قدم زعيم التيار
الصدري في
العراق مقتدى الصدر، الخميس، ستة مقترحات بشأن سعر صرف
الدولار الأمريكي
مقابل الدينار العراقي، من بينها استدعاء وزير المالية علي علاوي، ومحافظ البنك
المركزي مصطفى غالب بشكل فوري إلى البرلمان.
مقترحات الصدر جاءت في
ظل أجواء سياسية مشحونة؛ نتيجة قرب تشكيل الحكومة العراقية التي يصر الأخير على أن
تشكلها الأغلبية السياسية (التيار الصدري، الحزب الديمقراطي الكردستاني، تحالف
السيادة السني)، بمعزل عن قوى الإطار التنسيقي الشيعي القريبة من إيران.
"ملاحقة الفاسدين"
وطالب الصدر في
مقترحاته بـ"إيقاف تهريب العملة بقوة، والنظر في أمر بعض البنوك مثل (الشرق
الأوسط، القابض، والأنصاري) العائدة لبعض الأشخاص المتحكمين بالعملة، وغيرها من
المصارف الأهلية الأخرى، والتعامل بحزم مع البنوك العائدة لبعض الأحزاب المتحكمة في البلاد والعباد".
وحث زعيم التيار
الصدري على "تنظيم سوق العملة العراقية بصورة مركزية وبأسلوب صحيح، عبر سن
بعض القوانين التي تزيد من قيمة سعر صرف الدينار".
وبعد مقترحات الصدر
مباشرة، أعلنت رئاسة البرلمان- بحسب بيان مقتضب لها- أنها استدعت وزير المالية،
ومحافظ البنك المركزي، إلى مبنى البرلمان "فورا"، مؤكدة أن استدعاء
المسؤولين الماليين، جاء "استجابة" لتوجيهات زعيم التيار الصدري.
وقبل ذلك بيوم واحد، انتقد الصدر في تغريدة على "تويتر"، ارتفاع سعر الدولار والمواد
الغذائية، وحث الحكومة على محاسبة التجار الجشعين، فيما توعّد القيادي في التيار
الصدري، والنائب الأول لرئيس مجلس النواب، حاكم الزاملي، "الفاسدين"
بالملاحقة.
وقال الزاملي في بيان
له: "نضع اللمسات الأخيرة على تشكيل اللجان النيابية، وسنقدمها خلال الأيام
القليلة المقبلة، ولن نسمح لأي جهة كانت بتعطيل الدور التشريعي والرقابي للمجلس،
وسنعمل بإخلاص وتفانٍ من أجل دعم تشكيل حكومة أغلبية وطنية قوية، قادرة على خدمة
الشعب وتحقيق مصالحهِ".
وأضاف: "عازمون
على العمل بكل ما لدينا من صلاحيات تشريعية ورقابية لتنفيذ مشروع الإصلاح الذي
نادى به الزعيم العراقي مقتدى الصدر، وستكون هذه الدورة النيابية قاصمة لظهر
الفاسدين، بغض النظر عن انتمائهم وطوائفهم ومكانتهم الوظيفية".
"مناكفة سياسية"
دخول زعيم الصدر على
خط منع تهريب العملة الصعبة، وتحديد سعر الصرف ومراقبة بنوك بعينها، أثار تساؤلات
حول ما إذا كان تحركه يأتي ضمن المناكفة
السياسية مع قوى الإطار التنسيقي، أم أنها بالفعل خطوة أولى في مشروع الإصلاح الذي
طالما تحدث عنه الصدر؟
من جهته، قال المحلل
السياسي العراقي، صالح الحمداني لـ"عربي21"؛ إن "جميع الدعوات لرفع
قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، لا شك يقف كل الشعب معها ويطمح إلى عودته
دينارا قويا، لكن طريقة طرح الموضوع يوحي بوجود عداء وتصفية حسابات".
وأضاف الحمداني أن
"الصدر لأول مرة يذكر بنوكا بالأسماء، ولاسيما أنها تعود إلى أحد رجالات
الأعمال المرتبطين سياسيا بأطراف معينة، وهذا خلق انطباعا لدى المتابعين أن هناك
استهدافات سياسية وتصفية حسابات".
وأوضح أنه "عادة
لا يتدخل الصدر في تفاصيل الأمور، وإنما يتحدث عن العموميات، مثل دعوته للقضاء على
الفساد والحفاظ على السيادة العراقية وغيرها من الأمور، لكن التخصيص هذه المرة، يشير إلى أنها ضمن المناكفات السياسية".
وأشار الحمداني إلى أن
"سياق دعوات الصدر وتوقيتاتها جاءت بعد إبعاد هوشيار زيباري وإلغاء قانون
النفط والغاز في إقليم كردستان، وذلك كله ضمن الخلافات والمناكفات بين القوى
السياسية في أثناء مرحلة تشكيل الحكومة".
ورأى الخبير العراقي
أن "المناكفات فيها جانبان، الأول جيد لأنهم يلجؤون إلى المحاكم والقضاء
بعيدا عن السلاح والطرق غير القانونية، أما الجانب الآخر، فإن بعض الجهات السياسية
التي تتدخل في شؤون الدولة، وهي ليست جزءا منها، يخيف المجتمع العراقي من أن التدخل
بهذه القضية قد يفتح بابا للتدخل في العديد من القضايا".
الأمر الآخر، يضيف
الحمداني، أن "المجتمع العراقي يشهد تضليلا إعلاميا فيما يتعلق بموضوع
العملة، حيث أصبح الاعتقاد أن موضوعها يخضع للقرار السياسي، لكن خبراء الاقتصاد
يؤكدون عكس ذلك، هو أن قيمة العملة مرتبطة بإمكانيات البلد الاقتصادية".
وتابع: "لذلك، فإن
إيهام الشعب العراقي أن القادة السياسيين قادرون على تغيير سعر الصرف، هو نوع من
التضليل الإعلامي وجزء من المناكفات السياسية، وهي سلبية كونها تؤمل الشعب بعودة
وضع العملة بعدما فقدت 30 بالمئة من قيمتها، التي بسببها فقد الموظف ثلث راتبه
جراء خفض سعر الدينار أمام الدولار قبل نحو عام".
وأكد الحمداني أن
"جميع الكتل السياسية كانت موافقة في وقتها على قرار الحكومة تغيير سعر صرف
الدولار أمام الدينار، لكن بعد ردة الفعل الشعبية تنصل الكثير من القادة
السياسيين، ووجهوا انتقادات للحكومة على قرار تغيير سعر الصرف".
"لعب بالنار"
وعلى الصعيد ذاته، قال
المحلل السياسي العراقي جبار المشهداني لـ"عربي21"؛ إن "الحراك
السياسي حام اليوم، وشدة الصراع بين التيارات دفعها إلى استثمار كل شيء وتحويل كل
الوسائل الممكنة لكسبه".
وأضاف المشهداني أن
"التيار الصدري يشعر بسبب ما يروج له خصومه السياسيون أنه هو من يتحمل قضية
ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، وأن محافظ البنك المركزي محسوب أيضا
على التيار، وهذا ما تروجه الأوساط السياسية".
وتابع: "لذلك، التيار الصدري يجد نفسه ملزما بطرح عدد من المقترحات التي من الممكن أن تساعد في
دعم الوضع الاقتصادي شبه المنهار في العراق، خاصة للطبقات الفقيرة التي معظمها
تمثل جمهور التيار الصدري".
في الوقت نفسه، يضيف
المشهداني: يرى البعض أن مقترحات الصدر هو جزء من الرد على قرارات المحكمة
الاتحادية الأخيرة التي استهدفت حلفاء التيار الصدري، بينما يرى آخرون أنها جزء من
سياق الإصلاح الذي ينادي به الصدر، وكلا التفسيرين يستند إلى عدد من الوقائع.
ورأى أن "الصدر
إذا شرع في موضوع الإصلاح، فلا يمكن العودة عنه إلى نهاية عمر الحكومة المقبلة، التي
إذا تشكلت وكان هو مسؤولا عنها، بمعنى أنه إذا بدأ بالإصلاح بهذه الطريقة، لا يمكن
العودة في منتصف الطريق وهذا يصب في مصلحة المواطن".
ولفت إلى أن
"المواطن غير معني كثيرا بأسباب خطوات الصدر، وإنما يريد أن يتحقق شيء لصالحه في الشارع؛ سواء كانت مناكفة أم إصلاحا حقيقيا، فهو يبحث عن النتائج
الملموسة".
وعن مدى تحقيق خطوة
الصدر هذه نجاحا في ضبط العملة، قال المشهداني؛ إنه "مجرد طرح موضوع وتسمية
بنوك بعينها والحديث عن القضية الاقتصادية وسعر صرف الدولار، أحدث إرباكا في
الشارع، بدليل أن سعر الصرف شهد هبوطا، وهذا يعني أن هناك تأثرا في القرار".
وأردف: "الكل
سينتبه إلى أن الاقتصاد هو الذي يحرك السياسة، وأن الاستهداف الاقتصادي لأي جهة،
سواء لإقليم كردستان وردة فعل التيار الصدري، سيؤذي الجميع، ومن ثم كل الأطراف
السياسية ستشعر أنها بدأت تلعب بالنار، وهذا يمكن أن يحرق الجميع بما فيها العملية
السياسية".
وردا على دعوة الصدر،
وجه وزير المالية العراقي، علي عبد الأمير علاوي، الجمعة، رسالة غاضبة إلى رئيس
الوزراء مصطفى الكاظمي، رفض فيها استدعاءه من قبل النائب الأول لرئيس البرلمان
حاكم الزاملي، وإدارة الدولة من خلال التغريدات.