ملفات وتقارير

ما هي أسباب استهداف سعيّد لمنظمات وطنية في تونس؟

يسعى سعيّد للتفرد بالتحكم في جميع مفاصل الدولة - (الرئاسة التونسية)
يسعى سعيّد للتفرد بالتحكم في جميع مفاصل الدولة - (الرئاسة التونسية)

ذكرت وكالة تونس أفريقيا للأنباء أن وزيرة العدل في تونس، ليلى جفال، طلبت بتاريخ 28 كانون الثاني/ يناير 2022، فتح تحقيق قضائي ضد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري عبد المجيد الزار.

يأتي ذلك بعد يومين من دعوة المكتب التنفيذي للمنظمة الفلاحية، جميع الفلاحين والبحارة، عبر بيان له إلى الانطلاق في خوض كافة الأشكال النضالية المشروعة على الصعيدين الجهوي والوطني والاحتجاج على "تواصل غياب الإرادة السياسية الصادقة للاهتمام بقطاع الفلاحة والصيد البحري والتمادي في تهميشه وهو ما أدى إلى تراكم مشاكله وتفاقم معاناة ومتاعب الفلاحين والبحارة وارتفاع منسوب الاحتقان والغضب لديهم"، حسب البيان ذاته.

كما صرح أمين عام حزب العمال في تونس، حمة الهمامي، بأن "رئيس الجمهورية يستهدف اتحاد الشغل بهدف إضعافه حتى تتمكن حكومته من تمرير الإجراءات المؤلمة وخياراتها."

في السياق ذاته استدعى قيس سعيد أكثر مرة، رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية ليطلب منه تارة دعوة التجار إلى تخفيض الأسعار متهما بعضهم بالقيام بالمضاربة والاحتكار ويوجه تارة أخرى من خلاله رسائل لبعض رجال الأعمال ويتهمهم بالفساد.

تمثل المنظمات الثلاث الأولى قوة جماهيرية واجتماعية كبيرة كما لعبت أدوارا متقدمة سياسيا (الحوار الوطني، حوار قرطاج 1 و2) أو اجتماعيا عبر المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، فلماذا تستهدفها السلطة القائمة؟

الانقلاب على درب أنظمة الاستبداد

لا يختلف ما يقوم به الانقلاب اليوم في تونس مع ما حصل في أنظمة الاستبداد زمن بورقيبة وبن علي وهو ما أكده أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية محمد الرحموني لـ"عربي21" بالقول إن "تعاطي السلطة القائمة مع المنظمات الوطنية بالتهميش والاستهداف مؤشر على أنها على درب أنظمة الاستبداد."

وحول تاريخ علاقة السلطة زمني بورقيبة وبن علي بالمنظمات الوطنية يقول محمد الرحموني: "لكل من بورقيبة وبن علي سياسة واضحة في التعامل مع المنظمات الوطنية ترتكز على على الإلحاق والتدجين والهيمنة والتهميش فالحلّ إذا استعصى الأمر عليه، وفي حين استعمل بورقيبة إيديولوجيا "الوحدة القومية" لتبرير هذه السياسة استعمل بن علي مقولة "المجتمع المدني".

 

إيديولوجيا، الوحدة القومية كانت شعار بورقيبة السحري لتجميع كل الشعب وكل منظماته ومؤسساته حول "المجاهد الأكبر".. وعلى نفس النهج سار بن علي متخذا من شعار "المجتمع المدني" أي الدفاع عن المجتمع المدني ضد الإسلاميين ذريعة لدفع كل المنظمات الوطنية للاصطفاف وراء سياسات "صانع التغيير" ومن يرفض يتهم بكونه معاديا للمجتمع المدني ومدنية الدولة.


ويضيف الدكتور الرحموني في نفس الاتجاه: "ويمكن اعتبار علاقة النظام البورقيبي بالاتحاد العام التونسي للشغل خير نموذج يلخص سياسة بورقيبة تجاه المنظمات الوطنية فقد عمل بورقيبة على إقصاء أحمد بن صالح من قيادة الاتحاد وذلك بسبب توجهات بن صالح الاشتراكية".

 وفي مرحلة السبعينيات عمد بورقيبة إلى سياسة "فرق تسد" فاستعان بالحبيب عاشور للهيمنة على المنظمة ولكن بمجرد أن أبدى هذا الأخير امتعاضه من تدهور الأوضاع الاقتصادية قبض عليه وسجنه وعمد إلى إنشاء ما يشبه المنظمة الشغلية الموازية عبر تكوين ما سمي آنذاك بـ "الشُّعب المهنية" (نقابات عمالية موازية).

وأكد الرحموني أن الرغبة في الهيمنة لم تستثن حتى منظمات المهن الحرة مثل اتحاد الفلاحين (الذي كان مواليا لصالح بن يوسف) وعمادة الأطباء وعمادة المحامين.

اقرأ أيضا: مساعد الغنوشي: إقالة رئيس البرلمان بتونس لا تمر إلا بالدستور


المنظمات الوطنية لم تخضع للانقلاب

يوم 26 تموز/ يوليو 2021، وإثر إعلان انقلابه، دعا قيس سعيد المنظمات الوطنية إلى اجتماع، كان من بين المشاركين فيه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول ورئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، عبد المجيد الزار، وتوجه خلال هذا اللقاء برسائل طمأنة للمنظمات المشاركة بعد تفسير إجراءاته وتوضيح بعض خطواته القادمة وهو ما جعل الاتحاد التونسي للشغل يعبر عن مساندته إجراءات 25 يوليو، وذهب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري إلى تكليف رئيسه ببذل الجهد المطلوب لتقريب وجهات النظر والتعجيل بتجاوز الأزمة، من جهته عبر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية عن "استعداده للمساهمة في الجهود الرامية إلى تخطي هذه الفترة "العصيبة" التي تعيشها البلاد".

مع تواصل الانقلاب وازدياد غموضه، زادت الأزمة الاجتماعية في تونس حيث ارتفع معدل البطالة والتضخم وتراجعت قيمة الدينار بما دفع عديد الأطراف في تونس لتراجع مواقفها وسياساتها في التعامل مع السلطة.

وفي هذا الصدد دعا أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إلى "وضع سقف زمني للإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد قبل ما يزيد على 4 أشهر، وتقديم رؤية واضحة في الاختيارات السياسية" مضيفا "إن سعيّد انطوى على نفسه، وأعلن تحكمه بمفاصل الدولة".

 

وفي سياق متصل طالب الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية "بتوضيح الرؤية حول المسار الاقتصادي والاجتماعي المستقبلي المزمع اتباعه" من قبل سعيد وحكومته.

 

يأتي البيان الأخير للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري في هذا السياق أيضا، حيث يؤكد مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري خالد العراك لـ"عربي21" بأن "الوضع في قطاع الفلاحة وصل إلى مرحلة خطيرة وغير مسبوقة بلغت درجة عدم توفير الدولة المستلزمات الضرورية من بذور وأسمدة بما ينعكس سلبا على قدرة الفلاحين على الإنتاج ويجرنا إلى العجز في توفير قوت التونسيين وتهديد الأمن الغذائي لتونس".

 

ويضيف العراك "بأن دعوة الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري هياكله للاحتجاج والخروج للرأي العام عبر ندوة صحفية لكشف ما آلت إليه الأوضاع في القطاع الفلاحي كانت نتيجة لتعاطٍ سيء وغير مسؤول مع تحذيرات المنظمة من المخاطر المحدقة بأمن البلاد وسيادتها الغذائية وما يمكن أن تجر إليه من عدم الاستقرار والانفلات والذهاب إلى المجهول في ظل واقع سياسي هش وغير مطمئن".

المنظمات الوطنية vs مشروع البناء القاعدي

يقوم مشروع البناء القاعدي الذي يطرحه سعيد على القطع مع ما يعتبرها وسائط (الأحزاب، المنظمات، الجمعيات) وهو ما أكده عادل بن عمر عضو مجلس شورى حركة النهضة لـ"عربي21" حيث يقول: "ما يحدث مع الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري واستهداف رئيسه، هو نفسه ما يحدث مع اتحاد الشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية".


وأضاف بأن "النظام القائم يحاول ضرب أهم التنظيمات شعبية أو تمثيلية في البلاد (الوسائط) ابتداء بالأحزاب الكبرى مرورا بمنظمة الأعراف وتهديدها بـ "الصلح الجزائي" وصولا إلى مؤتمر اتحاد الشغل وتنسيقية "تصحيح المسار" داخله".


في السياق ذاته يعتبر سامي الطريقي عضو المكتب التنفيذي للنهضة في تصريح لـ "عربي21" أن "القناعة الراسخة من خلال الممارسة السياسية أن صاحب مشروع البناء القاعدي يرفض إيلاء المنظمات الوطنية دورها ومكانتها ما قد يعطي انطباعا أنها أيضا تعتبر من الوسائط غير المرغوب فيها".

وفي نفس الصدد يقول عضو الهيئة التنفيذية لمبادرة مواطنون ضد الانقلاب لمين البوعزيزي لـ"عربي21" إن النظام القاعدي الذي يتبناه سعيد يستهدف المجتمع وكل أشكال تنظيمه، من أحزاب ومنظمات ونقابات.


يهدف هذا النظام إلى ربط المجتمع بالقائد في شكل ذرات غير منظمة وجعلها ضحايا وغير فاعلة، ويضيف البوعزيزي أن هذه الأنظمة هي أشد الأنظمة استبدادا.


وتعتبر الناشطة التونسية شيماء عيسى في تصريحها لـ "عربي21" أن "ما يسمى بمشروع البناء القاعدي هو محاولات لتفكيك البنى التحتية للدولة والمجتمع على حد سواء لذلك يستهدف كل أشكال التنظم السياسية والمدنية وحتى التراتبية الإدارية نفسها ليصبح شكل النظام قائما على شخص واحد أي أنه نظام مركزي في عمقه لا يستوعب أي شكل من أشكال الأجسام الوسيطة".


وتضيف شيماء عيسى: "المنظمات باعتبارها جزءا من وسائل وآليات تتشكل من خلالها رؤى وآراء تعبر عن فئات وشرائح مجتمعية تعبر عن نفسها من خلالها، تمثل تهديدا لسلطة الفرد التي يريد البناء القاعدي إرساءها بشكل ملثم".

التعليقات (1)
الدون
الثلاثاء، 01-02-2022 06:35 م
الدون سعيد الفارس الشهم و بمساعدة خياله الفياض يريد تغير فكر الشعب التونسي و طريقة عيشه يريد حمايته من طواحين العدل و القضاء يشهر سيفه ضد المنظمات كلها بدون إستثناء،إنه يريد الإرتقاء بشعبه إلى ما يناسبه إلى عصر المجد و الفروسية