صحافة دولية

MEE: إسرائيل لن تتجه للسلام وعلى بريطانيا الاعتراف بفلسطين

شليم: المعايير المزدوجة كانت دائما علامة سياسة المحافظين- جيتي
شليم: المعايير المزدوجة كانت دائما علامة سياسة المحافظين- جيتي

قال المؤرخ أفي شليم، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد، إن إسرائيل لن تجنح أبدا للسلام، وحان الوقت لكي تعترف بريطانيا بدولة فلسطينية. وجاء بمقال نشره موقع "ميدل إيست آي" في لندن أن بوريس جونسون وصف مرة "وعد بلفور" بأنه "غير متماسك بطريقة مأساوية"، ولأن إسرائيل تقول اليوم صراحة إنها لن تتفاوض على السلام، فهناك حاجة لكي تعيد بريطانيا النظر في سياساتها من النزاع.

 وجاء مقال شليم في ضوء التصريحات غير العادية لوزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يائير لابيد في 3 كانون الثاني/ يناير، الذي سيحل محل نفتالي بينيت كرئيس للوزراء في 2022 وبناء على ترتيبات الائتلاف الحاكم في إسرائيل، "عندما سأكون رئيسا للوزراء"، "فلن نعقد مفاوضات مع الفلسطينيين، واتفاق الائتلاف يمنع التقدم على هذه القناة". وها قد سمعنا الكلام مباشرة من فم الحصان: فلا يوجد شريك إسرائيلي للسلام ولا أي مساحة للوهم حول نوايا إسرائيل التي ستحاول الحفاظ على الوضع الراهن في الوقت الذي تحاول فيه تجنب السلام مع الفلسطينيين.


 وأشار الكاتب إلى أن طبيعة الوضع الراهن جسدها تقرير أصدرته أخيرا منظمة حقوق الإنساني بتسيلم بعنوان "نظام تفوق عرقي يهودي من نهر الأردن إلى البحر المتوسط: هذا نظام تمييز عنصري". 


وأضاف شليم أن ورقة التين التي استخدمتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لإخفاء تحيزها الواضح تجاه إسرائيل، وهي أن المفاوضات المباشرة بين الطرفين هي الحل من أجل التوافق على دولة فلسطينية قابلة للحياة، قد سقطت من أجل مناسبة الحاجات العرضية للسياسة الداخلية الإسرائيلية.


وقال شليم إن عملية السلام التي دعمها الأمريكيين قد تحطمت على صخرة إسرائيل الداعية للحرب في عام 2016. وبطرق ما فقد كانت العملية السلمية سيئة جدا أكثر من عدم قيمتها. فتحت غطاء المشاركة في مفاوضات السلام، واصلت إسرائيل مشروعها الاستعماري غير القانوني في الضفة الغربية. 

 

اقرأ أيضا: منظمات يهودية أمريكية تطالب بوقف انتهاكات المستوطنين

 

والآن وقد سقطت ورقة التين، فما تداعيات هذا على حكومة بوريس جونسون المحافظة؟ وقبل الجواب عن هذا السؤال، أشار الكاتب إلى ملاحظة تاريخية واستدعاء حقيقة أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني هو صناعة بريطانية أنتجت في عام 1917، فقد أصدرت الحكومة البريطانية وعد بلفور الذي تعهدت فيه بدعم إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين طالما لم تؤثر على الحقوق المدنية والدينية "للمجتمعات غير اليهودية" في البلد. وفي وقت صدور الوعد، لم تتجاوز نسبة اليهود في فلسطين 10% لم تكن تملك سوى 2% من الأرض. ولكن بريطانيا تحيزت لحقوق الأقلية على حساب الغالبية. 


وأشار شليم إلى أن المعايير المزدوجة كانت دائما علامة سياسة المحافظين من النزاع، ومن أرثر بلفور وحتى رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون. وقاد البريطانيون في الفترة ما بين 1920 – 1948 انتدابا على فلسطين، وكانت ركيزة السياسة البريطانية هي حرمان السكان من تنظيم انتخابات إلا لحين زيادة عدد اليهود وتحولهم إلى غالبية. وكان العداء للدولة الفلسطينية عاملا مهما في السياسة البريطانية من 1947- 1949، فقد قوت بريطانيا الإمبريالية الحركة الصهيونية للقيام بعملية سيطرة كاملة على فلسطين، وهي عملية لا تزال قائمة دون توقف حتى يومنا هذا.


 وأصبح حزب المحافظين اليوم مؤيدا قويا للصهيونية كما كان في السابق. وتصل نسبة النواب في المقاعد الخلفية عن الحزب وأعضاء أصدقاء إسرائيل في الحزب إلى حوالي 80%. وزار ثلث أعضاء الحكومة البريطانية إسرائيل في رحلات دعمتها الحكومة الإسرائيلية أو اللوبيات المرتبطة بها. 


وفي الوقت الذي تلتزم فيه الحكومة رسميا بحل الدولتين، إلا أن سجلها هو الدعم غير المشروط لإسرائيل واللامبالاة الكاملة بالحقوق الفلسطينية. وفي عام 2017، رفض جونسون، كوزير للخارجية، الدعوات لعدم إحياء ذكرى مرور مئة عام على صدور الوعد والتكفير عنه بالاعتراف بدولة فلسطينية. وقال: "اللحظة لم تسنح بعد للعب هذه الورقة". ونظرا لأن الاعتراف كان سيلغي حل الدولة ويعطي الفلسطينيين قدرا متكافئا في المكانة، فقد كان عذرا غير مقنع لعدم التحرك.

 

وبدا عدم حياد وتحزب جونسون تجاه إسرائيل من خلال رفضه المتكرر للدعوات التي طالبت بتحميل إسرائيل مسؤولية أفعالها غير القانونية وجرائم الحرب. وفي عام 2021، عارض تحقيقا للمحكمة الجنائية الدولية بجرائم زعم أن إسرائيل ارتكبتها في الأراضي التي تحتلها إسرائيل. وفي رسالة لأصدقاء إسرائيل في حزب المحافظين، قال فيها إن بريطانيا وان احترمت استقلالية المحكمة، لكنها ليست مع هذا التحقيق. وكتب: "يعطي التحقيق انطباعا بأنه من طرف واحد وهجوم متحيز على صديق وحليف لبريطانيا". 


وعلق الكاتب بأن منطق كلام جونسون يعني أن هذا الصديق والحليف هو فوق القانون الدولي والتدقيق الدولي. ويشير كلام لابيد إلى الفرضية التي تقوم عليها سياسة حزب المحافظين، وهي أن يد إسرائيل دائما ممتدة للسلام في الحالة التي يتخلى فيها الفلسطينيون عن هوسهم بالعنف ويأتون إلى طاولة المفاوضات، ويمكن عندها التوصل لسلام، وهو موقف منفصل عن الواقع. 


ويرى المؤرخ أن على الحكومة البريطانية الاستماع إلى تصريحات لابيد الأخيرة، وتعيد تقييم سياستها بناء على هذا التصريح. وهي بحاجة لأن تستيقظ وتشم رائحة القهوة. وهي بحاجة لمواجهة حقيقة أن السبب الرئيسي لهذا المأزق ليس الفلسطينيين، ولكن إسرائيل المولعة بالحرب. فالسياسة القديمة باتت في وضع رث، وهناك حاجة لسياسة جديدة. وبالنسبة لجونسون، فكلام لابيد لا يعتبر تحديا، ولكن فرصة. فلطالما فهم جونسون أن وعد بلفور لم يكن عادلا مع الفلسطينيين وترك تداعيات مأساوية. وفي كتابه "عامل تشرتشل"(2014)، وصف جونسون الوعد بأنه "غير متماسك بطريقة مأساوية". وكوزير للخارجية، اعترف وإن على تردد أن بريطانيا قد تعترف بالدولة الفلسطينية عندما يحين الوقت. وبالتأكيد فهذا هو الوقت المناسب، فالاعتراف بفلسطين لن يحل فقط النزاع، لكنه سيؤدي لحساب تاريخي بين بريطانيا وضحايا سياستها الفلسطينية.

التعليقات (0)