آراء ثقافية

أنا أو سِيلفي.. عن الهوس بأرشفة الأجساد

3107853
3107853
أصبحت تطبيقات التواصل الاجتماعي تمتلئ بصورنا، بجميع أشكال التقاطها، لاسيما السيلفي، أبرزها تطبيق إنستغرام.. حيث لا يمكث شخص في مكانٍ ما إلّا ويريد أن يلتقط صورة لأرشفة وجوده في هذا المكان، خاصةً إن كان ذلك المكان ينتمي بشكلٍ أو بآخر إلى طبقةٍ حداثية، مثل التوكيلات العالمية (BRANDS) لِلمطاعم، الكافيهات، الملابس وغير ذلك. بل وباتت الصورة مُتلازمة وبشكلٍ ضروري لأرشفة المناسبات الشخصية والعائليّة. ولعِبت تحولات الأنا والذات الإنسانية، والتحولات الثقافيّة والاجتماعية دورا كبيرا في الهوس بالصور، بل وبطريقة التقاطها. فما وراء ذلك الهوس بالصورة؟

الأنا التائهة

بعد أن كانت الذات الإنسانية، مستمرة في البحث عن احتياجاتها العاطفية الفردانية والاجتماعية، بل وكانت تتنقل من مكانٍ لمكانٍ بحثا عن بيئةٍ نفسية واجتماعية تنتمي معها وترتاح في الاندماج معها، باتت الآن وبفضل التحول الرقمي المُصاحب لنا دائما، وبالأخص من خلال شاشات الهاتف الذكي smartphone تجد نفسها في التقاط صورة سيلفي للوجه الإنساني، تلك الصورة التي تُلتقط، ليست بالضرورة تعبر بشكل حقيقي عن الذات الإنسانيّة الداخلية للإنسان، لكنها تُعطي للمُلتقط مساحة ما لتسويق ذاته عبر نشرها إلى الفضاء العام.

عندما يلتقط شخص ما السيلفي لنفسه ويتم تسويقه بشكلٍ ناجح، أي ينشره ويأتي بعددٍ لا بأس به من التفاعل بالحب على صورته، أي ذاته الإنسانيّة المُسوّقة، هذا يجعل من السيلفي وبوصف إلزا غودار أيقونة، أو ممارسة تألّهية، يعبدها المُلتقط بشكلٍ دوريّ ومستمر، بل ويحاول مُجتهدا أن تكون كل التقاطة أفضل من ذي قبل، حتى ينال رضا من يتواجدون في الفضاء الذي يُنشر/يُباع فيه هذا السيلفي بعدد من التفاعلات. وهكذا يستمر الأمر، ويتطلع الإنسان/المستهلك للسيلفي إلى المكانة، لأنه افتقد إلى الحب ويسعى دائما إلى البحث عنه، لا في الذوات الفردية الصديقة له، بل عن طريق جمع أكثر عددا من التفاعلات، حتى يصبح السليفي عادة يوميّة يفقد الإنسان مكانته حتى يقوم بها، وتنال رضا الجمهور [1]، فإن لم تنل الرضا، فمن الضروري محو تلك الصورة حتى لا تُفقدنا ما اكتسبناه من قيمة في الصور التي قد عرضناها من قبل، مثل الماركة التجارية التي تعرض منتجا لها، وتتفاجئ بعد عرضه من عدم إقبال المُستهلكين عليه، فتبدأ في إعادة النظر في تركيبته، هل كانت مُعيبة أو قبيحة، وتلغيها من السوق حتى لا تضر بسمعتها في سوق المُستهلكين.

الهُوية التائهة

علاقتنا التائهة بذواتنا، سرعان ما تنعكس على علاقتنا بالآخرين، فنخرج من دائرة السيلفي إلى اختياراتنا الشخصية في كافة أمور حياتنا، ونبدأ رويدا رويدا، في اختيار ما نريده حسب ذوق الجمهور المُحيط بنا، لا حسب ما نُحب، وهذا ما نُخفيه دائما، ولا نستطيع حتى مواجهة أنفسنا به. وهذا لأن اختياراتنا أصبحت بشكلٍ دائم تحت تقييم الجمهور. الآن في عصر السعي نحو نيل الرضا، عند اختيار شخص ما للارتباط به، ويكون شريكا ومحبوبا لنا، يفكر الشخص -بشكل خفي- بينه وبينه نفسه، هل عندما أُعلن على التواصل الاجتماعي الافتراضي عن الشخص الذي ارتبطت به، هل سيكون شخصا على قدر الاهتمام والتشريف في أعين الناس، هل ارتباطي بهذا الشخص سيزيد من رفع مكانتي وسطهم. وعن معايير الشريك تقول إيفا إيلوز واصفةً الذات المُحبة أنها "اُحتويت وحُميت بالحضور الكثيف للآخرين، الذين يتصرفون كحكّام ومنفذين للمعايير الأخلاقية والاجتماعية"، وقيس هذا على اختيارات وتحصيلاتٍ أُخرى، مثل نيل الوظائف الجديدة، اكتساب شهاداتٍ أكاديمية، شراء أشياء خاصة بنا، يجب قبل الإعلان عنها التأكد من أنها ستُبهر الجمهور، وبالتالي تخفف من قلق وجودها [2].

وسط كل هذا، تصبح الهوية التائهة، الهُوية التي من المفترض أن تصاحب الإنسان في كل شتّى تَحركاته اليومية والاختيارية، بمعنى أن هُويته يجب أن تعبر عن ملابسه، طعامه، الأماكن التي يُسيح فيها، الفتاة التي يُحبها، مكان إقامة حفل الزفاف، وطقوس الحفل ذاته. كل هذا يتبخر ويصبح فارغا طالما الهُوية تائهة وارتبطت بتناقضات الأنا وتيه بوصلة العلاقات بالآخرين. فيصبح الإنسان بين اختياراتٍ وتحركاتٍ وممارساتٍ هو مُجبرٌ عليها، لأن السيلفي الصباحي مع كوب القهوة، أصبح مرتبطا بوجوده في ستاربكس STARBUCKS وكوستا COSTA، لكن كوب قهوة في مكانٍ لا يعرفه أحد، سيقلل من اهتمام الناس بصورته المُعلنة لهم، لأن جزء من اهتماماتهم ليس مرتبطة بذاته وحده، بل مرتبطة بممارسات يجب عليك تنفيذها.

يُشبع الإنسان بالصورة وبالأخص السيلفي -إيروسيّته- أي رغبته في الإحساس بجماله، بعد النظر إليها وقبل حتى نشرها للفضاء العام، تملئ الفتيات تطبيقات الصور والصور المتحركة والفيديوهات القصيرة، مثل انستغرام، وسناب شات، وتيك توك، بصورهُنّ، بما أنّهن يمتلكن الجمال الأنثوي الذي يهلس حوله المتابعون إما بالتقليد بالنسبة للفتيات أو الثناء بالنسبة للرجال، الجماليّة المتمثلة في وجهٍ جذاب بما يملكه من بشرة وعينين وشفتاه، وجسد مثالي فاتن. وهذا ما يشكل نمطا أكثر صعوبة من حيث التعايش بالنسبة للنساء مقارنة بالرجال، فالجمال الخلقي والجَاذبية الأنثوية تكون أكثر وجودا وتفاعلا وهوسا.

تأتي التعليقات من المتابعين إما بالسلب على معياريّة الجمال الأنثوي، أو بالإيجاب، والملاحظ في الثانية، أن المتابعين يبثون حالةً من الهوس بأجساد النساء على تلك التطبيقات، تصل إلى حد عبادة هذا الجسد المثالي -حد وصفهم بالتعليقات-، الذين وجدوا فيه -الجسد- حالة إيروسية يتمنّوها على المستوى العاطفي والجنسي. هذا طبعا لا ينفي أن الجمال هنا يخرج من المعيارية الشخصية، ليدخل إلى الفضاء التقيميّ لسوق العمل، دائما ما تبحث شركات المنتجات المختلفة بكافة طبقاتها المحلية والإقليمية والعالمية عن فتياتٍ تسوّق لهنّ ما يبيعوه.

هذا التيه المتمثل في الذات والهُوية والثقافة، يجب وكما تقول الاجتماعيّة إلزا غودار التعمق في التفكر والتأمل به، لرصد الأعراض الحقيقة وتوفير الحلول بشأنه، هذا مخرج لا بد منه، المخرج ليس في مقاطعة التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، فالمقاطعة ليست بحلٍ قاطع، ربما تلك المقاطعة تسبب إشكالياتٍ أخرى. مؤخرا أتاح تطبيق فيس بوك خاصية منع رؤية الآخرين عدد التفاعلات على المنشورات، فلا أحد يستطيع رؤية كمية التفاعل لديك سوى أنت. وتلك هي خطوة علاجية مُهمة وقابلة للتنفيذ، فإن كان الشخص ممن يأتي بعدد تفاعلات كبير، فإن فَعّل الخاصية، يصبح بذلك غير مُجبر على المواكبة والنشر بشكلٍ دائم لنيل الرضا عن نفسه من الآخرين، وعلى العكس إن كان شخص لا يحب أن ينشر صورا له، بداعي أنّها لا تنال الرضا ولا تجلب تفاعلات كثيرة، فيمكنه النشر ولن يتمكن أحد تقييمه أو إعطائه الرضا، وهذه هي محاولة ضِمن محاولات للسعي للتخلص من هذا التيه.

الهوامش

1- آلان دو بوتون، قلق السعي إلى المكانة، ترجمة محمد عبد النبي، دار التنوير، ط1 القاهرة 2019، ص 11
2- إيفا إيلوز، لماذا يجرح الحب، ترجمة خالد حافظي، دار صفحة سبعة، ط1 السعودية 2020، ص 59.
1
التعليقات (1)
نسيت إسمي
الأحد، 21-11-2021 06:52 م
'' القمر يعلن القيود ابتسم... '' 1 ـ تعد الأساطير الإغريقية واحدة من أشهر قصص الأساطير في التاريخ البشري و أكثرها خيالاً و إثارة ، إذ قدمت الحضارة اليونانية القديمة قصصاً لاتزال تُروى حتى الآن عند الحديث عن الحب و الجمال . اتخذ الناس من أفروديت رمزاً للحب و الجمال و الشهوة الجامحة و الإنجاب فكانت ثماثيلها توضع مع العرائس في غرف النوم ليلة الزفاف كبركة للعروس تزداد بها خصوبة و جمالاً . كذلك كان لها معبدٌ في أثينا ، يذهبُ إليه الرجال و النساء و يتعبدون فيه بممارسة الجنس كجزء من العبادة . قبل الإسلام كان هناك معبد لأفروديت في مدينة الطائف بالحجاز ، و كانت تُعرف باسم اللات . كذلك في دمشق كان لها معبدٌ يذهب الناس إليه بشكل دوريّ تمّ تحويله بعد ذلك إلى كنيسة القديس يوحنا المعمدان . 2 ـ جاء رجل من أهل العراق كان يحترف التصوير ، إلى عبد الله بن عباس فقال له : " يا ابن عباس ، إني رجل أصور هذه الصور ، فأفتني فيها ؟ ، فقال له إبن عباس : أنبئك بما بما سمعت من " رسول الله صلى الله عليه و سلم " يقول : كل مصور في النار ، يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم " ، ثم استطرد ابن عباس أشار على الرجل أن يصور ما لا حياة فيه ، فيمارس الفن الجميل في غير ما هو مظنة الوثنية ، فيه النهي و التحريم ، فقال للرجل : " فإن كنت لابد فاعلاً ، فاجعل الشجر و ما لا نفس فيه " . هذه بعض نماذج من التوجيهات النبوية التي استنبط منها علماء الاسلام كراهية تصوير كل ماله روح ، كما وجهت نظر الفنان و المصمم المسلم إلى إمكانية الإستعاضة عن ذلك بتصوير الجمادات و كل ما لا نفس فيه كما أشار الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنه . من هنا نشأت الزخارف الاسلامية المتميزة و المعرفة باسم " الأرابيسك " ، و كانت على نوعين أساسيين : الأول يعتمد على الخطوط المستقيمة و الزوايا و يسمى أحياناً " بالتسطير " و هو هندسي ، و الثاني يركز على الخطوط الملتوية و الدوائر و التجريد النباتي و قد يطلق عليه " التوريق " أو " التزهير " ، و قد يحدث دمج بين النوعين السابقين . و هذا يعني أن النهي عن تصوير ما لا روح فيه قد أدى إلى إبتكار فن الأرابيسك أو العربسة أو الرقش العربي ، و كلها ألفاظ للدلالة على جميع أنواع الزخارف الإسلامية الهندسية و غير الهندسية الملونة ، و البسيطة الدائرية و المستقيمة ، النباتية و الكتابية . 3 ـ (اضحك الصورة تطلع حلوة) في عصر "السيلفي والمحمول".. الإنسان منذ قديم الأزل و هو يحب صورته التى خُلق عليها، و مهما يُبدع الرسامون بما أوتوا من موهبة لتحسين صورته، إلا أنه أخيرًا يذهب إلي صفحة الماء ليري صورته، حتى إنه ليبذل المال لأمهر الرسامين ليُجسد صورته الحقيقية فيما عُرف بـ”الرسم الجرافي” و من هُنا جاءت بداية التصوير بالرسم.اكتشافات متعددة وصلت لها البشرية بحلول القرن التاسع عشر كانت كافية لظهور أول كاميرا، منها تقنيّة الغُرفة المظلمة التي تولد فيها الصورة و لكنها معكوسة، والتي اكتشفها العالم العربي الحسن ابن الهيثم، و منها أيضًا اكتشاف أثر الضوء على بعض المواد الكيميائية، أسهمت هذه الاكتشافات في ظهور ما عرف بكاميرا «الغُرفة المظلمة» التي تلتقط صورة مشابهة لما أمام الكاميرا و تطبعها.وبالرغم من سهولة عملية التصوير تلك، إلا أن ابنة إدوين لاند، مخترع كاميرا البولارويد أو التصوير الفوري كان لها الفضل في إلهامه فكرتها، إذ تذمرت لأنها لا تستطيع رؤية صور الرحلة في نفس الوقت؛ فتحميض الفيلم الفوتوغرافي في المعامل يستغرق وقتًا طويلاً. دقيقة و نصف الدقيقة فقط تستغرقها الكاميرا البولارويد حتي تخرج الصورة، و بضع هزات في الهواء فقط حتى تجف وترى اللقطة وقد سُجلت.و باختراع البث التليفزيوني كان التصوير على موعد مع نقلة نوعية فيه، فليس بالضرورة أن نرهق عقولنا في كيفية طباعة الصورة، إذ أننا بوسعها تحويلها لشُحنات كهربائية، يمكننا تخزينها في صيغة أصفار و آحاد بلغة الكمبيوتر، واحد لنقطة النور، و صفر لنقطة الظل و بذلك تكتمل الصورة، هذه بكُل بساطة فكرة الكاميرا الرقمية أو «الديجيتال».عصا «السيلفي»أما و أن الهواتف الذكية المزوّدة بكاميرات أصبحت في يد الجميع، و أصبح تجميد اللحظات والتقاطها عادة يوميّة، وبخاصة في ظل وجود مواقع و تطبيقات تواصل اجتماعي خاصة بالصور مثل “فليكر” و “إنستاجرام”، فأنت لست بحاجة لمن يصوّرك، بل صوّر أنت نفسك “سيلفي”. و في الصور الجماعية، أحدٌ ليس مضطرًا لأن يُضحي و يلتقط الصورة هو، فعصا الـ”سيلفي” قد أتاحت للجميع أن يظهر في الصورة."الكاميرا الطائرة" وفيما أنت الآن تبتسم و أنت تسترجع ذكريات البشرية مع التصوير، هناك فريق كامل يسهر على تطوير الكاميرا الطائرة أو «نيكسي»، متخذين «حرر كاميرتك» شعارًا لهم. تثبت الكاميرا الطائرة على المعصم مثل ساعة اليد، وعندما تُعطيها الأمر، فإنك تتحرر من ساعدك و تطير في الهواء لتحررك من عبء حملها في وضعية التصوير، وتلتقط صورتك وهي معلقة في الهواء. الكل وسط هموم الحياه يبحث عن أي مصدر للسعادة، أي مصدر للضحك، يبحث عن كل ما هو جديد من أفلام كوميديا وترفيه، يبحث عن كل ما هو جديد من النكات، لعل أن يكون في وسط حياته المزدحمة بالأحداث بعض من الأوقات السعيدة، بعض من الأوقات المخصصة فقط للقلب، فقط للروح، من أكثر الأماكن التي ظهرة مؤخرا، بالإضافة إلى سهولة الوصول إليها من أي مكان، وكذلك هي أماكن نقضي فيها أسعد الأوقات مع أجمل وأروع أصدقاء هي مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أتاحت لنا مشاهدة المئات من صور حلوة مضحكة والتي نشرها الأصدقاء على تلك المواقع الاجتماعية. يقول علماء النفس أن النظر إلى صورة شخص تحبه يقلل الآلم بنسبة 44? .