قضايا وآراء

سياسة الاغتيالات الإسرائيلية بحق نشطاء فلسطينيين (تقييم قانوني)

محمود الحنفي
1300x600
1300x600
خلال أسبوع واحد، قتلت إسرائيل عشرة فلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وغزة. وتنوعت التبريرات الإسرائيلية بين حقها بالدفاع عن النفس أو أنها تقوم بتنفيذ عملية أمنية استباقية ضد مطلوبين، وكثيرا من الأحيان تلازم الصمت. وبين هذا وذاك تعد سياسة القتل العشوائي أمرا شائعا في السياسة الإسرائيلية، بل قرار القتل متخذ في أعلى السلطات السياسية والقضائية لديها بغض النظر هل كانت هناك أسباب موجبة أم لا، وهو أمر يؤكد مدى استهتار الاحتلال الإسرائيلي بالدم الفلسطيني.

ما هو التقييم القانوني لسياسة القتل العشوائي الإسرائيلية؟ وهل تتوفر عناصر الدفاع عن النفس؟ وهل يستخدم الحق في الدفاع عن النفس بشكل يتطابق مع أحكام القانون الدولي الإنساني أو القانون الدولي لحقوق الإنسان؟ 

تُعدّ السياسة الإسرائيلية في اغتيال السياسيين والنشطاء الفلسطينيين من السياسات المعلنة والثابتة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة؛ فجميع قادة إسرائيل السياسيين شاركوا في مرحلة ما بقتل النشطاء والسياسيين من الفلسطينيين والعرب بنحو مباشر أو غير مباشر.
تُعدّ السياسة الإسرائيلية في اغتيال السياسيين والنشطاء الفلسطينيين من السياسات المعلنة والثابتة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة؛ فجميع قادة إسرائيل السياسيين شاركوا في مرحلة ما بقتل النشطاء والسياسيين من الفلسطينيين والعرب بنحو مباشر أو غير مباشر

ومنذ توقيع اتفاقية المرحلة الانتقالية قُتل مئات الفلسطينيين على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي وأفراد الشرطة الإسرائيلية أيضاً. ومعظم حالات القتل جرت أثناء تنفيذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عمليات توغل داخل أراضي المنطقتين A وB التي يفترض أنها أراضٍ خالية من الوجود العسكري الإسرائيلي حسب اتفاقية أوسلو، أو بعمليات قصف جوي للأراضي المحتلة. كذلك قُتل البعض على أيدي أفراد من قوات الاحتلال الإسرائيلية التي تعمل متخفية في أراضي السلطة (المستعربين).

وفي حالات أخرى ضُرب سجناء فلسطينيون أو تعرضوا للتعذيب حتى الموت على أيدي حراس السجون الإسرائيليين. كذلك حصلت حوادث قتلٍ أيضاً في مواجهات بين أفراد من شرطة الاحتلال وفلسطينيين على نقاط التفتيش العسكرية والحواجز الطرقية في الأراضي المحتلة. وقد ادعى أفراد الأمن الإسرائيلي في بعض الأحيان أنهم قتلوا الفلسطينيين دفاعاً عن النفس، وقالوا في أحيانٍ أخرى إنهم أطلقوا عليهم النار لأنهم لم يتوقفوا عند نقاط التفتيش. 

إن ازدياد عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية هو خرق واضح لقانون حقوق الإنسان، وكذلك عدد الأسرى الذين يقتلون بلا رادع في السجون الإسرائيلية، سواء أثناء التحقيق أم بتعمد الإهمال الطبي.

وتنص المادة 6 (1) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو الذي يضم إسرائيل في عضويته، على أنه "لا يجوز أن يُحرَم أي فرد حقَّ الحياة بطريقة عشوائية أو اعتباطية". وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد الحق في الحياة، والحرية والأمن الشخصي". وهذا البند لا يمنع كافة أنواع القتل التي يمكن أن تقوم بها الدولة؛ ولا يذكر الإعلان شيئاً عن حالات القتل دفاعاً عن النفس، ولكن اتفاقيات حقوق الإنسان الأخرى تسمح بصراحة لأفراد الشرطة أو الجيش في الدولة بأن يدافعوا عن أنفسهم باستخدام القوة المميتة حين تقتضي الضرورة القصوى ذلك، فكيف بنا إذا كان المهاجم مواطناً أعزل على أرضه، والمدافع هو جندي احتلال مدجج بالسلاح؟

ومن ناحية أخرى، فإن القانون يُحرّم كافة أنواع القتل "الاعتباطي"، ليس فقط جرائم القتل عن سبق نية وتخطيط، بل إن القتل الناجم عن التهور أو حتى الإهمال يمكن أن يعتبر قتلاً "اعتباطياً". وهكذا فحين يقوم المحققون الإسرائيليون بضرب سجين فلسطيني حتى الموت، فإن تصرف المحققين هو قتل "اعتباطي" على أقل تقدير بحسب المعنى المقصود في قانون حقوق الإنسان، أو حين تقوم قوات خاصة بمحاصرة ناشطين فلسطينيين مطاردين ومن ثم تصفيتهم، وهي قادرة على اعتقالهم، فهذا قتل "اعتباطي".

كذلك يُحرّم القانون الدولي الإنساني أيضاً قتل السجناء من دون محاكمة. فالمادة 32 من اتفاقية جنيف الرابعة تمنع بكل وضوح من "اتخاذ أي إجراء يؤدي إلى القضاء على السجناء المحميين". وينطبق هذا المنع "ليس على القتل والتعذيب والعقوبة الجسدية والتشويه فحسب، ولكن أيضاً على أية أساليب وحشية، سواء أكان من يقوم بها مدنياً أم أحد العملاء العسكريين".

إن قتل المدنيين على نقاط التفتيش هو واحد من أكثر الأمثلة وضوحاً على الاستهزاء الإسرائيلي بأرواح الفلسطينيين. فلا يحق حتى لأفراد الشرطة المدنية لدولة ما استخدام القوة المميتة أثناء القيام بذلك بنشاطاتها الأمنية، فكيف بمن يتحدث عن وجود "ضرورة دفاع عن النفس" لتبرير قتل الفلسطينيين العزل على الحواجز العسكرية الإسرائيلية لحماية أمن العسكريين المحتلين، وغالبا ما تكون مشاهد القتل حية وببث مباشر، دون أن يكون هناك أية أسباب موجبة للقتل؟
قتل المدنيين على نقاط التفتيش هو واحد من أكثر الأمثلة وضوحاً على الاستهزاء الإسرائيلي بأرواح الفلسطينيين. فلا يحق حتى لأفراد الشرطة المدنية لدولة ما استخدام القوة المميتة أثناء القيام بذلك بنشاطاتها الأمنية، فكيف بمن يتحدث عن وجود "ضرورة دفاع عن النفس" لتبرير قتل الفلسطينيين العزل على الحواجز العسكرية الإسرائيلية لحماية أمن العسكريين المحتلين؟

إن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، لا يذكران شيئاً عن زمان وكيفية اعتبار استخدام القوة المميتة للقبض على "المشتبهين الفارين" اعتباطياً، ولم تحدِّد هاتان الوثيقتان الحقوقيتان الظروف أو الحالات التي يسمح فيها باستخدام القوة المميتة. إن واضعي المعاهدة والميثاق اعتقدوا بحق أن إيراد أية استثناءات على الحق في الحياة سيعطي انطباعاً بأن الاستثناءات أهم من حق الحياة نفسه، والأهم من ذلك أن مفهوم القتل الاعتباطي استخدم من أجل إعطاء "أعلى مستوى ممكن من الحماية" لحق الحياة، وأن "إجماعاً دولياً" قد قرر أن هذا التعبير يضم حالات الوفاة "الناجمة عن الاستخدام المفرط للقوة من قبل أفراد فرض القانون".

أثيرت تساؤلات قانونية مشابهة في حالات قتل المتظاهرين، أو إصابة الفلسطينيين بعيارات نارية مميتة أثناء أحداث التظاهر، حيث يشمل منع الحرمان "الاعتباطي" لحق الحياة أغلب هذه الحـالات. 

كذلك لا بد من لفت النظر إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتل الأطفال الفلسطينيين من دون سبب، وفي هجمات مباشرة، ومن دون أي تمييز أو أدنى اعتبار لطفولتهم. ولم يُجر الجيش الإسرائيلي أية تحقيقات قضائية جدية في أيٍّ من عمليات قتل الأطفال على أيدي القوات المسلحة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

وعلى الرغم من مئات الشكاوى التي تقدمت بها منظمات حقوق الإنسان نيابة عن الضحايا إلى المحاكم الإسرائيلية، إلا أنه كان يجري تجاهلها، ولا يحصل التحقيق النزيه والجدي فيها(1). وخلال انتفاضة الأقصى، قامت قوات الاحتلال بعدد كبير من التوغلات داخل القرى والمدن الفلسطينية بأوامر مباشرة من القيادات السياسية، لا تحت أي ضغط عسكري ميداني، تمخضت عنها عدد من المجازر المروعة التي راح ضحيتها المئات من المدنيين العزّل والأطفال. 
قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتل الأطفال الفلسطينيين من دون سبب، وفي هجمات مباشرة، ومن دون أي تمييز أو أدنى اعتبار لطفولتهم. ولم يُجر الجيش الإسرائيلي أية تحقيقات قضائية جدية في أيٍّ من عمليات قتل الأطفال

وتُعَدّ مجزرة مخيم جنين الذي اقتحمته القوات الإسرائيلية في نيسان/ أبريل 2002، وكذلك سلسلة الحروب العدوانية التالية على قطاع غزة واقتحامات المدن والقرى في الضفة الغربية المحتلة، فضلا عما يجري في مدينة القدس المحتلة وقراها، أحد أبشع الأمثلة على الانتهاكات الإسرائيلية البالغة الجسامة لحقوق الإنسان، وعلى عجز آليات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان عن التصدي لهذه الانتهاكات. 

وسواء أكان الضحية أسيراً فلسطينياً أم مشتبهاً فيه بالمقاومة، مطاردا أم متظاهراً أم طفلاً، فإن استخدام أفراد أمن الاحتلال الإسرائيلي للقوة المميتة ليس له ما يسوغه، وخاصةً إذا أضفنا إلى ذلك أن إسرائيل تتبجح بأن السلطة الفلسطينية قامت هي أيضاً بقتل فلسطينيين (مقتل الناشط نزار بنات)، في خرقٍ واضح لحقوق الإنسان في تبرير ممارساتها الهمجية.

من الناحية القانونية، إن خرق أحد طرفي اتفاقية لحقوق الإنسان لا يُعَدّ مسوِّغاً بأيِّ حال من الأحوال لقيام الطرف الآخر بخرقها. وكما رأينا، فإن الفقرة الخامسة من المادة 60 من معاهدة فيينا لقانون المعاهدات لعام 1966 تمنع أطراف معاهدات حقوق الإنسان من تعليق "أية بنود تتعلق بحماية الشخصية الإنسانية".

وفي المقابل، يمنع العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ونصوص أخرى تتعلق بحقوق الإنسان؛ تعليق التزام احترام الحياة الإنسانية حتى أثناء وجود حالة طوارئ عامة معلنة. وفي واقع الأمر، فإن حق الحياة هو أحد المعايير الدائمة والسائدة في القانون الدولي، حيث لا يسمح أبداً بتعليقه أو التراجع عنه. إن عدم إمكانية التراجع التي تنص عليها المعاهدة تلغي الصدقية القانونية لأية حجج "أمنية" لعمليات القتل التي تمارسها سلطات الاحتلال.

نتيجة لما سبق، نرى أن ممارسات إسرائيل المتمثلة في قتل السجناء والمتظاهرين والنشطاء الفلسطينيين تعتبر انتهاكات خطيرة في مجالات حقوق الإنسان. كما أنه من المؤكد أن الانتهاكات المشابهة التي قامت بها السلطة الفلسطينية لا تقلل بأي حال من الأحوال من المسؤولية الإسرائيلية عن جرائم القتل أو الاعتقال والتعذيب التي تقوم بها بحق النشطاء الفلسطينيين.
الانتهاكات المشابهة التي قامت بها السلطة الفلسطينية لا تقلل بأي حال من الأحوال من المسؤولية الإسرائيلية عن جرائم القتل أو الاعتقال والتعذيب التي تقوم بها بحق النشطاء الفلسطينيين

ومن الضروري الإيضاح أن سياسة القتل المقصود بلا محاكمة هي سياسة رسمية إسرائيلية أُقرّت على أعلى المستويات السياسية. ويبيح القانون الإسرائيلي أيضاً اغتيال "أعداء إسرائيل" أو قتلهم. ففي نهاية عام 1972، وبعد قتل 11 رياضياً إسرائيلياً في أولمبياد ميونيخ، طلبت رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك غولدا مائير؛ من رئيس الموساد تسفي زامير ضرب كل فلسطيني اتهمته إسرائيل بالاشتراك في عملية احتجاز أعضاء الفريق الرياضي الإسرائيلي رهائن في ميونيخ. ووقفت رئيسة الوزراء الإسرائيلية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1972 تعلن أن إسرائيل ستطارد الفدائيين في كل مكان وكل بلد، وصدّق الكنيست بأغلبية ساحقة(2).

وعلى سبيل المثال، شجع المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي على سياسة الاغتيالات ودعاها "سياسة الدفاع الفعال" التي تتطلب "اعتراض الإرهابيين" وقتلهم. وكذلك أعلن النائب العام الإسرائيلي أن سياسة القوات الإسرائيلية في تصفية الناشطين الفلسطينيين من طريق الاغتيالات، هي سياسة مبررة، وسماها "عمليات القتل الهادفة". واعترف من يدعى رئيس قسم القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي؛ بأن سياسة التصفية هي سياسة إسرائيلية فعالة.

وتؤدي ممارسة الحكومة الإسرائيلية لسياسة الاغتيالات بنحو رسمي ومكثف؛ إلى وقف أية محاكمة أو تحقيق جدي في صفوف الجيش الإسرائيلي بعد عمليات القتل "غير المقصود". وبعبارة أخرى، إن إحدى نتائج هذه السياسة تمثلت في الاستهتار الخطير الذي تبديه قوات الاحتلال الإسرائيلية حيال الحق الإنساني الأسمى، وهو الحق بالحياة حتى في دورياتها اليومية الروتينية وفي حالات الهدوء. 

تحاول إسرائيل عبثا الادعاء أن القانون الدولي الإنساني لا ينطبق على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن الإجماع الدولي يقرر أن القانون الدولي الإنساني، وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، ينطبق على الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة. لذلك، لن تجد إسرائيل مبرراً لما تقوم به من سياسات الاغتيال في أيٍّ من فروع القانون الدولي، وسوف تجد عاجلا أم آجلا أن سياسة الإفلات من العقاب لن تدوم طويلا، وأن الجرائم لا تسقط بالتقادم.
__________
(1) برأت المحكمة العسكرية في قيادة المنطقة الجنوبية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2005 الضابط المتهم بقتل الطفلة إيمان الهمص (13 عاماً)، وأسقطت عنه تهماً بالقتل والاستخدام غير المشروع للسلاح. وبرأت المحكمة أيضاً الجندي الإسرائيلي، المتهم بقتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري التي سحقتها جرافة إسرائيلية في مدينة رفح في آذار/مارس 2003 أثناء تصديها لعمليات تجريف وهدم منازل فلسطينية. وكانت نتيجة التحقيق العسكري الإسرائيلي في حينه أن اللجنة قد توصلت إلى أن راشيل كوري قتلت بينما كانت تعرقل العمليات التي كانت تجريها جرافات، وأن راشيل أصيبت بينما كانت تحاول تسلق تلك الجرافة!! وخلص التقرير إلى أن "وفاة كوري ليست نتيجة عمل مباشر للجرافة، وليست بسبب سحقها، لكنها نجمت عن كتلة ترابية دفعتها الجرافة!! وليس هناك أسباب لاتخاذ تدبير تأديبي بحق الجنود المتورطين". راجع موقع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على شبكة الإنترنت www.pchrgaza.org .
(2) عماد سيد أحمد، سياسة الاغتيالات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، مجلة السياسة الدولية، العدد 157، تموز/ يوليو 2004، المجلد 39، ص 160.
التعليقات (0)