اقتصاد تركي

هل يملك أردوغان عصا سحرية لخفض الأسعار بعد صعود الليرة؟

الرئيس التركي: لن نسمح للمستغلين بزيادة أسعار المواد الاستهلاكية- الأناضول
الرئيس التركي: لن نسمح للمستغلين بزيادة أسعار المواد الاستهلاكية- الأناضول

لم يكن أكثر المحللين الاقتصاديين تفاؤلا يتوقع الصعود التاريخي الذي حققته الليرة التركية خلال الأسبوع الماضي، إذ قفزت بنحو 70 بالمئة بنهاية تعاملات الجمعة، وهو أكبر ارتفاع أسبوعي للعملة التركية على الإطلاق.

 

وسجلت العملة التركية في نهاية تعاملات الأسبوع 10.9 ليرات مقابل 18.4 ليرة للدولار الواحد قبيل خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء الاثنين الماضي، أي بنسبة صعود بلغت نحو 70 بالمئة في أقل من خمسة أيام فقط.

 

يشار إلى أن المستوى الذي أغلقت عنده الليرة التركية بنهاية تعاملات أمس الجمعة هو نفس المستوى الذي كانت قد سجلته في 18 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي خلال رحلة هبوطها القياسي منذ بداية العام 2021، وهو ما يعني أن الليرة التركية استردت في أقل من خمسة أيام ما فقدته من قيمتها في نحو 37 يوما.

 

وخلال الأيام الخمسة الماضية، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدة خطابات في أكثر من مناسبة أعلن فيها عن خطة إنقاذ ونموذج اقتصادي جديد وبشائر للأتراك، قلبت الموازين بسوق الصرف التركي لم يكن يتوقعها أحد حتى المؤيدون لساسات الرئيس، لدرجة دفعت إعلاميين أتراكا لتشبيه أردوغان بالساحر الذي يمتلك في قبعته الكثير من المفاجآت.

 

اقرأ أيضا: ليلة مثيرة في تركيا.. تفاعلات ارتفاع الليرة وقرارات أردوغان

 

 

 

 

 

"العصا السحرية"

والاثنين قال أردوغان، في مؤتمر صحفي بأنقرة: "سنوفر بديلا ماليا جديدا لمواطنينا الراغبين بتبديد مخاوفهم الناجمة عن ارتفاع أسعار الصرف (...) من الآن فصاعدا لن تبقى هناك حاجة لتحويل مواطنينا مدخراتهم من الليرة إلى العملات الأجنبية، خشية ارتفاع أسعار الصرف"، وهو ما أدى إلى توقف نزيف الليرة المستمر منذ عدة أسابيع أمام الدولار، وارتفاعها أكثر من 33 بالمئة خلال دقائق معدودة.

 

وتضمن الأداة المالية الجديدة، لأصحاب الودائع بالليرة التركية عدم الوقوع ضحية للتقلبات في أسعار الصرف، والحصول على الفائدة المعلنة، يضاف إليها الفرق في سعر الدولار بين وقت الإيداع والسحب، وفقا لبيان صادر عن وزارة المالية التركية في اليوم التالي لخطاب أردوغان.

 

وفي ظل تصريحات حكومية متتالية حول تفسير الخطة الاقتصادية الجديدة وسط احتفاء شعبي وإعلامي بالصعود الكبير والمتواصل لليرة التركية وبقدرة أردوغان على قلب الموازين لصالح بلاده، خرج الرئيس التركي يوم الأربعاء معلنا أن الخطة حققت هدفها.

 

وقال أردوغان في كلمة ألقاها خلال اجتماع الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" بالبرلمان التركي: "كافة المواطنين سيكونون رابحين في الخطة الاقتصادية الجديدة وليس فقط من لديهم ودائع في البنوك"، مؤكدا أن تركيا ماضية قدما في تحقيق أهدافها المنشودة لعام 2023، عبر نظام اقتصادي راسخ ومتين.

 

وفي كلمة له أشبه بخطاب الانتصار بعدما حققت الليرة التركية أكبر صعود أسبوعي في تاريخها، قال الرئيس التركي، الجمعة، خلال اجتماع مع عدد من الاقتصاديين والأكاديميين، في مكتب الرئاسة بقصر دولمة بهتشة في إسطنبول، إن الذين لم يتمكنوا من تركيع تركيا بأي طريقة وجهوا قوتهم نحو اقتصادها.

 

اقرأ أيضا: عملة تركيا تسجل أقوى مكسب أسبوعي بتاريخها.. وأردوغان يعلق

"معركة صعبة"

 

وحث الرئيس التركي من رفعوا الأسعار إبان ارتفاع سعر صرف الدولار على خفضها بنفس الشكل إثر انتعاش الليرة التركية، قائلا خلال كلمته بالاجتماع: "ننتظر ممن رفع الأسعار مع صعود الدولار خفضها بنفس السرعة والنسبة".. وهو ما يطرح سؤالا: هل يمتلك أردوغان في قبعته عصا سحرية لخفض الأسعار كما حدث مع الليرة.. أم أن المعركة في أسواق السلع تختلف عن المعركة الدائرة بسوق الصرف؟

يذكر أن رحلة الهبوط القياسي لليرة التركية صاحبها موجة عالية من ارتفاع الأسعار تسببت في ارتفاع معدل التضخم إلى 21.3 بالمئة خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بحسب بيانات معهد الإحصاء التركي، أي أن التضخم ارتفع أكثر من أربعة أضعاف المعدل الذي تستهدفه الحكومة التركية البالغ 5 بالمئة. 

 

وفي إجابته على سؤال "عربي21"، قال الباحث الاقتصادي المهتم بالشأن التركي، أحمد مصبح، إن مسألة ارتفاع الأسعار لا تزال هي المسيطرة على المشهد الاقتصادي في تركيا، لافتا إلى أن معدل التضخم الفعلي بحسب متابعته لمؤشرات الأسعار في الأسواق التركية قد يتجاوز 50 بالمئة وليس 21 بالمئة كما أعلنته الحكومة.

 

وأضاف مصبح: "حتى تستطيع الحكومة التركية فرض سيطرتها على الأسعار هي مطالبة بتوفير سعر صرف مستقر (على فرض أن سعر الصرف هو أحد أهم المحركات الأساسية للتضخم في السوق)"، مؤكدا أنه في ظل استمرار حالة عدم اليقين والتقلبات الحادة لسعر صرف الليرة (صعودا وهبوطا) لن يكون من السهل تخفيض الأسعار بشكل ملموس.

 

اقرأ أيضا: وزير تركي سابق يتحدث لـ عربي21 عن أزمة الليرة وخطط حلها

وأوضح الباحث الاقتصادي أن الزيادة الكبيرة للحد الأدنى للأجور بنسبة 50 بالمئة، التي أقرتها الحكومة التركية قبل الإعلان عن خطتها الاقتصادية الجديدة، سترفع تكلفة الأيدي العاملة بنفس النسبة، لذلك لن يكون من السهل على أرباب العمل قبول تخفيض الأسعار -بحسب رأيه-.

 

وهناك سبب ثالث يرى مصبح أنه سيزيد من صعوبة انخفاض الأسعار في الوقت الحالي، مرتبط باحتمالات لجوء الحكومة التركية إلى فرض زيادات ضريبية كبيرة خلال العام الجديد (2022)، خاصة في ظل انخفاض قيمة الليرة مقارنة بالعام الماضي (2021)، وفي ظل الزيادة المتوقعة بفاتورة الإنفاق على الرواتب بعد رفع الحد الأدنى للأجور، مؤكدا أن هذه الزيادات المتوقعة تعني تكاليف أكبر على السلع والخدمات سيتحملها المواطن.

 

ولفت مصبح إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار موجة ارتفاع الأسعار العالمية والتي تنعكس بطبيعة الحال على ارتفاع أسعار المواد الخام التي تستوردها تركيا من الخارج وتشكل 70 بالمئة في بعض الصناعات التصديرية، إلى جانب ارتفاع أسعار الشحن نتيجة اختناقات سلاسل التوريد العالمية، وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة.

ودعا الباحث الاقتصادي إلى ضرورة توفير بيئة استقرار أكبر لأسعار الصرف (بغض النظر عن القيمة ولكن في إطار المقبول)، وتقليل هامش التقلبات، وإعادة تقييم مسألة الأجور حسب المعطيات الجديدة، بحيث يتلاءم والوضع الحقيقي للسوق، بالإضافة إلى تفعيل أكبر للرقابة على الأسعار تتلاءم مع مستويات التضخم المعلن عنها من طرف الحكومة (على فرض أن هذه الأرقام تعكس حال السوق بشكل حقيقي).

 

اقرأ أيضا: لماذا قرر أردوغان خوض الحرب على "الفائدة" قبل الانتخابات؟

هل تنخفض الأسعار؟

 

وتوقع مصبح، أن يساهم استقرار انتعاش الليرة التركية في خفض الأسعار بنسبة طفيفة لن تزيد عن 15 بالمئة في أكثر السيناريوهات تفاؤلا من وجهة نظره، مستندا في ذلك على ما يعتقده بأن مكونات ارتفاع الأسعار التي يقدرها بنحو 60 بالمئة، تنقسم إلى 20 بالمئة لارتفاع الدولار، و20 بالمئة لارتفاع الأسعار العالمية، و20 بالمئة لضعف الرقابة على الأسواق وجشع التجار. 

 

وتساءل الباحث الاقتصادي: "إذا كان الرئيس التركي يدعو إلى خفض الأسعار وجمعية رجال الأعمال والصناعيين "الموصياد" المؤيدة لسياسات الحكومة تدعو كذلك لخفض الأسعار.. فمن بيده قرار الخفض؟".

 

وخلال لقائه مع عدة قنوات محلية، الجمعة، شدد أردوغان، على أن أسعار صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية ستشهد استقرارا في وقت قريب جدا، وفقا للأناضول.

وقال أردوغان: "منذ إعلان البرنامج المالي الجديد وحتى عصر الجمعة ازدادت الودائع بالليرة التركية أكثر من 23.8 مليارا والزيادة مستمرة"، مؤكدا أن الأداة الجديدة التي تم تطويرها لحفظ الاستقرار المالي لا تتعارض مع دستور البلاد إطلاقا.

ووعد الرئيس التركي بأن حكومته لن تسمح للمستغلين بزيادة أسعار المواد الاستهلاكية، مبينا أن الدولة التركية عازمة على ذلك.

 

والخميس، أعلن وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة محلية، أن النتائج الإيجابية لـ"النموذج الاقتصادي التركي" ستظهر قبل صيف العام 2022.

وقال نباتي إن "النموذج الاقتصادي التركي" يقوم على أساس الصادرات المرتفعة وخفض عجز الحساب الجاري وضمان انعكاس مستوى الرفاهية على المجتمع بأسره.

وأشار الوزير إلى أن هذا نموذج مميز سيجذب الاستثمارات المباشرة مقابل الأموال الساخنة، وتابع: "نريد أن يأتي الناس من أجل الاستثمار المباشر أكثر من الأموال الساخنة"، مستطردا: "سوف نرى نتائجه (النموذج الاقتصادي) الإيجابية والتغير السريع قبل حلول الصيف".

وحول التطورات المتعلقة بالليرة التركية، قال نباتي، إنه كانت هناك مضاربات وتلاعبات بشأن أسعار الصرف حتى مساء الإثنين، والآن بدأ الارتفاع الوهمي يتبدد، لافتا إلى أن سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الأجنبية سوف يصل في نهاية المطاف إلى النقطة المثلى.

 

التعليقات (0)