قضايا وآراء

الإخوان وصراع التجديد والتطوير

محمد عماد صابر
1300x600
1300x600
الإخوان كيان له تاريخ ورصيد وحقق الكثير من الإنجازات على مستوى الفكر والقيم والممارسات محليا وإقليمياً ودوليا، لكن البعض يرى - وفقا لسنن الحياة والكون - أنه قد انتهت دورة حياة المشروع والتنظيم لاعتبارات وأسباب سبق طرحها من العديد من المهتمين؛ حينما حذروا من مرحلة شيخوخة الفكرة والتنظيم، وهذا موضوع يطول شرحه.

عموماً، انتهاء دورة الحياة ليس عيبا في الجماعة ولا مشروعها الذي وضعته لنفسها وحققت منه نسبة مقبولة تاريخياً، لكنها طبيعة دورات حياة الأفكار والكيانات والدول بل والحضارات. الخطأ الذي يقع فيه البعض وهم بالطبع من الإخوان؛ هو إسقاط سمات البقاء والديمومة والصلاحية لدعوة الإسلام على دعوة الإخوان، بمعنى أن بقاء وصلاحية جماعة الإخوان مرتبط ببقاء وصلاحية الإسلام. وهذا خطأ منهجي، مشابه لإسقاط شمولية الدعوة على شمولية التنظيم.

فالجماعة حلقة في سلسلة دعوة الإسلام سبقتها حلقات وستتبعها حلقات أخرى، وفقا لسنن الكون. فنحن في مرحلة انتقالية تشبه مرحلة بدايات الأستاذ البنا، في انتظار جيل جديد ومشروع جديد في سلسلة مشروعات الإصلاح والتغيير تحت مظلة الإسلام، نعم الإسلام.

دعوة للتفكير الهادئ

"الإسلام وريث الإنسانية".. جميل أن تكون إسلاميا، لكن انتظر، هل تعرف كيف يريدك الآخر (الغرب) خارجيا ووكلاؤه في الداخل، يريدونك إسلاميا بمعنى أن تكون مثاليا غير واقعي ولا ممكن، ترفع الشعارات وتعجز عن تطبيقها، تطلق النظريات ولا تسعى لتجريبها، يريدون أن تعيش في عمق تاريخك وأمجادك التي تستهويك، لسان مقالك كانوا وكانوا، ولسان حالك لا كون ولا كائن، يريدون أن تبقى في الماضي المتحضر هروبا من الواقع المتعثر، يريدون كلما طرحوا عليك جديدا أن تخرج لهم كروت وآفاق الماضي (كنا نملك وكان لدينا)، يريدون أن يراك العالم الواقعي في عالم غير عالمهم، غير مناسب لحياتهم.

انتبه، لا تعطهم الفرصة بتصوراتك المحدودة عن عالمك أنت لا عالمهم هم، لا تعطهم الفرصة بالمزيد من الانعزال عن عالمهم بدعوى أن يكفيك عالمك، لا تعطهم الفرصة بأن لهم الدنيا وأنت لك الآخرة، أو أن كل ما يفعلونه غثاء والآخرة خير وأبقى.

ما تستشهد به في الغالب يرضيك في عالمك ويرضيهم لعزلتك، لكنه خارج السباق والسياق.. هكذا فهمك. قد يكفيك عالمك، ولو عشت وحدك تمثل نفسك، لكن عندما تتحدث عن دين ووطن وأمة، انتظر، المسألة مختلفة، فهناك الكثير ليس من حقك، لأنك انتقلت من مربع الحق الشخصي إلى مربع حقوق الآخرين وواجباتك نحوهم.

كن إسلاميا هذا حقك، لكن إسلاميا كما أرادك الإسلام، لا كما أرادك فهمك الذي لا يتسع لأفهام وأقوال وأفكار غيرك. الإسلام هو وريث الإنسانية الوحيد، هل تعلم ذلك؟ وهو الذي يتطابق مع الفطرة الإنسانية السليمة، وهو الذي يدعم الحياة الإنسانية، وهو الذي يعطي الإنسان سعةً في التفوق، وهدوءاً في اتخاذ القرارات ونظرا بعيدا في الحاضر والمستقبل، فإن كنت لا تستطيع أن تقدم إسلاما لمن حولك ممن خالفك الفكر والرأي والمعتقد، فهل تستطيع تقديمه لعالم حائر خائر جائر؟

لا تتعجل في الدفاع فأنت لست متهما، ولا تتلمس رأسك فليست هناك بطحة، لكن تلمس عقلك والعالم حولك، كيف يفكر؟ كيف يدبر؟ كيف يدير؟ الإسلام وريث الإنسانية نعم، وداعمها وحاميها وصمام الأمن فيها، ولكن كيف؟ هذه هي المسألة، وهنا يبرز السؤال: أين جماعة الإخوان الآن في هذا الطريق، ومن هذا الفهم؟ وماذا لديها أن تفعل بعد ثماني سنوات من الانقلاب؟ باختصار:

- تعمل وفق المتاح للحفاظ على بقايا الجماعة وبقايا الحركة الإسلامية ومنتجاتها من أفكار وقيم وسلوك، لتكون أوعية للرسالة وحاضنة شعبية للجيل والمشروع القادم.

- تسعى لنشر الوعي وتصحيح المفاهيم وتوضيح الرؤى وبث الأمل، لتبقي الأجيال الحالية متمسكة بالفكر والخلق والسلوك الإسلامي، منعا لحدوث فراغات تتمدد فيها الأفكار والسلوكيات المضادة للإسلام الوسطي المعتدل، بعيدا عن التساهل والتسيب، وبعيدا عن الغلو والتشدد والعنف.

- تدرك أن انتقال الإسلام من المجتمع إلى الدولة بمؤسساتها، وما يلزمه من احتياجات في وفرة المعلومات وكفاية الكفاءات وتمدد العلاقات وتماسك التحالفات، بحاجة إلى مشروع يناسب طبيعة المرحلة. وانتقال الإسلام من المجتمع إلى الدولة خطوة تالية ومهمة، لكنها على المستوى العملي تحتاج إلى مشروعات فكرية جديدة تناسب طبيعة المرحلة وإمكانات الدولة ومواردها. فالدولة لا تقيمها جماعة ولا حزب بصورة منفردة، مهما كانت إمكاناتها المادية والبشرية والتنظيمية.. الدولة تقيمها مكونات المشهد بدعم شعبي وخلفية وطنية تقدر وتعتبر الأفكار والمعتقدات والقيم والعادات والتقاليد المجتمعية. فهل سينجحون في ذلك أم سيبقى الحال على ما هو عليه ولسان حالهم ليس في الإمكان أبدع مما كان؟

الخلاصة

- نحن بحاجة إلى ميلاد جديد لمشروع الانتقال إلى الدولة، بأفكار وأدوات وكفاءات وآليات مدنية حضارية. والانتقال ليس مسؤولية الحركة الإسلامية وحدها لأنه أكبر منها ومن غيرها، لكنه مسؤولية وطنية لكل أصحاب الأفكار والاهتمام بالشأن العام.

- شعارنا نعمل لجيل جديد بححم التحديات ومستوى الطموحات، ونحن بين أن نصل ونشاهد أو نرحل ونحن نجاهد.
التعليقات (0)