تواصل
أحداث حي
الشيخ جراح بالقدس المحتلة، واعتداءات المستوطنين على أهله، تصدر عناوين الأخبار
في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وسط مخاوف أمنية من انتقالها إلى مناطق أخرى في الأراضي
الفلسطينية المحتلة، في تكرار متوقع لأحداث رمضان الماضي، حين اندلعت حرب غزة وهبة
فلسطينيي 48 تضامنا مع
القدس والأقصى.
في الوقت
ذاته، تحمّل محافل إسرائيلية أوساط الحكومة والشرطة مسؤولية ما يقترفه
المستوطنون من
جهة، والإهمال الجاري للأحياء الفلسطينية في القدس من جهة أخرى، ما يتسبب بتدهور الأوضاع
الأمنية، فضلا عن انضمام جوقة من زعماء المستوطنين اليهود، ممن يشغلون مواقع سياسية
ووزارية وبرلمانية إلى موجة التحريض ضد المقدسيين.
إليشع
بن كيمون وحاييم غولديتش الكاتبان في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ذكرا في مقال
مشترك ترجمته "عربي21" أن "معركة حي الشيخ جراح تدور منذ عقود بعيدًا
عن الأضواء، بين الوثائق القديمة التي يقدمها الفلسطينيون عن ملكيتهم للمنازل والبيوت
التي يقطنونها، وبين المراوغات القانونية التي يقوم بها المستوطنون ومحاموهم في المحكم
الإسرائيلية. لكن منذ أن بدأ النشطاء الفلسطينيون الميدانيون في رفع رأسهم أخذ الموقف
على الأرض يصبح عنيفًا بشكل متزايد".
وأضافا
أن "السبب الرئيسي لهذا التوتر يعود لقانون أملاك الغائبين الذي سنته إسرائيل
في أوائل سنوات تأسيس الدولة، وينص على أنه من حق اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم عام
1948 بسبب سيطرة الأردن على شرق القدس المطالبة بها مرة أخرى بعد عام 1967، لكن ذات
القانون لا يسمح للفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم في وضع مماثل باستعادة ممتلكاتهم،
بزعم أنه فقد الحق في هذه الأرض، رغم مراوغة القضاء الإسرائيلي بإيجاد حيلة تتمثل بالاعتراف
بالفلسطينيين المقدسيين بأنهم مستأجرون".
وجرت
العادة في السنوات الأخيرة أن تُعقد جلسة استماع قانونية أخرى من حين لآخر، ويتم تقديم
الاستئنافات، وتستمر الإثباتات في الظهور في المحاكم، حيث تتناول القضية المشتعلة الآن
إخلاء عائلة سالم من منازلهم، وقبلها طرد المستوطنون مئات الفلسطينيين من أحياء الشيخ
جراح وسلوان وغيرهما، مستغلين القانون التمييزي المعمول به في دولة الاحتلال، ما يدفع
الفلسطينيين إلى المطالبة بحقوقهم بكل الوسائل المتاحة.
مما
يزيد من تفاقم الأمور انضمام عدد من أعضاء الكنيست لهذه الموجة التحريضية ضد المقدسيين،
وعلى رأسهم المتطرف إيتمار بن غفير من حزب الصهيونية الدينية، الذي دعا أكثر من مرة
لإقامة مكتبه البرلماني في حي الشيخ جراح، بغرض استفزاز أهله في وضح النهار، وصب مزيد
من الزيت على نار التوتر القائم أصلا، وفي كل مرة يحضر إليها إلى الحي تستأنف المواجهات
الميدانية على الأرض، ويتخللها الاعتداء على الفلسطينيين، وتخريب ممتلكاتهم، وكتابات
باللغة العبرية تحمل تهديدات بالقتل ضد الفلسطينيين، والطلب منهم الخروج من الحي، الذي
تحول عمليا إلى منطقة تستنزف الاحتلال والفلسطينيين معاً.
تتعمد
سلطات الاحتلال غض طرفها عن الحقيقة الدامغة بملكية الفلسطينيين لمنازلهم في حي الشيخ
جراح، وتكتفي بزيادة قوات الشرطة والأمن بشكل كبير في الحي من أجل زيادة شعور المستوطنين
بالأمن، ما يعمل على رفع مستوى التوتر الميداني على الأرض بين الجانبين، وزيادة ألسنة
اللهب المشتعلة، مع العلم أن تواجد أعضاء الكنيست اليمينيين في منطقة التوتر تأتي بغرض
المزاودة الحزبية الإسرائيلية على حساب الفلسطينيين، وهو ما كشفه وزير الخارجية يائير
لابيد بالإشارة إلى بن غفير.
لعل
أكبر دليل على ذلك، ما ظهر لافتا من موقف أعلنه زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، الذي
أدان طلب الشرطة من بن غفير إغلاق مكتبه البرلماني من حي الشيخ جراح، مع أن نتنياهو
ذاته حين كان رئيسا للحكومة خلال أحداث أيار/ مايو 2021 وافق قبل ثمانية أشهر فقط على
إغلاق مكتب بن غفير، بدعوى أن الوضع في الحي متفجر ولا يحتمل مزيدا من الاشتعال، لكن
موقفه تغير اليوم لاتهام الحكومة الحالية بالتساهل مع الفلسطينيين، والتشدد مع المستوطنين،
لأغراض انتخابية بحتة.