قضايا وآراء

التنظيمات الإسلامية.. رؤية من الداخل (3)

محمد عماد صابر
1300x600
1300x600
من تداعيات أجواء الاشتباك والارتباك السائدة في مصر على خلفية ثورة يناير والانقلاب العسكري وما تلاه من أحداث وأحاديث؛ حالة الانقسام السائدة بين المصريين بصورة غير مسبوقة، الانقسام الذي وصل إلى قلب الأسرة المصرية فشتت شملها ومزق وحدتها، وهي أجواء ترسخها بل وتؤصلها كل الأطراف تارة باسم الدين أو الدعوة وتارة باسم الوطنية أو الدولة.

الإشكالية الكبرى والعقدة المركبة تكمن في جيل ما يطلق عليهم "التنظيميون الجدد"، وهي الشريحة التي انضوت تحت راية العمل العام بصورة أو بأخرى في الجماعات والتجمعات والأحزاب والائتلافات، وأخيراً من انحازوا للانقلاب العسكري ضد كل من له رأي مخالف لنظام الحكم.

شريحة في المجتمع المصري موزعة بنسب مختلفة بين النظام الانقلابي الحاكم وبين كل التنظيمات الأخرى، إسلامية كانت أو مدنية، منها من يتحرك ذاتيا أو يحركه غيره تحت عناوين ومسميات مختلفة بين اللجان والكتائب والذباب الإلكتروني على الشبكة العنكبوتية، تُستخدم كرأس حربة للمزيد من الانقسام والاستقطاب.

مربع التنظيميون الجدد يعاني حزمة من التحديات ويهدد بجملة من المخاطر، منها:

- أجواء الرفض وعدم القبول المتبادل، بل والشماتة والتحريض وغلبة الاتهامات بين التخوين ومخالفة الدين؛ ليس على المستوى العام بل على مستوى الأسرة الصغيرة، ما يمثل خطورة حقيقية على وحدة النسيج المجتمعي الذي تبذل فيه الدول ومؤسساتها كل الجهد والتضحية من أجله لا التضحية به. الانقسام الحادث يمثل شروخا في جدار المجتمع كما يمثل ثقوبا في سفينة الوطن، وكلاهما هادم ومدمر.

- دعم وتأييد التيار الموالي للسلطة لفكر وسلوك الحذف والاستئصال وبأبشع الوسائل والإجراءات، على نسق القوة الغاشمة التي يتبناها النظام مع عموم المصريبن، مخالفا للدستور والقانون بل والقيم الإنسانية المجردة بعيدا عن الدين والوطنية، ولا مانع لديه من فساد القضاء وانحياز أجهزة الأمن، بل بات هذا التيار يعتبر أن هناك قطاعا من المصريين التخلص منهم واجب وطني.

- في العموم هؤلاء خطرهم محدود لاعتبارات؛ منها عدم الرهان عليهم في معادلات الإصلاح والتغيير المنشود، وأنهم في الغالب أصحاب مكايدات ومصالح مؤقتة لا تستند إلى فكر أو معتقد في هذا الاشتباك الدائر، ومن السهولة بمكان أن يتغيروا مع أي تغير جديد قادم ليكونوا سدنة معبد الكاهن الجديد. الخطورة في الطرف الآخر، "المربع الإسلامي"، حين يهدر جهد عقود في التغيير الفكري لقطاعات كبيرة من الشباب بتبني التغيير السلمي بعيدا عن العنف والصدام وإعادة النظر بصورة إيجابية في مفهوم الدولة والوطن والمجتمع؛ ثم تأتي الأحداث لتنسف كل هذا ما ترتب عليه، ولتشكك البعض في منهج التغيير السلمي والنظر إليه بعدم الصلاحية في أجواء قسوة التجربة، والانحياز لغيره من المناهج التي قد تكون على النقيض، بل يعيش البعض أجواء الغضب والرفض والتمرد كحالة نفسية ومزاجية دائمة لا يستطيع الخروج منها، وهذا نذير خطر مجتمعي مهدد.

- الشعور بالغربة داخل الوطن وبين الأهل والجيران لقطاع كبير من أنصار التيار الإسلامي، لتغير النظرة تجاه قطاعات غير قليلة من المجتمع من أنصار إلى خصوم وأعداء؛ بزعم أنهم لم يقفوا ضد الظالم ولم يضحوا ولم يثوروا من أجل الدماء والشهداء والسجناء، بل قد يتقدم هذا الشعور خطوات في الطريق المخالف فيفرح البعض في مصائب البعض.

- المواقف والمشاعر العدائية ضد الشخصيات والتيارات الأخرى بدافع أنها ناصرت الظالم أو سكتت عنه، حتى وإن عاد بعضها لتصحح الأوضاع السابقة وتعارض الأخطاء القائمة لدرجة دفع الثمن بالسجن والاعتقال، فيكون رد الفعل بالشماتة للانتقام.

- حدوث انقسامات وانشقاقات داخل الكيانات التنظيمية العاملة في الساحة، فيخسر الكيان تماسكه الذي كان من مظاهر متانته وقوته، ومن هنا يخسر المجتمع بعض مكونات قواه الحية الداعمة في المجال المجتمعي والسياسي معا.

- تراجع الولاء والوفاء للدولة ومؤسساتها والنظر إليها كخصم، وهو خطأ وقعت فيه كل الأطراف عندما تم اختزال الدولة في شخص النظام أو الحاكم، فانتقلت الخصومة من الحاكم إلى الدولة والمجتمع.
التعليقات (0)