انتظر البسطاء من العسكر أن يعضوا كل شيء إلا رغيفهم؛ غير أن العسكر عضوا قلوبهم وأرواحهم ورغيفهم وشربوا دمهم وأكلوا أكبادهم، ولم يبقوا في وطن الجياع سوى الخوف والوجع الصعب
وفي ليبيا استطاعت قوى الشر أن تخلق شخصية حفتر العسكرية الفاشلة، وهي أسوأ من شخصية القذافي نفسها، وقد ارتبطت باسمه جرائم الإبادة والقتل خارج القانون والمقابر الجماعية وإثارة الفتن وتقسيم الليبيين، وجلبت بمعاونة الإمارات مليشيات الفاغنر والمرتزقة من أكثر من دولة، لتمعن في تمزيق البلاد وجرها إلى مستنقع الفوضى والموت والدمار.. وهو ما تسعى إليه الإمارات تحديدا، وهو إطالة أمد الفوضى ليصل الناس إلى قناعة بأن الثورات العربية لم تجلب لهم سوى الموت والعذاب وعدم الاستقرار..
وفي اليمن لعبت الإمارات ومعها السعودية أخبث لعبة في تاريخ المنطقة، حيث استغلت الأولى الفاقة والحاجة، وبأموالها استطاعت شراء الذمم وتكوين تحالفات صغيرة هنا وهناك، واستطاعت أن تفكك البنية الاجتماعية للبلاد وقتلت واعتقلت وعذبت كما يحلو لها ذلك، دون رادع من دين أو خلق.. وقام الحوثيون بما لا يقل سوءا عن الفحش الإماراتي، فقد اجتمع على اليمن سلاح الإمارات ومرتزقتها من اليمنيين، وسلاح السعودية الذي بطش بالمدنيين، وسلاح الحوثيين الذي قسم البلاد بناء على خطة سيطرة إيرانية لم تزل تدور حول نفسها منذ سنوات..
ومؤخرا شاع المثل المستحدث الذي يقول: "عَضَّ قلبي ولا تعَضَّ رغيفي"، وانتظر البسطاء من العسكر أن يعضوا كل شيء إلا رغيفهم؛ غير أن العسكر عضوا قلوبهم وأرواحهم ورغيفهم وشربوا دمهم وأكلوا أكبادهم، ولم يبقوا في وطن الجياع سوى الخوف والوجع الصعب..
استبشرنا بالثورات العربية بادئ ذي بدء، إلا أن هذا الاستبشار لم يدم طويلا؛ فلم نكن نفهم جيدا المعنى الحقيقي للدولة العميقة، ولم نكن نتخيل - بما أوتينا من طيب قلوبنا وحسن نوايانا - أن تنقلب الأمور رأسا على عقب، بتحريض صهيوني وخليجي، ولم نكن نتوقع أن قطاعا كبيرا من أبناء هذه الأمة المنكوبة بعارها - ينحاز لحكم العسكر
وأغرب ما في الأمر أن تجد شخصا مداهنا مدعيا لا قيمة حقيقية له يدافع عن الدكتاتورية من أمثال المدعو يوسف علاونة الذي قال مؤخرا: "الوطن العربي بحاجة لحاكم مجرم لا يسمح للي بيلعبوا بذيلهم"، ثم يطالب العسكر في السودان باعتقال كل المتظاهرين.. لأن الديمقراطية تدمر البلاد..!! ومع أن علاونة وغيره لا يستحقون الذكر، إلا أننا نذكُرهم لأن خلفهم أمثالهم من السياسيين الذين يوجهون خطاباتهم ويملون عليهم ما يقولون؛ بما يدفعنا لتقريعهم؛ ليسمع أسياد ألسنتهم..
لقد استبشرنا بالثورات العربية بادئ ذي بدء، إلا أن هذا الاستبشار لم يدم طويلا؛ فلم نكن نفهم جيدا المعنى الحقيقي للدولة العميقة، ولم نكن نتخيل - بما أوتينا من طيب قلوبنا وحسن نوايانا - أن تنقلب الأمور رأسا على عقب، بتحريض صهيوني وخليجي، ولم نكن نتوقع أن قطاعا كبيرا من أبناء هذه الأمة المنكوبة بعارها - ينحاز لحكم العسكر، وفي لقاء لي مع فضائية النيل الثقافية كنت متفائلا جدا بمصر، فقد قلت بأنني أتوقع أن تكون مصر خلال أعوام قليلة في مصاف الدول التي يحسب لها ولاقتصادها وقوتها العسكرية ألف حساب.. كان ذلك إبان حكم الشهيد د. محمد مرسي، ولم يكن يخطر ببال كثير من الطيبين أمثالي أن ثمة مؤامرة تحاك في الخفاء؛ أبطالها العسكر وخلفهم دول خليجية وكيان غاصب..
لكن على الرغم مما كان من إجهاض للثورات العربية إلا أن القادم لن يكون كسابقه؛ فالشعوب لا تنسى، وربما كان إصرار الشعب السوداني على مواصلة التظاهر أحد الأدلة على أن الشعب السوداني قد وعى الدرس، وفهم خطورة ألاعيب العسكر ومن يقف وراءهم من الدول التي تمارس الكيد السياسي في سبيل القضاء على الثورات العربية ووأدها في مهدها، إذ ربما أدرك الشعب السوداني ما اقترفه العسكر في دول الربيع العربي الذي أحاله خريفا ذابل الروح؛ فخرج من ربقة القطيع إلى فضاء الوعي والرفض المؤدي إلى الحرية، ولا يراودني أدنى شك في بلوغ الشعب السوداني غاياته التي يصبو إليها إذا واصل التظاهر بعيدا عن ضغوط السياسيين التوفيقيين من أمثال رئيس الوزراء حمدوك وغيره؛ فعلى الشعوب ألا تستمع إلى السياسيين، وأن تنسجم فقط مع صوت حناجرها المدوية في وجه القتلة وقطاع الطرق وأن تتجاهل عبارة "الحكمة تقتضي..."!
ينبغي ألا يصيب اليأس شعوب أمتنا لقاء ما كان، فلعل ما حدث كان درسا ضروريا لبذل مزيد من الوعي والفهم لطبيعة التفكير الخبيث للعسكر، وضرورة تحييدهم عن المشهد في أية ثورة قادمة، مهما كانت الصعوبات وقسوة المواجهة وحجم التضحيات
ينبغي ألا يصيب اليأس شعوب أمتنا لقاء ما كان، فلعل ما حدث كان درسا ضروريا لبذل مزيد من الوعي والفهم لطبيعة التفكير الخبيث للعسكر، وضرورة تحييدهم عن المشهد في أية ثورة قادمة، مهما كانت الصعوبات وقسوة المواجهة وحجم التضحيات، والأمل لا ينقطع وبلوغ المجد يحتاج إلى عناد وإعداد وتضحية. فالشعوب تمتلك الحقيقة حين تمتلك الجيوش القوة، ولا شك بأن الحقيقة أكثر نجاعةً من القوة وأبلغ منطقا، مهما أصاب الشعوب من ظلم وعنت.. وحين تدرك الشعوب أنها ليست قطيعا من الخرفان؛ ستنتصر على جلاديها وستتقهقر قوى الظلام، وسيكون الانكفاء الثوري القهري أثرا بعد عين.. تلك هي الحقيقة، وذلك هو منطق التاريخ..
حكم العسكر لا يمكن أن يأتي بخير لأية أمة؛ فهو الخراب على كل صعيد.. وإن أقسى ألم يقع على نفوس الأحرار أن نسبة لا يستهان بها من الشعب لم تفهم بعد معنى أن تحكم الدبابة، وتنتصب بديلا عن أحلام الندى والسنابل والقصائد..!
بواسطة: بنت الثورة
الأحد، 02 يناير 2022 02:26 محكوماتنا صارت هشة جدا مما يجعلنا نرتعد من القادم ، مثلما ذكرت سيد.محمود الكرة الآن في ملعب الشعوب وحدها تستطيع افتكاك ربيعها و أنا متفائلة جدا فمن ذاق حلاوة الحرية لا بد راجع للتحليق في سماء لا يعكر صفوها الجلادون
بواسطة: خالد سرور
الأحد، 02 يناير 2022 06:06 مسلمت يمينك دكتور محمود، فقد اختصرت المشهد كاملا .. فلا بد من وعي قبل أي تحرّك .. فالعجلة تضيع المواقف ، والغباء في تصديق ما يمت بالمعسكر بصلة يحرف البوصلة انحرافا قاتلا .... ولا بد من الاعتبار بما سبق وكان ... مع أن ثقتنا بالفرج والتغيير ما زال له مكان . دام مداد قلمك دكتورنا الحبيب.
بواسطة: جعفر محمد
الأحد، 02 يناير 2022 06:22 ممقال يلامس كبد الحقيقة بورك قلمك
بواسطة: أبو العبد الحلبي
الأحد، 02 يناير 2022 06:31 مبوركت على المقال الرائع ، و هذا تعقيب أخيك العجوز : من أمثال مدينة حلب العزيزة (كار مو كارك... بيخرب ديارك) و"ترجمة اللهجة الحلبية " لهذا المثل أنّك إذا عملت في مجال لا تمتلك علماً فيه و لا خبرة فإن ذلك سيؤدي إلى تدمير حياتك وحياة من حولك . في المثل الأفصح الذي هو دعاء أيضاً ( رحم الله امرأً عرف قدر نفسه) ، و مثل حكيم ثالث مع دعاء (رحم الله امرأً عرف حدَه فوقف عنده). القاعدة العامة في البلدان المتقدمة ، قديماً و حديثاً ، أن لا يكون لديهم حكام من العسكر . واجبات و مهمات الجيوش تتضمن حماية الديار من الأخطار و منع الاعتداء على العباد و البلاد مع التدريبات المستمرة على ذلك بأحدث الطرق و الوسائل و التدخل أثناء الكوارث – زلازل ، براكين ، فيضانات ، إغلاق ممرات بريَة و بحرية ...الخ – بمعدات الجيش التي يتقن تشغيلها . إن خرج جيش عن هذه الواجبات و المهمات ، فقد ((خان شعبه و بلده )) مهما زعم عكس ذلك. لا يجوز للعسكر الاشتغال بأمور الحكم أو السياسة أو إدارة ولايات أو محافظات و كذلك لا يجوز للعسكر السيطرة على النشاط الاقتصادي. على أن عسكر الهزائم ، في الوطن العربي ، أرونا - و لسنوات طويلة كمتحكمين - طغيانهم و تفاهتهم و سفههم و سيرهم بالبلاد نحو الهاوية في كافة قطاعات الحياة من صناعة و تجارة و زراعة و ثقافة و تعليم - المدرسي و الجامعي – و صحة ناهيك عن غلاء الأسعار و البطالة و تدهور مستويات المعيشة و تآكل الأجور و الفقر و الجوع و المرض و عدم القدرة على امتلاك مساكن للأجيال الشابة. هذا البؤس و الشقاء لدى شعوبنا ليس نتيجة تصرفات ذاتية من العساكر . إنها تصرفات تحصل بأوامر و توجيهات خارجية ممن يسيطر عليهم كأنذال ، و هذا المسيطر هو استعمار فرعوني حاقد لئيم معادي لأمتنا كأشد ما تكون العداوة . لكن الله كبير و ما في أكبر منه .
بواسطة: تقوى علوي
الأحد، 02 يناير 2022 06:51 مأعجيني ما قلته عن الشعب السوداني وأتمنى أن يصمدوا حتى النهاية ليلقنوا العسكر درسا في الرجولة، ويكونوا قدوة لغيرهم ومدرسة في الإصرار والصمود. رغم الردة التي تلت الثورات إلا أننا لم نفقد الأمل ولن نفقده، وسنظل على درب الثورة حتى آخر رمق.
بواسطة: تقوى علوي
الإثنين، 03 يناير 2022 10:28 صأستاذ محمود ألا تستحق تونس مقالة منك
بواسطة: محمود وحيد صيدم
الإثنين، 03 يناير 2022 10:33 مبورك قلمك الشاعر الكبير الأستاذ محمود النجار
بواسطة: رتيبة سليم
الأحد، 09 يناير 2022 01:47 مكلام عميق و تحليل رائع يصوّر واقع الدول العربية وما يدور من أحداث و ماكان ايضا وسنبقى ننتظر جواب لهذا السؤال المهم شكرا استاذ الشريف محمود النجار على هذا الطرح
لا يوجد المزيد من البيانات.