هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن التجار وأصحاب المتاجر بتركيا يشعرون بالقلق والارتياح في آن واحد، بعد أن أدت الإجراءات الجديدة التي أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الانعكاس الدراماتيكي لقيمة الليرة.
ومساء الاثنين، شهدت الأسواق التركية حركة غير مسبوقة مع صعود الليرة، لتنخفض بذلك قيمة الدولار الأمريكي مقابلها بنسبة 30 بالمئة.
وفي سابقة ليس لها مثيل، ارتفعت قيمة العملة التركية بشكل صاروخي عقب فرض سلسلة إجراءات نقدية وقائية، ما منح آمالا مؤقتة بين صفوف الشعب التركي.
وبحلول الخميس، أصبح سعر الدولار الأمريكي حوالي 11 ليرة تركية، بعد أن كان أكثر من 18 ليرة قبل اتخاذ هذه الإجراءات.
وقال الموقع في تقرير ترجمته "عربي21" إنه بالنسبة للخبراء الاقتصاديين وحتى المسنين، لم يسبق لهم أن شهدوا مثل هذا الانعكاس الذي حدث، بعد أن كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تخفيف العواقب المدمرة لانهيار العملة المتسارع خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وبحسب الموقع، يتمثل الهدف الأساسي من هذه الخطوة في تشجيع المواطنين على الاحتفاظ بأموالهم بالليرة التركية بدلا من الدولار في ودائعهم البنكية بالفائدة، مع ضمان البنك المركزي ووزارة الخزانة تعويض أي خسارة في حالة ارتفاع قيمة الدولار خلال فترة محددة تتراوح بين ثلاثة أو ستة أو 12 شهرا.
يبدو أن الحسابات الجديدة، التي أطلق عليها البعض اسم "الدولار التركي" على منصات التواصل الاجتماعي، تقدم سيناريو مُربحا يضمن للأتراك الحصول على نفس العائد مثل أسواق العملات الأجنبية.
وإذا انخفضت قيمة هذه الأسواق إلى ما دون أسعار الفائدة الرسمية، فإن المستثمر سيظل يحصل على عائد أساسي لسعر الفائدة. وقد كانت الحسابات المالية الجديدة متاحة حتى الأربعاء في العديد من البنوك العامة والخاصة.
هوامش ربح عالية
ويمثل البازار الكبير في إسطنبول والأحياء المجاورة له قلب الاقتصاد التركي. يشهد البازار وحده معاملات صرف للعملات الأجنبية لا تقل عن 10 ملايين دولار يوميا، ترتفع في بعض الأحيان لتبلغ عشرات الملايين.
وعندما كان سعر الدولار الأمريكي ما بين 12.5 و12.9 ليرة، كانت مكاتب الصرف تحدد هامش ربح كبير بين أسعار البيع والشراء قد يبلغ حوالي ليرة واحدة.
كان معظم أصحاب مكاتب الصرف وموظفوهم متحفظين في الكشف عما إذا كان الأتراك العاديون قد توافدوا على البازار لبيع دولاراتهم وذهبهم مقابل الحصول على الليرات.
وقال صاحب أحد المكاتب، وهو يدخن سيجارة أمام مكتبه الصغير عند مدخل البازار الكبير: "لا ندري ما الذي سيحدث. لذلك، نحن نحدد هامش ربح مرتفعا بين أسعار الشراء والبيع في حالة ارتفاع قيمة الدولار مرة أخرى".
آراء مخالفة
وعلى عكس التوقعات، لم يتوافد الناس على مكاتب الصرف. وفي الواقع، لم يكن البازار الكبير وشارع ألتينجيلار المجاور له، حيث توجد العشرات من مكاتب الصرف ومتاجر بيع الذهب والمجوهرات، مزدحمةً كالمعتاد.
في معظم الأيام، يكون البازار مزدحما بشكل كبير حيث يتوافد مئات المتداولين على الدوام لشراء وبيع العملات الأجنبية والذهب والأسهم، وتراهم يتحدثون بصوت عالٍ على الهواتف المحمولة بحيث يكون الصخب هناك دائمًا. لم يكن المتداولون متحمسين إزاء الإجراءات الجديدة، بل كانوا هادئين وحذرين.
وأوضح أحدهم قائلا: "نحن لا نعرف ما إذا كانت هذه الأسعار دائمة. ما الذي سيحدث إذا قمنا ببيع الدولار فوق هذا السعر، وارتفع مرة أخرى؟".
أقر أحد بائعي الفضة بأنهم لن يكونوا سعداء أبدًا عندما لا تتضاعف عائداتهم. وأوضح البائع، الذي يصدر منتجات الفضة النهائية إلى دول آسيا الوسطى، أنه خسر المال منذ أن اشترى الفضة مؤخرًا بسعر أعلى.
وأضاف: "لا أستطيع تخزينها والانتظار حتى يعود سعرها إلى الارتفاع. ولكن خسارتي ليست مهمة. لأول مرة منذ سنة واحدة، لدى الناس أمل في مستقبل البلاد الاقتصادي".
المزيد من القروض
ورفض صاحب مكتب الصرف أو التاجر أو بائع الفضة الذين تحدثوا إلى الموقع الكشف عن أسمائهم أو السماح بالتقاط صورهم لهم لأسباب أمنية.
ورغم حذرهم، أفاد هاكان أران، المدير العام لبنك تركيا للأعمال - أحد أكبر البنوك التركية - يوم الثلاثاء بأن المستثمرين باعوا 1.75 مليار دولار في يوم واحد بعد كشف أردوغان عن الاستراتيجية المالية الجديدة.
ووفقا للبنك المركزي، انخفض عدد الليرات المودعة في بنوك الدولة إلى أقل من ملياري ليرة اعتبارًا من 15 كانون الأول/ ديسمبر، بينما تجاوزت الودائع بالدولار 3 مليارات دولار. وفي نفس الفترة من السنة الماضية، لم تتجاوز قيمة الودائع ملياري دولار. وقد أظهرت هذه الأرقام، التي لا تشمل ودائع الذهب أو العملات الأجنبية الأخرى، تفضيل الأتراك الدولار على الليرة التركية.
في الوقت الراهن، تعتقد الحكومة أن هذه الأموال ستتحول إلى الليرة وسيتم إيداعها في الحسابات المالية الجديدة. وبهذه الطريقة، تتوقع الحكومة أن يعزز البنك المركزي احتياطياته من الدولار، بينما ستكون البنوك قادرة على منح قروض للمستثمرين بأسعار فائدة أقل.
"نحن بحاجة إلى الاستقرار"
يدير بلال جولر، وهو مستورد للمنتجات الخشبية وغيرها من الهدايا التذكارية، متجرًا في منطقة ميركان بإسطنبول بالقرب من البازار الكبير. يقول جولر، الذي يشتري البضائع من إندونيسيا لبيعها في تركيا، إن أعماله التجارية تأثرت بشدة بعد أن ارتفعت قيمة الدولار لفترة وجيزة وأصبح يعادل 18 ليرة.
وصرح لموقع "ميدل إيست آي" بأن "هامش الربح انخفض إلى 20 بالمئة بعد أن كان في حدود 60 بالمئة عند انخفاض قيمة الليرة. وعندما استوعبنا نحن وعملاؤنا هذا الانخفاض في القيمة، قمنا جميعا بتحويل أصولنا من الليرة إلى الدولار".
مع ذلك، يعتقد جولر أن المشكلة الأكبر تكمن في تقلب الأسعار موضحًا أن "سعر الدولار يمكن أن يعادل 15 ليرة أو 10 ليرات وهذا الأمر لا يهم كثيرًا، لأننا في الواقع بحاجة إلى إرساء الاستقرار في أسواق العملات الأجنبية حتى نتمكن من إجراء الحسابات الصحيحة وتجنب الخسائر التي لا يمكن التنبؤ بها".
يعتقد جولر أن الإجراءات الأخيرة تعجز عن تلبية احتياجات رجال الأعمال أمثاله، لأنهم لا يستطيعون إيداع أموالهم لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر في الحسابات المالية الجديدة. وأضاف "إذا حوّل الناس العاديون أموالهم إلى الليرة ووضعوها في البنك، فإننا سنستفيد أيضا".
وأوضح أنه "سيكون من الأسهل الحصول على قروض من البنوك. كما ينبغي أن أقول إن أسعار الفائدة المنخفضة تكتسي أهمية حاسمة بالنسبة لتركيا من أجل المزيد من الاستثمارات. وبشكل عام، نحن بحاجة إلى الاستقرار. من الجيد أن نرى أن الحكومة تسعى لفعل شيء ما".
"بيئة إيجابية"
ولم يكن مركز ميركان و"تاهتاكل"، وهو مركز تجاري آخر بالقرب من البازار الكبير، مزدحمين كما كانا في السنوات السابقة. ولكنهما لم يكونا خاليين تماما من الزوار أيضا، حيث كان قلة من السياح يتجولون في المتاجر ويختلطون مع بعض المتسوقين المحليين، وهذا يعني أن المحلات التجارية أصبحت شبه فارغة مقارنة بالأيام العادية.
ويبدو أن حذر جولر الممزوج بالأمل يمثل المشاعر السائدة في السوق. حسب إبراهيم سلجوق، الذي يبيع الأواني الزجاجية وأدوات المطبخ للسوق المحلي والخارجي، فإن "أردوغان أثبت مرة أخرى صدقه وقدرته على إيجاد حلول للمشاكل سواء كانت سياسية أو اقتصادية".
وأضاف أن "الأجواء إيجابية في الأسواق في الوقت الحالي. ففي الأشهر الثلاثة الماضية، رفض المصنعون بيع أي شيء بسبب تقلب سعر الدولار. وعلى الرغم من اقتراحنا دفع ثلاثة أضعاف السعر القياسي، رفضوا البيع. وتعتبر الإجراءات الحكومية الأخيرة مناسب للغاية، حتى لو كانت متأخرة".
وأكد سلجوق أنه واثق تماما في قدرات تركيا الاقتصادية في المستقبل، معتبرا أن البضائع التركية ذات جودة أفضل مقارنة بالبضائع الصينية.
وأشار إلى أن "مشكلة تركيا الرئيسية تكمن في التقلبات. لذلك، إذا تمكنا من الحفاظ على استقرار سعر الدولار، فسوف تزيد الأسواق من حجم مبيعاتها حيث سيعرف الناس أن الأموال الموجودة في حساباتهم لن تختفي خلال بضعة أشهر". كما اعترف بأنه اشترى بعض الدولارات وخسر، ولكنه مع ذلك قال "لا مشكلة، خسارتي غير مهمة. فنحن بحاجة إلى الأمل أكثر من المال حاليا".