قضايا وآراء

ومضى عام ولم تمض أزماته!

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600
رحل عام 2021، ولم ترحل معه صفحاته المليئة بالمشكلات والأزمات التي تخص عالمنا العربي، والتي ورثها عن عام أو ربما عن أعوام خلت، فما كان منه إلا أن أورث تلك التركة الثقيلة لعام 2022، والذي بدوره يورثها مع أزماته المستجدة إلى العام الذي يليه وما بعده إلى آخره. وهكذا تظل الأزمات تتعاظم وتتوارث من عام لآخر، حتى تصبح أثقل من أن تحملها السنون فتنوء بها ويحدث الانفجار العظيم!

لا أريد أن أبعث التشاؤم في نفوسكم، ولكنني أسجل واقعاً ربما يغفل عنه الكثيرون من العرب مع استقبال عام جديد، وينشغلون بنبوءات المنجمين النصابين والفلكيين المحتالين وسحرة فرعون الذين يسلطهم في تلك الليلة ليملأوا شاشات التلفزة، وليُسْكروا الشعوب بالأوهام والأكاذيب، فتعيش على أمل تحقيق تلك الأمنيات وهي مستلقية على الأرائك مرتاحة دون أن تتحرك في انتظار معجزة تهبط عليها من السماء، مكتفية فقط بالتضرع إلى الله؛ تسأله أن يزيح الغمة عن الأمة، فلا تجهد نفسها بالسؤال وماذا قدمت لهذه الأمة البائسة لنهضتها من كبوتها وإعادتها لسيرتها الأولى؛ من علم أو معرفة في زمن التكنولوجيا لتفيد به البشرية، كما فعل أسلافها الأوائل. للأسف لم تقدم غير الذل والهوان، ولم يقدم حكام تلك الأمة غير الخزي والعار!

أمة تمتلك تراثا حضاريا وإنسانيا عظيما لم تملكه أمة مثلها في التاريخ، أصبحت واقفة جامدة خارج دوران الأرض وبعدت عنها الأزمنة، استسلمت للظلم والطغيان وكأنه قدر محتوم يجب أن تُسلم به، وجلست في مقاعد المتفرجين دون التفكير بقدراتها الهائلة وإمكاناتها العظيمة وثرواتها الطائلة التي أنعم بها الله عليها، ورضيت بالحياة الدنيا وجلست مع القاعدين، تشاهد المجازر التي تُرتكب في حق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وبدعم وتأييد من حكامها المسلمين، ولم يرجف لها رمش، وقالت نحن مستضعفون في الأرض لا طاقة لنا اليوم ولا قوة لدينا لنواجه بها جبابرة العالم، وهي تملك كل القوة والقدرات على امتداد كل هذه البقعة الجغرافية الشاسعة!

أمة غافلة، استكانت بإرادتها وهي ترى أعداءها يتكالبون عليها من كل حدب وصوب وهي فاتحة لهم ذراعيها، واكتفى أبناؤها بترديد الآية الكريمة "حسبنا الله ونعم الوكيل" دون أن يفهموا معناها. فالله لا يكون حسيباً ولا وكيلاً للضعفاء الذين رضوا بالذل والهوان واستمرأوا العيش فيه والتلذذ في كنفه، ولكنه حسيب ووكيل المُستضعفين الكرماء في الأرض، الذين يبغون العيش بكرامة وعزة ويعملون على رفع راية الأمة خفاقة ولو كانوا ذا قلة، هنا فقط يتدخل الله وينصرهم (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله)..

هؤلاء القلة رأيناهم في العام المنصرم وفي كل عام في القدس وغزة، ورأينا كيف دافع ثلة من أهالي القدس العُزل عن المسجد الأقصى بصدورهم العارية وقدموا أرواحهم فداءً له وقرباناً إلى الله وللأقصى..

ورأينا المقاومة الفلسطينية بإمكانياتها المحدودة والتي لا تضاهي القوة العسكرية للعدو، ولكنها تملك قوة الرجال الأشداء الذين باعوا أنفسهم لله ولفلسطين، فاستطاعوا أن يهزموا العدو الصهيوني رغم كل ما يملكه من أدوات قوة وتكنولوجيا ومال ودعم خارجي منقطع النظير، وتحطمت أسطورة جيشه الذي لا يقهر، عند صخرة معادلة الردع الصاروخي التي فرضتها المقاومة، وفشل في حسم المعركة في أيام سريعاً كما زعم، ولم يستطع أن يحقق أيا من أهدافه..

لقد مُني العدو الصهيوني بهزيمة لم يشهدها منذ زُرع كيانه السرطاني في قلب الوطن العربي عام 1948، وسطرت المقاومة الفلسطينية، ملحمة أسطورية في نضالها ضد العدو الصهيوني، والتحم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بكامل طوائفه وانتماءاته الدينية والحزبية حولها، في مشهد فريد لم تشهده فلسطين من قبل، حتى في انتفاضة عام 1936، مشهد سجله التاريخ في ذاكرة الأمة..

وإذا كان هناك من شمعة مضيئة في النفق المظلم من العام المنصرم، فستكون تلك الشمعة التي اشتعلت من القدس ومن غزة فأضاءت وجه الأمة كلها، ودائما وعلى مر الأزمنة يجيء نور الأمة من أشجار الزيتون في فلسطين، ولهذا يتكالب أعداء الأمة على إطفائها بأسرع وقت. وهذا ما حدث بعد معركة القدس وتلك الانتفاضة الشعبية الهائلة التي لازمتها في جميع الأراضي الفلسطينية، والتي لم يُحسن استغلالها وتوظيفها؛ أولاً لإزاحة رئيس سلطة التنسيق الأمني العميلة "محمود عباس"، ورجاله من زمرة أوسلو بعد أن قال الشعب كلمته واختار طريق المقاومة لتحرير فلسطين، في استفتاء علني أمام العالم كله.. وثانياً لم تتم إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من جديد لتثبيت اللحمة بين فصائل الشعب الفلسطيني والتي ظهرت جلياً أثناء الانتفاضة، وترميم الصدع أو الشرخ الذي حدث ببنيان الشعب الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو اللعينة. هذا لم يحدث للأسف، واستمر الوضع الفلسطيني كما هو عليه، واستمرت سلطة التنسيق الأمني العميلة في مكانها، وهي التي كانت ترتجف خوفاً من أن يُطاح بها بعد معركة سيف القدس!

ونحن الكتّاب الذين كنا نرصد بفخر بطولات المقاومة أمام شاشات التلفزة وأبهرتنا صور الانتفاضة الفلسطينية العظيمة؛ وقعنا في فخ الجملة المأثورة وسارعنا بالقول إن "ما بعد معركة سيف القدس لن يكون كما قبلها".

وها هو "محمود عباس"، وقبل أن يُسدل الستار على عام 2021، يذهب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، لمقابلة وزير الجيش الصهيوني "بيني غانتس"، في الوقت الذي يُعتقل فيه مئات الفلسطينيين ويُزج بهم في السجون ويلاقون أشد أنواع العذاب، وتتعرض فيه قرى ومدن فلسطينية لهجمات المستوطنين بشكل يومي. ولكن عباس لا يرى كيف يساق الفلسطينيون مكبلين بسلاسل من حديد معصوبي الأعين، ولا يسمع صراخ زوجاتهم ولا أنين أمهاتهم ولا بكاء أطفالهم، فيتعهد لغانتس بأنه لن يسمح بممارسة العنف واستخدام الأسلحة النارية ضد المغتصبين (المستوطنين) الصهاينة، كما تعهد بالاستمرار على هذا النهج طوال بقائه على هذا الكرسي الملطخ بدماء الفلسطينيين، كما ذكرت ذلك وسائل إعلام صهيونية. بل إن مراسل موقع "والا" الصهيوني ذكر أن بيني غانتس قال معاتباً عباس: "إن هناك انخفاضاً في عمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد المقاومة في الضفة ويجب عليهم العمل أكثر"!

كما أضافت إذاعة "كان" أن غانتس قدم الشكر لعباس لقيام الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بتخليص الشابين الصهاينة من محاولة الفتك بهما في رام الله في مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

ولم يفت غانتس أن يكرم عباس على خدماته الأمنية الجليلة للكيان الصهيوني؛ ويهديه زجاجة زيت زيتون مسروقة من أرض فلسطين المحتلة!!

وأبى عباس ألا يبدأ العام الجديد إلا بتقديم هدية لأصدقائه الصهاينة بهذه المناسبة العظيمة، فأمر سلطته الأمنية، سلطة دايتون، بشن حملة اعتقالات واسعة في جنين نيابة عن السلطات الأمنية في دولة الاحتلال، أو لنقل فرعها الصهيوني الآخر في رام الله!

ألم أقل منذ البداية إن عام 2022، ما هو إلا إرث ثقيل لعام 2021، بل لأعوام خلت؟ ولقد اخترت القضية الفلسطينية لأنها خير شاهد على ذلك، فهي لا تزال تدور مع الأعوام ويتلقفها عام بعد الآخر منذ أكثر من سبعين عاماً وتنتقل من جيل إلى جيل ومن نضال إلى نضال في انتظار لحظة الانفجار العظيم، والتي لا نعرف موعدها، ولكننا نعرف أن النصر فيها سيكون لأصحاب الأرض الأصليين، للفلسطينيين الذين سيحررون أرض فلسطين كلها من البحر إلى النهر..

الاستعمار مهما طال أمده فمصيره إلى الزوال، والظلم كلما زاد وعم وطغى فمصير الظالمين الهلاك، المهم أن نعمل ويكون لنا دور في هذه النهايات السعيدة؛ لتنقشع الغمة عن الأمة ونعيد لها مجدها الذي سلف..

twitter.com/amiraaboelfetou
التعليقات (0)