آراء ثقافية

عار مصر المقيم لخمسين عاما قادمة!

خربوش: لا أعتقد أن مصريا يحب وطنه لا يخجل من استمرار وجود هذه الظاهرة في مصرنا العزيزة، صاحبة الحضارة العريقة- عربي21
خربوش: لا أعتقد أن مصريا يحب وطنه لا يخجل من استمرار وجود هذه الظاهرة في مصرنا العزيزة، صاحبة الحضارة العريقة- عربي21

كان العنوان كافيا للمضي في قراءة المقال حتى نهايته "محو الأمية.. وجهة نظر مغايرة"، ثم إن كاتبه؛ الدكتور محمد صفيّ الدين خربوش، ذو حيثيات متنوعة، على الصعيدين السياسي والأكاديمي.

 

في مقال سابق، يتم التعريف به على أنه "أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة" لكنه في الواقع اجتاز عدة مواقع أكاديمية (رئيس قسم العلوم السياسية بكلية السياسة والاقتصاد- جامعة القاهرة)، ومناصب حكومية (وزير سابق للشباب، ورئيس سابق للمجلس الأعلى للشباب- قضى فيهما أكثر من عشر سنوات)، ومسئوليات ومهام حزبية (عضو أمانة التثقيف والتدريس السياسي بالأمانة العامة للحزب الوطني الديمقراطي، عضو لجنة الشباب في ذات الحزب)، وهو حاليا، عضو مجلس النواب (عن حزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب الثاني من حيث عدد أعضاء المجلس، وهو الأمين العام للحزب).

هذه الحيثيات، تضاف لجاذبية العنوان، وتجعل قراءة المقال، واجبة، يكفي الانتباه إلى "وجهة نظر"، و"مغايرة"، لكن المقال يكتسب، عندي، أهمية إضافية، إذ يبدو وكأنه: رد، أو تفنيد، أو تعقيب، أو على على أحسن الفروض: وجهة نظر مغايرة لما طرحه الدكتور محمد أبو الغار في مقاله المعنون "تفشى الأمية فى 25 مليون مصرى عار كبير"، والمنشور في ذات الصحيفة "المصري اليوم"، قبل ثمانية أسابيع، من نشر خربوش لمقاله.

عنواني يستعير من أبو الغار كلمة "عار"، وبذلك فإني أعاضده في أفكاره وتحليلاته واستخلاصاته، وهو ونستعرض مقالة الدكتور خربوش باعتباره يطرح فكرة نقيضة، تماما، لفكرة أبو الغار، ثم ننتهي بفكرة الشمول؛ فهو الشمول المالي، الذي سأوضحه، تاليا، والذي سنتبين منه أن الذهنية المسيطرة على الحكم في مصر مصابة؛ في أبسط توصيف ممكن، بازدواج في الشخصية، أو أنها تحمل سمات عقلية "استعمارية، استعلائية" تقود بها مقدرات البلاد.

سأذكر، أولا، أن المادة (25) من الدستور المصري، المعدل في (2014) تنص على أن: "تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين فى جميع الأعمار، وتلتزم بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدنى، وذلك وفق خطة زمنية محددة".

ثم، سأذكر، ثانية، المواد الثلاث الأولى من "قانون رقم 8 لسنة 1991 في شأن محو الأمية وتعليم الكبار"، والتي تنص على أن: "محو الأمية وتعليم الكبار واجب وطني ومسئولية قومية وسياسية تلتزم بتنفيذه الوزارات ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة واتحاد الإذاعة والتلفزيون والشركات والأحزاب السياسية والاتحاد العام لنقابات العمال والنقابات والجمعيات وأصحاب الأعمال. وذلك وفقا للخطة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار وطبقا أحكام هذا القانون.

يقصد بمحو الأمية في حكم هذا القانون تعليم المواطنين الأميين للوصول بهم إلى مستوى نهاية الحلقة الإبتدائية من التعليم الأساسي.

ويقصد بتعليم الكبار إعطاؤهم قدرا مناسبا من التعليم لرفع مستواهم الثقافي والاجتماعي والمهني لمواجهة المتغيرات والاحتياجات المتطورة للمجتمع، واتاحة الفرصة أمامهم لمواصلة التعليم في المراحل المختلفة.


يلزم بمحو أميته كل مواطن يتراوح عمره بين الرابعة عشرة والخامسة والثلاثين غير المقيد بأية مديرية ولم يصل في تعليمه إلى مستوى نهاية الحلقة الإبتدائية من التعليم الأساسي".

أوردت نص المادة الدستورية، وبعض مواد القانون كي أكون واثقا وأنا أقول: ليس عار، فقط، يا عزيزي الفاضل أبو الغار، بل جريمة، جريمة يرتكبها كل الذين نصت عليهم المادة الأولى، من القانون، وكي أقول، أيضا، أن النص الدستوري، ونصوص القانون، لها؛ على الأقل على المستوى المعنوي، نفس قوة المواد الدستورية والقانونية الآخرى، فإذا تجاوزت، وأنت تقود مركبة، السرعة المقررة، فستدفع الغرامة المالية المقررة، هذا قاعدة قانونية، يقر بضرورة الالتزام بها غالبية المواطنين، واستنادا على هذا، فإن كل الذين ورد ذكرهم في المادة الأولى من القانون يرتكبون جريمة عدم تنفيذ "واجب وطني ومسئولية قومية وسياسية"، واستنادا على هذا، أيضا، أعتقد أن الدكتور خربوش يرتكب جريمة الحض على تلك الجريمة، بالإضافة إلى ارتكابه، هو نفسه، جريمة عدم تنفيذ "واجب وطني ومسئولية قومية وسياسية"، كونه الأمين العام لحزب، وعضو مجلس النواب، وربما، وهذا لا أعلمه، لكني لا أستبعده، فقد يكون من أصحاب الأعمال أو الشركات وأعضاء النقابات أو الجمعيات.

يسرد، خربوش، ذكرياته مع "محو الأمية" من الطفولة، مرورا بالدراسة، والتجنيد، وبعد التخرج من الجامعة، وعقبها، لقرابة أربعين عاما، و"أثناء عملي ف وزارة الشباب، وفي المجلس القومي للشباب لأكثر من عشرة أعوام".


ومن كل هذ التجارب العريضة، يستخلص: وقد بذلت جميع مؤسسات الدولة، ولا تزال، جهودا تستحق الثناء والتقدير للقضاء على الأمية. 

ثم يستدرك: "بيد أن الثابت أن كل تلك الجهود لم تسفر عن تحقيق الهدف السامى بالقضاء على الأمية، والتى تتزايد نسبتها بين البالغين، وبدرجة أكبر لدى الفتيات والسيدات، أو لا تنخفض على أحسن تقدير".

هذا "تقدير، تقرير، حكم" رئيس قسم العلوم السياسية، الأستاذ الجامعي (منذ 1986)، والمسئول الحكومي، السابق "لأكثر من عشرة أعوام"، والقيادي، السابق، في الحزب الحاكم (للمدة ذاتها، فالمنصب الحكومي كان قرينا بالدور الحزبي)، والقيادي الحزبي وعضو مجلس النواب، حاليا: جميع مؤسسات الدولة فشلت.

ينقل لنا أبو الغار، طبيب أمراض النساء والتوليد الأشهر، والمثقف الكبير، والسياسي "الهاوي" الواقع كما يجب أن ينقله أبرع أساتذة العلوم السياسية: نصف المجتمع المصري يعاني من الأمية.

 

فتقدير، أبو الغار، أن الأمية، الآن، ليست، فقط، الجهل بالقراءة والكتابة، ويقصل في شرح منطلقه، وتقديره، هذا: "حقيقة الأمر أن التسرب الكبير فى المدارس فى المرحلة الابتدائية يؤدى إلى أعداد ضخمة من الذين يقال عنهم (يفكوا الخط)، وهؤلاء لا يُحسبون من الأميين، وهناك نوع آخر من الأمية مسجل فى الإحصائيات العالمية ولكن لا يتم رصده فى مصر- ربما لصعوبة ذلك - وهو الأمية الوظيفية، وهى عدم القدرة على استخدام القراءة والكتابة ومبادئ الحساب أثناء العمل، وبالتالى هذه المجموعة لا تستطيع مساعدة الإنسان أو المجتمع أو أداء العمل بكفاءة. ولن أتحدث عن الأمية الثقافية التى يتم رصدها فى بعض البلاد". وينتهي إلى: "إذا أضفنا الذين يفكّون الخط إلى المتسربين من المدارس والأمية الوظيفية، فربما تصل النسبة إلى نصف المجتمع".

وقد قدم، أبو الغار، لمقاله باستخلاص بالغ الدقة، واضح المعني، طاهر النية: إنها فعلًا كارثة كبرى تعوق أى تقدم، وتضع حاجزًا رهيبًا أمام انتشار الحداثة فى مصر التى هى أساس الحضارة فى عصرنا الحالى.

وكأبرع ما يكون الباحث ينقل أبو الغار تصريحات رئيس الهيئة العامة لتعليم الكبار: "مصر ستكون خالية من الأمية عام 2030".

 

ويعقب، أبو الغار: "وهو أمر لا يمكن أن يحدث لو استمرت سياسة الدولة بهذه الطريقة".


اقرأ أيضا : مدائح تنويرية في "منة الله السيسي"!


ويقدم الدليل: "هناك 25 مليون أمىّ يقوم بالتدريس لهم 5000 مدرس، بواقع مدرس واحد لكل 5000 أمى. وتقول الهيئة إن الدارسين فى محو الأمية 18 مليونًا، بينما كل الأميين 25 مليونا، وهو أمر غير منطقى".

ثم يستشهد، أبو الغار، برأي خبير: "صرح رئيس الجامعة البريطانية الجديدة بأن مصر طبقت أفشل نظام فى العالم للقضاء على الأمية، وأن 5% من العاملين فى الجامعة من الأميين".

ويطرح، أبو الغار، السؤال الأهم: هل استطاعت دول مشابهة لنا الخروج من مستنقع الأمية؟، ويجيب عليه: استطاعت كوبا وهي دولة شمولية أن تخفض نسبة الأمية من 65% إلى 4% فى فترة وجيزة، واستطاعت المكسيك وهي دولة شبه ديمقراطية خفض نسبة الأمية إلى 6%.


يجزم، خربوش: "لا أعتقد أن مصريا يحب وطنه لا يخجل من استمرار وجود هذه الظاهرة فى مصرنا العزيزة، صاحبة الحضارة العريقة".

خجل! فقط؟

 
فلنمضي مع منطق الأستاذ الدكتور النائب، ونرى إلى ماذا ستفضي وجهة النظر المغايرة.


هذه هي المقدمات، الفرضيات، التي يقدمها، خربوش: من المؤكد أن نسبة الأمية كان من المحتمل أن تصل إلى الصفر أو تقترب منه، لو تم إيقاف التسرب من التعليم خلال الستين عاما الماضية. 


للأسف، لم يحدث، هذا هو الواقع، فما هي الفرضية الثانية؟

يجيب، خربوش: ولا شك أن الأميين والأميات دون سن الستين عاما هم نتاج عدم الاستيعاب، أى عدم الذهاب إلى المدارس، أو التسرب بعد فترة من الالتحاق بالمدارس. 

فلنفترض، فماذا يترتب على هذا؟


يجيب، خربوش: ومن ثم، آن الأوان لتغيير الطريقة التى تم التعامل من خلالها مع تلك الظاهرة خلال فترة تجاوزت نصف القرن، حيث ثبت عدم جدواها.

الطريقة التي ثبت عدم جدواها، هي محو أمية وتعليم الكبار، هذا ما يقصده أستاذ العلوم السياسية، الوزير والقيادي السابق في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، والأمين العام لحزب الشعب الجمهوري، وعضو البرلمان، الحالي.

محو أمية وتعليم الكبار فشلت، الدولة فشلت، دولة مبارك، ودولة السيسي، ودولة السادات، ودولة عبد الناصر، فشلت، فما الحل يا دكتور خربوش؟

هنا، يكشف، خربوش، النقاب عن "مغايرة"، ويصرح: "يجب أن توجه جميع الجهود إلى تحقيق هدفين، أولهما الاستيعاب الكامل لكل الأطفال فى مرحلة التعليم الأساسى من ناحية، والآخر المنع التام لحدوث أى تسرب خلال تلك المرحلة. وأقترح أن تتوقف الهيئة عن بذل أى جهد فى تعليم الكبار، وقد يكون من الملائم أن تتولى تلك المهمة منظمات المجتمع المدنى".

ثم يختم: "قد يبدو هذا الاقتراح غريبا بالنسبة للكثيرين، بيد أن تطبيقه الصارم يضمن القضاء على الأمية خلال الخمسين عاما القادمة، إن لم يكن قبل ذلك، من خلال الاستيعاب الكامل لكل من بلغ سن الالتحاق من الأطفال، ومنع أى احتمال للتسرب من مرحلة التعليم الأساسى والتحول إلى الأمية مرة أخرى".

هذه وجهة نظر خربوش المغايرة: الموضوع، ببساطة، مجرد خجل، فلا حل ممكن، نخجل لمدة نصف قرن قادمة.

وهذه وجهة نظر أبو الغار: "أعتقد أن الدولة المصرية إذا وقفت بجدية خلف مشروع تمت دراسته بعناية، فسوف يقفز بمصر إلى الأمام خطوات كبيرة ويمحو هذه السُّبة على جبين كل المصريين وكل نظم الحكم خلال قرن من الزمان".

لم يعد لدينا سوى الحديث عن الشمول المالي، وهو؛ بحسب تعريف بنك تنمية الصادرات المصري: أن يجد كل فرد أو مؤسسة في المجتمع منتجات مالية تناسب احتياجاتها، على سبيل المثال حسابات توفير، حسابات جارية، خدمات الدفع والتحويل، التأمين، التمويل والائتمان، وغيرها من المنتجات والخدمات المالية المختلفة، التي تقدمها المؤسسات المالية الرسمية مثل البنوك وهيئة البريد وشركات التمويل متناهي الصغر وغيرهم.

 

وقد طلب البنك المركزي في مارس 2020 بضرورة قيام البنوك بأنشاء إدارة مستقلة للشمول المالي مع ضرورة اعداد استراتيجية متوسطة الاجل (3- 5 سنوات) لتحقيق الشمول المالي.

ممكن، إذا، أن يجد كل فرد منتجات مالية (مذكورة في الفقرة السابقة) في ظرف أقصاه أربعة أعوام من الآن، لكن على الملايين من المصريين ("كل المصريين"؛ كما قدر أبو الغار) عليهم بحسب وجهة نظر الدكتور خربوش التعايش مع الخجل لنصف قرن قادم.

أي عار نحيا؟ وإلى متى؟

الدولة الجديدة، الوعي، تجديد الخطاب الديني، حتشوفوا اللي عمركم ما شفتهوش.

فعلا: شمول مالي، شامل، وأمية تتفشى.

أشد الاستعماريين انحطاطا لم يكن يحلم بهذا.


3
التعليقات (3)
نسيت إسمي
الإثنين، 25-10-2021 05:37 م
و مع أننا أمة (إقرأ) لكن للأسف لا نقرأ ، و إذا قرأنا لا نقرأ المفيد من الكتب . '' أمة اقرأ لا تقرأ '' ‏سُئل ?ولتير يوما، من سيقود الجنس البشري؟ فأجاب واثقا: الذين يعرفون كيف يقرؤون. وفي جوابه هذا إشارة واضحة وتأكيد صريح على أهمية القراءة في حياة الفرد والمجتمع. وقد كانت القراءة ولا تزال واحدة من أهم وأنجع الوسائل العلمية والمعرفية. فبفضلها ينفتح الإنسان على عوالم جديدة، فيطلع على أفكار الآخرين ومعتقداتهم، ويتأمل في آراءهم وقصصهم، ويكتسب من حيث لا يدري آليات جديدة تساعده على فهم نفسه والعالم من حوله. ومما ترويه لنا كتب التاريخ أن الفراعنة كتبوا على باب أول مكتبة لهم: (هنا غذاء النفوس وطب العقول).وتأكيدا لهذا الشعار، حرصت الأمم المتقدمة ـ ولا تزال ـ على نشر ثقافة القراءة بين مختلف شرائح المجتمع، فأسست دور النشر والمكتبات، وبنت المدارس والجامعات، وشجعت التعليم في صفوف الأبناء والآباء والأمهات، وفوق هذا وذاك، سهلت أسباب الولوج إلى العلم والقراءة متحدية بذلك كل المشاكل والعقبات. ونتيجة لذلك، ازدهرت العلوم والمعارف عندها، فتخرج منها علماء وفلاسفة ومفكرون معاصرون استغلوا المنجزات الفكرية التي أنتجها المسلمون والإغريق في عز نهضتهم، فقرؤوها بإمعان، واستنبطوا منها ما يفيدهم للمضي قدما نحو التقدم العلمي والرقي التكنولوجي. والمتأمل لحال المسلمين مع القراءة في عصرنا الحالي لا يمكن إلا أن يشعر بالحيرة ويتملكه الاستغراب، فبعدما كان المسلمون بشكل عام والعرب بشكل خاص من أكثر الشعوب قراءة وإنتاجا فكريا في أوج عزهم وعطائهم، تطالعنا الإحصائيات المحلية والدولية اليوم بأرقام مخجلة مفادها أن أمة إقرأ لا تقرأ. وفي هذا الصدد، أظهرت دراسة أنحزتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) سنة 2014 أن حصة كل مليون عربي من القراءة لا تتجاوز ثلاثين كتابا، مقابل 854 كتابا لكل مليون أوروبي، وأن ما يقرؤه العربي هو ربع صفحةٍ في السنة، مقابل 11 كتابا في السنة للفرد الأمريكي.وفي ظل هذا الوضع، نتساءل بألمٍ وحرقة عن أسباب هجرنا للكتاب وابتعادنا عن القراءة رغم تأكيد ديننا الإسلامي على أهميتها. فأول أمر إلهي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم هو قوله تعالى: [اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علَّم بالقلم، علَّم الإنسان ما لم يعْلَم]، وفي ذلك تأكيد على أهمية القراءة وارتباطها الوثيق بتحصيل العلم والمعرفة. وفي السنة النبوية، نجد أن النبي الكريم كان يولي القراءة اهتماما بالغا لدرجة أنه كان يطلب من الأسرى الذين يريدون فداء أنفسهم أن يُعلِّموا عشرة من المسلمين القراءة والكتابة. وفي ذلك إشارة إلى قيمة القراءة كحاجة ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها. فهل نحن معتبُرون؟ بقلم: زينب غيلان .
نسيت إسمي
الإثنين، 25-10-2021 02:15 م
أينما أتجه أسمع شكوى ومعاناة من سوء التعليم ومن فساد النظام التعليمي ومن انعدام التربية الأخلاقية في المدارس، ونتائجها من جهل وعادات بالية وتقاليد وثقافة مغايرة تغزو المجتمع العراقي. ولم تعد الحلول الترقيعية أو الإجراأت الجزئية أو القرارات الاعتباطية وغير المدروسة في ما يتعلق بنظام التربية والتعليم تنفع في النهوض بأوضاع المدرسة كي تضطلع بأدوارها التربوية والتعليمية لبناء الإنسان العراقي، ولن تستطيع إذابة الجمود التربوي وإزالة اسوار الحصار الداخلي والقضاء على الفساد من دون توفر رؤية ستراتيجية للإصلاح من أجل تكوين مدرسة مهارات وجودة وأخلاق.حذرنا سابقا ونعيد التحذير من عدم التعامل بكل جدية وحزم مع موضوع اصلاح التعليم، حيث انه اذا لم يتم اصلاح التعليم جذريا والاكتفاء باتخاذ بعض الاجراأت الجزئية، فالعراق سيسصطدم لا محالة بتفاقم الازمة وانهيار النظام التعليمي برمته مما سيخلق حالة ثقافية شاذة قوامها الفساد والتسيب وضعف المعرفة، وهذا التحذير موجه بالخصوص الى وزارة التربية والى البرلمان العراقي. من مظاهر عدم التعامل مع هذه الأزمة واعتبار ان كل ما يحدث طبيعي واعتيادي وليس فيه ما يثير القلق، هو تفاقم فساد المدرسين وعدم الإيفاء بمتطلبات مهنتهم واحتماليات انقراض التعليم الحكومي المجاني في الامد القريب نتيجة فقدان ثقة الناس بالتعليم في المدارس الحكومية. وبرغم كون الجامعات ليس إلا مدارس ثانوية عليا ولها مشاكلها الخاصة إلا انها تعاني من ضعف المدخلات نتيجة ضعف التعليم والتعلم في المراحل المدرسية الاولية والثانوية وضعف التأهيل وتدريب المهارات. والمظهر الآخر، هو "ضعف الهيكل التنظيمي، والبنى التحتية، والتجهيزات المدرسية، وتخلف مستوى المناهج المدرسية واعتمادها على الحفظ والتلقين، وغياب المواد التي تنمي الحس النقدي للطالب، وتمكنه من أسلوب تفكير وتحليل منطقي" على ضوء دراسة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والتي رسمت صورة قاتمة لجودة قطاع التعليم في الدول العربية حيث نبهت الدراسة "الى أنه ما دامت الجودة ضعيفة في المدارس العربية التابعة للقطاع العام، فإن قدرات هذه الدول على تحقيق نسب كبيرة للنمو الاقتصادي والرفع من ناتجها الداخلي الخام ستظل محدودة". وصمة عار على جبين الدولة النفطية ان يدرس ابناؤها في اكواخ وبنايات متهرئة لا تصلح حتى لتربية الحيوانات! والمظهر الثالث، هو ضعف الاهتمام بالتربية الاخلاقية وفي غرس الاخلاق المدنية من سلوك ومواقف وقيم في نفسية الطالب وعدم اعتبار الاخلاق امراً مرتبطاً الى حد كبير بالتربية السليمة، وببيئة الشخص ومجتمعه، وتفتقد التربية السليمة للطالب حتى تدريس الاخلاق الدينية في درس الدين وبث روح التسامح والتآخي، وقد يعود هذا الى ضعف التكوين التربوي للمعلم اوالمدرس، والى ضعف الاهداف التربوية لدرس الدين. وتعود الحاجة الى تربية الطالب تربية اخلاقية سليمة الى ان المجتمع العراقي يعاني حاليا أزمة أخلاقية ربما تؤدي إلى انهياره، و من اسبابها انحطاط الوعي، و سقوط الأخلاق في أوساط قطاعات واسعة من هذا المجتمع ألذي لم يستطع إلى الآن تنظيم مسيرة حياته السياسية والاقتصادية والثقافية على أساس حضاري عادل وعصري. المظهر الرابع يتمثل في تفاقم ظاهرة الغياب والتسرب وازدياد الامية والجهل وانتشار المعتقدات الدينية المتطرفة والمنحرفة وتعاظم التهديدات المجتمعية، التي تواكب تلك الظواهر. فهناك، وباعتراف رجال السياسة والدين والتربويين والمربين بوجود ازمة في المعارف والقيم والاخلاق المتعلقة بالسلوك الانساني، وبعدم قدرة المناهج الدراسية على تنمية شخصية العراقي كفرد يفتخر بالانتماء لمؤسسته سواء كانت مدرسة او جامعة او دائرة حكومية او مصنع، وكعضو صالح ومنتج في مجتمع ديمقراطي حر، وكمواطن ملتزم بالقوانين. لم يعد من وقت لإنقاذ التعليم من الكارثة ولابد البدء من اليوم في وضع الخيارات والخطط والسياسات، بالرغم من اعترافنا بعدم وجود تحليل عميق حاليا نستند عليه لواقع التربية في العراق، وبعدم وجود تقييم كامل للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع العراقي، كبداية لاصلاح واسع وشامل وذلك بتحقيق الاهداف التربوية الآتية: 1ء تربية الطالب بثقافة المحبة والإخاء بين القوميات والاديان والطوائف ونبذ التعصب بكل اشكاله. 2ء تربية الطالب بثقافة الاعتراف بالآخر وثقافة السلم وبالقيم الديمقراطية واحترام حقوق الانسان، واحترام التعددية والاختلاف. 3ء ألتأكيد على مبدأ المواطنة الصالحة وحب العراق ووحدته. 4ء تربية الطالب بأهمية القوانين واحترامها وبعدم مخالفتها وبحرمة ممتلكات الدولة واموالها، وبتعريفه على حقوقه وواجباته. 5ء تنمية الشخصية وحب الاستطلاع والتفكير النقدي المستقل، وحب القراءة والمطالعة، وممارسة السلوك المتمدن والعمل التعاوني والمبادرة عند الطلاب. والمظهر الخامس يتجسد في الضعف الكبير للتكوين اللغوي والعلمي للطالب وقدرته على التعبير. ليس هناك في الوقت الحاضر أسلوب واضح لمعالجة ضعف تعليم اللغات وجعل المدرسة وغيرها من المؤسسات التربوية ميادين التجديد، ولا في تبني المستحدثات الحديثة من خلال الانفتاح على الحضارة المعاصرة والاستفادة من تجارب الشعوب. يعاني منهج تدريس اللغات في المرحلتين التعليميتين، الابتدائي والثانوي، من اهمال كبير، وينعدم التركيز على المهارات الأساسية التي تمكننا من مواصلة التعليم والتعلم باللغات الأخرى خصوصا اللغة الانكليزية التي تنقل منها العلوم والمعارف والمهارات. إنني مقتنع بأن تخلفنا العلمي والتكنولوجي يعود بدرجة كبيرة الى تخلفنا في اللغات العالمية، لأنها الوسيلة الأساسية في اقتباس المعلومات وكسب العلوم ونقل التكنولوجيا، وبها أيضا ننقل علومنا وابتكاراتنا واكتشافاتنا وكل ما يمكن ان نساهم به لتطوير الحضارة الانسانية الى العالم. كما يعاني تدريس العلوم خصوصا في المدارس الابتدائية من ازمة فائقة تحتاج الى معالجة سريعة وتنبع ضرورة ذلك الى ان الثقافة العلمية اصبحت من طبيعة هذا العصر ومتطلباته خصوصا في مجتمع تنتشر فيه الخرافة والمعتقدات المخالفة لاسلوب التفكير العلمي. ولتدريس العلوم والتكنولوجيا يحتاج المعلمون والمدرسون الى زيادة ثقافتهم العلمية وبث روح التنقيب والتجربة والبحث فيهم. اين نحن من تعليم اطفالنا العلوم ولماذا لا يدرس طلبة الصف الاول الابتدائي العلوم، ولماذا لا نغرس في اطفالنا روح التنقيب والبحث منذ الصغر كما هو عليه في كل مدارس العالم؟ وبينما تكون العائلة على معرفة وثيقة بأمور الدين وتحرص على تربية اطفالها تربية دينية ملائمة نجدها على جهل كامل بالعلم ومنجزاته مما يتطلب الامر ان تكون المدرسة جاهزة لتدريس العلوم بأكثر مما هي عليه للدين، وما اتخذته مصر من قرار في أن تدرس مادة للاخلاق وهي مادة تدرس في أكثر من 100 دولة تعلم الطالب سلوكيات الحياة الحميدة وتحض على التعاون وهي مستمدة من كل الشرائع السماوية وتحض على التطوع والخير والرحمة ما هو الا قرار صائب يمكن أن يكون بديلا عن مادة الدين. ولتفادي انهيار التعليم المدرسي بالكامل ليس امام العراق الا خيار وحيد، يتمثل في بذل اقصى الجهود من اجل وقف نزيف الانحطاط، والتدهور المريع في مستويات المعرفة، ومواجهة هذا التحدي الكبير بتأهيل التعليم المدرسي ضمن برنامج اصلاحي متكامل ليكون ضمانة لتحصين المواطن والمجتمع من آفات الجهل والارهاب والفساد، ومن نزعات التطرف والاقبال على الاقتباس والتقليد، ومن الانشغال بتتبع المواقع الجنسية والاباحية. اننا امام صورة كارثية تتمثل بنهاية التعليم الحكومي واستبداله بالتعليم الاهلي، وفي غصون سنوات معدودة في حال الاستمرار في التعاطي مع اصلاح التعليم بإجراأت مستعجلة واساليب بالية، وما علينا لتفاديها الا بمشروع اصلاحي كبير تتركز اهدافه التربوية على مثلث الاخلاق واللغات والعلوم. فهل من يسمع؟مقالة أ.د. الربيعي بسم الله الرحمن الرحيم تحية طيبة الى الكاتب الفاضل والى جميع القراء الأعزاء الشرفاء المحبين لوطنهم ولشعبهم. بارك الله فيك اخي العزيز لقد وضعت النقاط على الحروف فنحن ننزلق الى الهاوية في جميع مجالات .
ادهم
الإثنين، 25-10-2021 11:53 ص
لا فض فوك