سياسة عربية

ملف التطبيع بين النظام السوري والأردن.. إلى أين؟

موقف السعودية لن يؤثر على العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا - جيتي
موقف السعودية لن يؤثر على العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا - جيتي

أثارت تغريدة للسفارة الأمريكية في عمان، الأربعاء الماضي، تؤكد "التزام الولايات المتحدة بالسعي لتحقيق العدالة والمساءلة عن فظائع النظام السوري" تساؤلات حول تراجع واشنطن التي تفرض عقوبات على نظام بشار الأسد، عن منح الأردن ضوءا أخضر يتيح له تطبيع علاقاته معه.

وأعلنت السفارة في تغريدتها عن لقاء عُقد الثلاثاء الماضي، بين مسؤول الشرق الأوسط والتواصل في سوريا، إيتان غولدريتش، و"سوريين اعتقلهم نظام الأسد وعذبهم"، ونسبت إلى غولدريتش قوله إنه "بدون المساءلة؛ لا يمكن أن يكون هناك سلام مستقر ودائم في سوريا".

وجاءت هذه التغريدة؛ بعد أيام من شن السفير السعودي في الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي، هجوماً شديداً على النظام السوري أمام الجمعية العامة، وزعيمه بشار الأسد، الذي وصفه بأنه "زعيم يقف فوق هرم من جماجم الأبرياء، مدعيا النصر العظيم".

 

اقرأ أيضا: هجوم حاد من سفير السعودية بالأمم المتحدة ضد الأسد (شاهد)

ولطالما كان الموقف السعودي المتشدد إزاء التطبيع العربي مع النظام السوري المعلقة عضويته في جامعة الدول العربية منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011؛ عائقا دون تحسن العلاقات الأردنية السورية، وفق مراقبين أشاروا إلى أن عمّان تخلت أخيرا عن ربط عودة علاقاتها مع دمشق بـ"توافق عربي كامل".

إلا أن موقف الرياض الرافض لعودة النظام السوري إلى حضن الجامعة العربية ما زال ساري المفعول، ما يثير تساؤلات حول تأثير التصعيد السعودي الأخير تجاه نظام بشار الأسد، على تطبيع العلاقات بينه وبين الأردن.

لا تأثيرات على تطبيع العلاقات


ويرى وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، في حديثه لـ"عربي21" أن "موقف السعودية لن يؤثر على العلاقات الثنائية بين الأردن وسوريا، كما أنه لم يؤثر على علاقات أخرى لسوريا عربياً".

واستدرك بالقول إن "الموقف السعودي يترك أثراً مباشراً على عودة سوريا للجامعة العربية؛ لأن السعودية طرف مهم في بناء أي توافق على هذا الأمر"، مشيراً إلى أن إصرار الرياض على قطع العلاقة مع دمشق؛ هو "جزء من ملف العلاقات السعودية مع إيران".

ولفت المعايطة إلى أن "الأردن يؤمن بضرورة عودة سوريا للجامعة العربية، لكن إن لم يحدث هذا قريباً؛ فلكونه يعود إلى الحالة العربية، وآلية اتخاذ القرارات في الجامعة".

وقال لـ"عربي21" إن العلاقات الأردنية السورية "تسير في منحنى عقلاني ومثمر للبلدين"، مشيرا إلى أن "التواصل السياسي الرفيع بين عمّان ودمشق؛ كان رسالة مهمة فتحت الباب لتطوير العلاقات في مجالات عديدة، كما أنها شجعت الحالة العربية للذهاب إلى خطوات تقارب مع سوريا".

وأضاف المعايطة أن "المهم أنه ليس هنالك مشكلات في طريق العلاقات بين البلدين، وثمة تجنب للملفات الخلافية"، لافتا إلى أن "مشروع تزويد لبنان بالكهرباء عن طريق سوريا؛ سيكون له دور في إعطاء هذه العلاقات دفعة إيجابية".

 

اقرأ أيضا: بيدرسون: حل أزمة سوريا ليس بالضرورة بيد السوريين وحدهم

ورأى أن الولايات المتحدة ليس لديها موقف حازم تجاه تفاصيل الأزمة السورية، "فهي تقول إنها لا تريد بشار الأسد، لكنها لم تعمل على إسقاطه كما فعلت في العراق مع صدام حسين؛ لأسباب عديدة".

وتابع المعايطة: "واشنطن في عهد أوباما وترامب وبايدن؛ تمارس تقريباً السياسة ذاتها، ولها مصالح محددة تعمل من أجلها، اقتصادية وسياسية وعسكرية، لكنها ليست معنية ببقية التفاصيل كدولة عظمى".

وقال إن "الولايات المتحدة تتخذ من المسائل الإنسانية سلاحاً تبقيه في يدها، لعلها تحتاجه أو تقايض به في مرحلة التسوية النهائية، لكن الأسلوب الذي تدير به مصالحها في سوريا لم يتغير".

وأضاف الوزير الأسبق: "أما التقارب العربي مع سوريا؛ فأعتقد أنه - بالقدر الذي نراه - أمر متاح دولياً، وواشنطن في هذا الملف وغيره ليست حاسمة في أي اتجاه، ولا أتوقع أي تأثير لتغريدة السفارة الأمريكية في عمّان على الموقف الأردني".

وحول توقعاته إزاء مستقبل العلاقة بين عمّان ودمشق؛ أوضح المعايطة أن ذلك "يعتمد على التطورات في الملف السوري، لكن الأردن يريد علاقات قوية مع سوريا، تحقق مصالح البلدين، وقد ذهب إلى تطوير هذه العلاقة بناءً على رؤية لدى الملك عبدالله الثاني؛ بعد تقييم ما وصلت إليه الحرب في سوريا".

تطبيع فني وتنظيمي


من جهته؛ قال الكاتب والمحلل السياسي، حازم عياد، إن "تغريدة السفارة الأمريكية في عمان؛ تعبر عن موقف أمريكي مناهض للتطبيع مع النظام السوري، خصوصا وأن هذا الأخير لم يستجب بالكامل للشروط الأمريكية، وخاصة تلك المتعلقة بالممرات الإنسانية والمساعدات الدولية".

وأضاف لـ"عربي21" أن "تعرض قاعدة التنف الأمريكية في سوريا لعدد من الهجمات؛ أسهم في تشدد الموقف الأمريكي تجاه التطبيع مع النظام السوري"، مستدركاً بأن "ذلك لا يعني أن واشنطن ستضع عوائق أمام اتفاق استجرار الغاز نحو لبنان عبر الأراضي السورية، أو فتح المعابر مع الأردن، مع تعهدها باستمرار إثارة الملفات الإنسانية، ومن ضمنها قضايا التعذيب وغيرها".

واستبعد عياد أن يكون للموقفين السعودي والأمريكي "أثر مباشر على موقف الأردن من التطبيع مع النظام السوري، خصوصا أن عمّان قطعت شوطا طويلا في استعادة العلاقات التجارية مع دمشق، وستعمد إلى الاستفادة من الاستثناءات الأمريكية إلى أقصى حد؛ لتحقيق مصالحها الاقتصادية، متجنبة الخوض في ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية، خصوصاً أنه يحتاج إلى إجماع عربي".

وتابع: "صحيح أن الولايات المتحدة لا تريد الضغط على الأردن في هذا الملف، ولكنها تسعى لأن يبقى التطبيع الأردني السوري ضمن المستويات الفنية والتنظيمية (المعابر والحركة التجارية والأمن)، وألا يرتقي لمستوى التطبيع السياسي عالي المستوى، وهذا يحقق منافع اقتصادية متبادلة، لكنه لا يرضي النظام السوري وروسيا".

 

اقرأ أيضا: الكتاب الأسود لوساطة الأمم المتحدة في الثورة السورية


وتوقع عياد أن يستمر التنسيق الأمني؛ لارتباطه القوي بفتح المعابر وحركة العبور التجارية، واتفاق استجرار الكهرباء والغاز، فمصالح الأردن الاقتصادية تحتل أولوية، "خصوصا أن تطبيع علاقاته مع دمشق حظيت بضمانات روسية واستثناءات أمريكية؛ أتاحت له فتح المعابر واستئناف حركة العبور والنقل التجاري".

ولفت إلى أن "تطبيع العلاقات بين البلدين يمثل جزءا مهما من خطة الأردن للتعافي الاقتصادي في ظل جائحة كورونا، وما لم تتوفر بدائل اقتصادية حقيقية، أو تعويضات كبيرة له من الرياض أو واشنطن؛ فإنه لا يتوقع أن يعمد إلى العودة عن هذه الإجراءات".

وشهدت العلاقات بين عمان ودمشق تطبيعا متسارعا خلال الشهور القليلة الماضية، تمثل في زيارات واتصالات رفيعة المستوى، أبرزها اتصال هاتفي بين رئيس النظام السوري بشار الأسد والملك الأردني عبدالله الثاني في 3 تشرين الأول/أكتوبر، سبقه لقاء في عمان بتاريخ 19 أيلول/سبتمبر؛ جمع بين قائد الجيش الأردني يوسف الحنيطي، ووزير الدفاع لدى النظام السوري العماد علي أيوب، ليتبعه بتسعة أيام اجتماع بين رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، ووفد من حكومة النظام السوري، ضم وزراء الاقتصاد والموارد المائية والزراعة والكهرباء.

وتُوجت هذه اللقاءات بفتح معبر جابر ـ نصيب بين البلدين في 29 أيلول/سبتمبر، وإعادة افتتاح المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، وانطلاق الأعمال والأنشطة التجارية والاقتصادية في 1 كانون الأول/ديسمبر الجاري، واستئناف الرحلات الجوية بين عمّان ودمشق في 3 تشرين الأول/أكتوبر، بعد انقطاع دام تسع سنوات.

التعليقات (0)