح أن أيادي الدول الغربية كانت مقيدة بسبب عدم عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي مما منع حتى الآن من نشر قوات على الأرض لمواجهة الاعتداء الروسي. ولكن حسب ما سمعنا قامت دول غربية عديدة بإرسال أسلحة دفاعية عديدة لتمكين أوكرانيا من التصدي للهجمة الروسية وحتى التعامل بحذر، والسماح لمن أراد من المواطنين الأجانب الالتحاق بفيلق أسسه الرئيس الأوكراني لازنسكي للمساعدة في مقاومة الهجمة الروسية.

وقد شاهدنا هنا في بريطانيا مواطنين من بينهم مسلمون توجهوا إلى السفارة الأوكرانية في لندن لتقديم طلبات للانضمام لهذا الفيلق.. بناء على ذلك هناك سؤال مطروح عن حق الأوكرانيين في مقاومة الهجمة والاحتلال الروسي مع اتساع رقعة التواجد الروسي وحتى إثارة سؤال عن جرائم الحرب وإن تم ارتكابها خلال أحداث الأسبوع الأول؟ وهل هناك تناسق في النظرة للمقاومة في أوكرانيا ومناطق نزاع أخرى؟

 

كشف الوضع على الحدود بين أوكرانيا وبولندا أن تعامل البولنديين على الحدود مع منهم ليسوا أوكرانيين عنصرية واضحة. سمعنا عن طابور للأوكرانيين وآخر لغيرهم ودفع بعض ذوي البشرة السمراء أو السوداء للخلف، كما أن نوعية الرعاية المقدمة للاجئين من المجموعتين مختلفة..

 



في صلب نظرة القانون الدولي للمقاومة وحق الشعوب في تقرير المصير، وحقها في الدفاع عن النفس، وحق الإنسان في العيش بحرية وكرامة. هناك عدد جيد من المواثيق، والإعلانات، والاتفاقيات، والعهود الدولية، التي تشدّد على حماية هذه المبادئ، وعلى ضرورة احترامها، والنضال في سبيل تحقيقها.

فعلى سبيل المثال تحدث ميثاق الأمم المتحدة، عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الدفاع المشروع عن النفس، وعن مبدأ احترام حقوق الإنسان وحريته. فبعد التأكيد على هذه الحقوق يوضح الميثاق في المادة الثانية، الفقرة الرابعة  على الدعوة "إلى امتناع الدول في علاقاتهم الدولية، عن التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها ضدّ سلامة الأراضي، أو الاستقلال السياسي لأية دولة."

وفي المادة الواحدة والخمسين يؤكد "أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة، على احد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير الأزمة لحفظ السلم والأمن الدولي."

لقد أعطت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مشروعية حق الدفاع عن النفس، لكن القانون الدولي، وضع شروطاً لتفعيل هذه المادة هي:

ـ عدم مشروعية الهجوم الاستباقي بقصد الدفاع. 
ـ أن تُعلم الدولة التي تدافع عن نفسها مجلس الأمن بالهجوم، لأنها مسؤوليته، وأنّ حق الدفاع قد أعطي للدولة بشكل استثنائي وموقت. 
ـ شرط التناسب، بمعني أن يكون الدفاع موازياً للهجوم في النوع والكمّ.
ـ شرط التزامن، بمعني أنّ الدفاع يجب أن يتزامن وقت الهجوم وليس بعده، كما أنّ مقولة الاحتفاظ بحق الردّ غير قانونية.

 

 

هل للشعب الفلسطيني الحق بالمقاومة؟ بناء على ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف عام ١٩٩٤؟ الجواب نعم. فما زالت دولة الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري إسرائيل تحتل الضفة الغربية والقدس الغربية وقطاع غزة وتسلب الأرض والموارد الطبيعية وترتكب جريمة حرب من خلال نقلها لمواطنيها إلى المستعمرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 


ليس هناك شك بحق الشعب الأوكراني في تقرير مصيره والحفاظ على استقلاله حسب ميثاق الأمم المتحدة وما ورد في المادة 51. ويتبع ذلك حقه بالمقاومة إن كانت دبلوماسية بالعودة لمجلس الأمن.. وعند شل مجلس الأمن الذي يمنع اتخاذ قرار لحتمية الفيتو الروسي فتتجه أوكرانيا إلى الجمعية العمومية التي لا تحمل فيها روسيا حق الفيتو. ولكن قرارات الجمعية العمومية غير ملزمة فنعود لموضوع حق المقاومة. ولم نسمع دولا غربية تضع أي قيود على ذلك للأوكرانيين، فماذا عن مواقع أخرى ونزاعات أخرى؟

هل للشعب الفلسطيني الحق بالمقاومة؟ بناء على ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف عام 1994؟ الجواب نعم. فما زالت دولة الاحتلال والاستعمار والفصل العنصري إسرائيل تحتل الضفة الغربية والقدس الغربية وقطاع غزة وتسلب الأرض والموارد الطبيعية وترتكب جريمة حرب من خلال نقلها لمواطنيها إلى المستعمرات في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن قانون القومية الذي أقره البرلمان الإسرائيلي، الكنيسيت، يعطي حق تقرير المصير على أرض إسرائيل فقط لليهود ولا يعرف حدود الدولة، بل الإشارة الدائمة من الحكومة الإسرائيلية هي من البحر إلى النهر. وفي تصريحات رئيس الوزراء المتطرف الحالي نفتالي بينيت رفض تام لاستقلال الفلسطينيين في دولة على أي شبر من الأراضي المحتلة. وهذا يشير إلى أن الاحتلال غير الشرعي ليس مؤقتا بل بات دائما.

بناء على ذلك فكيف للدول التي تعطي الشعب الأوكراني الذي يصل تعداده لأربعين مليون الحق في تقرير المصير والمقاومة بعد أسبوع من بدء احتلال أرضه أن تستثني أربعة عشر مليون فلسطيني من نفس الحقوق بعد سلب أرضهم وتشريدهم منذ أكثر من سبعين عاما؟ 

لا يطلب الشعب الفلسطيني أن تأتي جيوش جرارة لتحرير أرضه وإحقاق حقوقه ولكنه يصر على حقه في تقرير مصيره والتحرر مستعملا كل السبل المشروعة لتحقيق ذلك. 

حق تقرير المصير ومقاومة الاحتلال ليس مرتبطا بالعرق أو اللون.. وفي فشل الغرب في مساعدة الشعب الفلسطيني المحتل بانتزاع حقوقه بطريقة سلمية فليتوقف عن دعم المحتل وعلى الأقل إقرار حق الفلسطينيين في المقاومة المشروعة لانتزاع حقوقهم. 


التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الخميس، 03-03-2022 01:44 م
*** من المفهوم بداهة أن حق المقاومة من الحقوق الطبيعية، وهو حق أصيل لا يمنح من المعتدي ولكن ينتزع منه ويفرض عليه، ومن السذاجة والسفاهة بل ومن العمالة انتظار الاعتراف بشرعية تلك المقاومة من داعمي المعتدي والمستفيدين من عدوانه، وحق الدفاع عن النفس والعرض والمال والمعتقد والوطن، هو حق مشروع ومقرر للأفراد والشعوب، ومعترف به في كل القوانين الوضعية فضلاً عن الشرائع الدينية، بل هو واجب يؤثم تاركه عند القدرة عليه، ومثال لذلك وكتطبيق له على أرض الواقع، فإن حركة طالبان وهي حركة مقاومة أفغانية وطنية ضد المحتل الأجنبي لأراضيها، قد وصمت بكونها حركة إرهابية (إسلامية)، وبتلك التهمة الفاجرة الملفقة فقد برر تحالف دولي معتدٍ بقيادة الولايات المتحدة ودول تابعة لها وخاضعة لنفوذها، قصف مدنهم ومرافقهم الحيوية وتدمير قراهم وقتل المدنيين العزل منهم، وهي جرائم حرب ضد الإنسانية لا تسقط، ولكن الولايات المتحدة قد أضفت الحماية القانونية على الجنود الأميركان من مرتكبي تلك الجرائم بقانون استنوه خصيصاُ ينص على عدم جواز توجيه أي اتهام إليهم أو مسائلتهم على ما اقترفوه، ولثبات المجاهدين الأفغان في جهادهم ضد المحتل الأجنبي، فقد انتزعوا شرعيتهم منه، وانسحب المعتدين المتلفحين بلباس الشرعية الدولية الكاذب بهرولة مهينة، بعد الخسائر التي ألحقها بهم المقاومة الأفغانية الباسلة، وسقطت معهم الحكومة الأفغانية العميلة التي كانت دول العالم تضفي عليها شرعية مزورة ومنتحلة، والوضع ينطبق بحذافيره على الحالة الفلسطينية. والجهاد في الإسلام واجب ديني، ويدخل بالضرورة في مفهوم تلك الشرعية الإنسانية العامة، والواجب أن تكون العدالة والشرعية الدولية مشتقة منها، وإن كانت هناك محاولات مستميتة من جهات موتورة حاقدة لوصمه بالإرهاب، وليمتد ذلك المفهوم إلى الإسلام ذاته والمسلمين أنفسهم بعمومهم، مع محاولات لغرس ذلك المفهوم في أذهان الدهماء من المسلمين بالتلاعب في المصطلحات والمفاهيم، ببث أوصاف جديدة غير ذات معنى عندنا، كالتفرقة الملفقة بين المسلم والإسلامي، والمجاهد والجهادي، والإسلام والإسلام السياسي، وهو مصطلح ملفق صاغه وصكه علمانيون أقرب للإلحاد منهم للتدين، فلا يوجد إسلام سياسي وإسلام غير سياسي، ولتتضح الأمور في أن المستهدف هو الإسلام ذاته، فإن المسخ الدجال الجنرال السيسي المنقلب الناطق بلسان المحور الصليبي الصهيوني الجديد، قد وجه للمسلمين جميعاُ التهمة الكاذبة الفاجرة بقوله "أنتم يا مسلمين تريدون قتل الناس جميعاُ"، وذلك بحضور وتصفيق حشد من العمم من الإمعات الذين يصفون أنفسهم بأنهم "رجال دين"، وهو مصطلح صليبي مستورد، ترجمه علمانيون وأدخلوه في لغتنا، فليس في الإسلام رجال دين ورجال دنيا، والله أعلم.