ملفات وتقارير

لماذا تجاهلت الجزائر اعتراف ماكرون بـ"مجزرة 17 أكتوبر؟"

المجزرة التي أقر بها ماكرون تعد واحدة من أبشع ما ارتكب الاستعمار الفرنسي من فظائع- جيتي
المجزرة التي أقر بها ماكرون تعد واحدة من أبشع ما ارتكب الاستعمار الفرنسي من فظائع- جيتي

تحوّلت الجزائر إلى موضوع سجال يومي في الساحة السياسية والإعلامية الفرنسية، بعد قرار الرئيس إيمانويل ماكرون الاعتراف بالمجزرة التي ارتكبتها الشرطة بباريس سنة 1961 ضد المتظاهرين الجزائريين.

 

وبرغم اعتراف ماكرون، قوبلت هذه الخطوة بتجاهل تام في الجزائر رسميا، ما يؤكد سوء العلاقة بين البلدين في هذه الفترة.

وتعد هذه المجزرة واحدة من أبشع ما ارتكب الاستعمار الفرنسي من فظائع، فقد قامت الشرطة في قلب باريس في يوم 17 تشرين الأول/ أكتوبر 1961، بالقبض على الجزائريين المطالبين بالاستقلال، ورميهم أحياء في نهر السين، حيث تقدر الأوساط في الجزائر سقوط ما لا يقل عن 500 شهيد، بينما لا تعترف فرنسا سوى بـ50 ضحية.

وفي الواقع، تضمن اعتراف ماكرون، الذي تنقل لمكان الجريمة، نوعا من التحايل في المصطلحات، فقد أوقف مسؤولية الدولة الفرنسية عن المجزرة عند قائد شرطة باريس موريس بابون في ذلك الوقت، ما يعني ضمنيا تبرئة السلطة السياسية منها، إلا أن ذلك لم يجنّبه هجمات اليمين الفرنسي المعتدل والمتطرف على حدّ سواء.

وقد فُتحت البرامج السياسية الفرنسية على مصراعيها لمناقشة هذا الحدث، الذي استغله المرشحون للانتخابات الفرنسية سنة 2022، ليغازلوا أصوات اليمين بالتبرؤ من خطوة ماكرون، واعتبارها إمعانا في إهانة فرنسا، وإجبارها على التوبة أمام الجزائر عن الماضي.


وفي هذا السياق، ذكر إيريك زمور، المرشح المحتمل الذي يحتل المرتبة الثانية في استطلاعات الرأي، أنه يرفض تماما اعتراف ماكرون بمسؤولية الدولة الفرنسية في هذه "الأحداث"، كما يصفها، متهما الرئيس الفرنسي باستهداف رمز فرنسا الجنرال ديغول الذي كان قائد الشرطة في ذلك الوقت يعمل في ظل رئاسته.

 

اقرأ أيضا: هكذا رد رئيس أكبر حزب إسلامي جزائري على ماكرون (شاهد)


الآثار السياسية والقانونية
وإذا كان هجوم اليمين الفرنسي على ماكرون مبررا بالتوقيت الانتخابي لهذا الاعتراف، إذ لا يزال جمهور هذا التيار في فرنسا يحن إلى الماضي الاستعماري ويرفض النظر لحقيقته البشعة، فإن التقليل من شأن هذه الخطوة لدى الجزائريين، وفق ما ظهر من ردود فعل، نابع من كون الرئيس الفرنسي يحاول مسك العصا من الوسط في قضية تعتقد الجزائر أن الجريمة فيها ثابتة، وتتطلب الاعتراف الصريح دون مواربة.

وبحسب المختص في القانون عبد الرحمن صالح، فإن مسألة التصريح أو الاعتراف من عدمه، لا قيمة لها من الناحية القانونية، ولا يترتب عنها أي أثر أو تعويض للضحايا وعائلاتهم، مشيرا إلى أن الخطوة في جوهرها رمزية وسياسية فقط.

وأوضح صالح في تصريح لـ"عربي21"، أن إلصاق مسؤولية الجريمة بقائد الشرطة في باريس لا يصح من الناحية القانونية، لأن الدولة ملزمة بحماية الأفراد والممتلكات، وبالتالي تكون المسؤولية ثابتة على حكام فرنسا في ذلك الوقت.

وأشار المتحدث إلى أن المبدأ ينص على أنه لا يمكن إعفاء الدولة من أعمال موظفيها، ما يجعل اعتراف ماكرون، حسبه، في هذا الحالة غير منصف في التعامل مع الواقعة.

لكن النائب البرلماني السابق، عدة فلاحي، يعتقد أن السياق الحالي في فرنسا يجعل من الصعب على ماكرون أن يذهب أبعد مما قاله في موضوع تاريخي شائك في بلاده يتعلق بالعلاقات مع الجزائر.

وأكد فلاحي في تصريحه لـ"عربي21"، أن خطوة ماكرون تبقى متقدمة قياسا إلى أسلافه من الرؤساء الفرنسيين الذين لم يجرؤوا على مواجهة حقيقة هذه المجزرة التي وقعت في قلب العاصمة الفرنسية.

وأضاف النائب السابق، أن الفعل السياسي حمّال أوجه، لذلك يمكن أن تقرأ خطوته على أنها حملة انتخابية مبكرة، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي يريد أن يغازل الجميع، وهو بذلك يغامر؛ لأنه يمكنه عكس ذلك، أن يخسر الجميع.
 
رفض المقاربة الفرنسية
وكتعبير عام عن رفض مقاربة الرئيس الفرنسي، أفاد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بأن معالجة ملفات الذاكرة مع فرنسا يجب أن تتم بعيدا عن "الفكر الاستعماري".

وأشار تبون بالمناسبة إلى حرصه الشديد على التعاطي مع ملفات التاريخ والذاكرة، "بعيدا عن أي تراخ أو تنازل، وفي منأى عن تأثيرات الأهواء وعن هيمنة الفكر الاستعماري الاستعلائي على لوبيات عاجزة عن التحرر من تطرفها المزمن".

وشدد الرئيس الجزائري في رسالة ضمنية لماكرون، على أنه "ينبغي أن يكون واضحا، وبصفة قطعية، بأن الشعب الجزائري الأبي المعتز بجذور الأمة، الضاربة في أعماق التاريخ، يمضي شامخا، بعَزم وتلاحم، إلى بناء جزائر سيدة قويَة".

ويردّ هذا المقطع بوضوح على تصريحات ماكرون التي شكّك فيها في وجود الأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، وهو ما قوبل في الجزائر بردود فعل قوية عبر سحب السفير الجزائري في باريس، ومنع الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق في الأجواء الجزائرية للوصول إلى منطقة الساحل.

 

اقرأ أيضا: وزارتان بالجزائر توقفان استخدام الفرنسية بالمراسلات الرسمية

أسباب التجاهل 
وفي تقدير محمد علال، الصحفي المهتم بالشأن السياسي، فإن التجاهل الجزائري لما يصدر عن ماكرون، مردّه الرغبة في عدم جعل الجزائر مادة للسجال السياسي في فرنسا على مقربة من الانتخابات، خاصة أن  هناك وعاء انتخابيا كبيرا في فرنسا لا يزال مرتبطا بتلك المعادلة بشكل أو بآخر.

وأبرز علال في تصريح لـ"عربي21"، أن ماكرون يتحدث عن الجزائر بصفته مرشحا لعهدة جديدة أكثر منه رئيسا للجمهورية الفرنسية، وذلك بالتزامن مع جولاته في الجنوب الفرنسي، تحديدا مدينة مارسيليا التي تضم جالية جزائرية ضخمة، والتي زارها مؤخرا، وأقام فيها ثلاثة أيام على غير العادة.

وتابع يقول إن ماكرون بتصريحات وتدخلاته، يريد إغراق الجزائر في الماضي بمثل هذه التصريحات التي تضعنا في حالة الدفاع، كما أن الغاية منها أيضا هو الدفع بالجزائر كدولة ومؤسسات في حالة حرب نفسية مع فرنسا.


التعليقات (0)