قضايا وآراء

السادات.. 5 سبتمبر وأربعون عاما على بدء النهاية

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
أربعون عاما على قرارات 5 أيلول/ سبتمبر الشهيرة التي وصفتها جريدة الجمهورية وقتها بأنها ثورة 5 سبتمبر وشبهتها بالثورة العرابية. وعلى عهدة الإعلام المصري يكون الرئيس الأسبق قد صنع في عمره الستيني (عاش 63 سنة) القصير ثلاث ثورات: ثورة 23 يوليو 1952م، وثورة 15 مايو 1971م، وثورة 5 سبتمبر 1981م، والحقيقة وبغض كل الأنظار عن الوصف الاصطلاحي والتاريخي لكلمة "ثورة" ومطابقة ما حدث لواقع الحال ومقتضى الحال، فإن التواريخ الثلاثة قد أحدثت بالفعل تغييرا كبيرا في تاريخ مصر وحياة المصريين.

عاش الرئيس السادات في السلطة 10 سنوات، وبالعد الدارج 11 سنة (من أيلول/ سبتمبر 1970 - تشرين الأول/ أكتوبر 1981م)، لكن السلطة الفعلية كانت في شكل خمس "ثنائيات سنوية" حافلة بالدراما التاريخية، كان رحمه الله يحب الدراما والتراجيديا، حياته كلها (1918 – 1981م) تقريبا كانت مليئة بهما.. ومن المدهش أنه كان يحب المسرح والتمثيل، وأخذ بالفعل دروسا في الأداء التمثيلي كما قال الأستاذ صلاح الشاهد، كبير الأمناء برئاسة الجمهورية في كتابه "ذكرياتي في عهدين" والذي زامله سنة 1932م في مدرسة فؤاد الأول الثانوية في القاهرة، حيث أن الرئيس الراحل السادات تعلم التمثيل على يد زكي طليمات.. أحد عمالقة الفن المسرحي في مصر والعالم العربي.

* * *
الحقيقة وبغض كل الأنظار عن الوصف الاصطلاحي والتاريخي لكلمة "ثورة" ومطابقة ما حدث لواقع الحال ومقتضى الحال، فإن التواريخ الثلاثة قد أحدثت بالفعل تغييرا كبيرا في تاريخ مصر وحياة المصريين

- في 1971م خاض صراع حياة أو موت مع "العظام الصلبة" لدولة عبد الناصر (وزير الحربية ووزير الداخلية ورئيس المخابرات وأمين عام الاتحاد الاشتراكي ووزير شؤون رئاسة الجمهورية!!).. قل ما شئت في دهاء السادات وخطورته، لكن "التكوين القدري" للأحداث وقتها كان في صالحه بامتياز، ويكفي أن نعلم قدر الخصومة والعداء بين كل هؤلاء السابقين أجمعين والأستاذ هيكل الذي كان أهم سلاح معه عليهم.

- في 1973م خاض صراع "البحث عن الذات" بقرار الحرب الاستراتيجي في 6 تشرين الأول/ أكتوبر لعبور القناة وتحرير التراب المصري.

- في 1975 أخذ أخطر قرار غيّر وجه الحياة الاجتماعية والطبقية في مصر بالانفتاح الاقتصادي، وأصبح الاقتصاد المصري بعدها تابعا تبعية كاملة للمركز الرأسمالي العالمي.

- في 1977م أخذ أخطر قرار في التاريخ الاستراتيجي لمصر الجمهورية؛ بزيارة الكنيست الإسرائيلي وإعلان أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب، وهو القرار الذي يستبطن بداخله خروج مصر من الحروب العربية الإسرائيلية.

- في 1979م أخذ أخطر قرار في التاريخ العربي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، بتوقيع معاهدة سلام منفردة مع إسرائيل، بما تمثله ككيان اغتصاب وكيان اعتداء دائم ومستمر للعالم العربي. لكن يتعين علينا أن نرجع خمسة عشر عاما (إلى العام 1964م) لنعلم أن "الزعيم الخالد" كان ينوى إقامة علاقة طبيعية مع إسرائيل والسلام معها في مقابل إعادة اللاجئين أو تعويضهم!! والالتزام بقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، كما قال الصحفي الفرنسي الشهير أريك رولو في كتابه المهم "في كواليس الشرق الأوسط" الذي نشر في 2015م. ويضيف رولو: كان هذا التصريح يعد تنازلا كبيرا في وقت كانت كلمات المصالحة والسلام والتطبيع تعد كلمات بذيئة في قاموس السياسة العربية.

- في 1981م أخذ أخطر قرار في التاريخ السياسي المصري المعاصر باعتقال 1536 قائدا ورمزا من رموز الحياة الدينية والفكرية والسياسية في مصر.

* * *

وكانت تلك بداية النهاية لحياة وحكم الرئيس السادات الذي كان قد وصل إلى درجة من "التشبع التاريخي" تشير بوضوح إلى قرب تلك النهاية.. وقد كان، وتم إطلاق الرصاص عليه أثناء العرض العسكري السنوي احتفالا بالذكرى الثامنة لحرب أكتوبر 1973م.. وغادر الدنيا في نفس اليوم.
كانت تلك بداية النهاية لحياة وحكم الرئيس السادات الذي كان قد وصل إلى درجة من "التشبع التاريخي" تشير بوضوح إلى قرب تلك النهاية.. وقد كان، وتم إطلاق الرصاص عليه أثناء العرض العسكري السنوي احتفالا بالذكرى الثامنة لحرب أكتوبر 1973م

وكما يقول أصدقاؤنا الناصريون، فإن السنوات الثلاث من تاريخ الزعيم الخالد كانت مراجعة كاملة لتاريخ الحكم والسلطة والسياسة منذ قيام حركة الضباط، وكان "ينوى" بعد إزالة آثار العدوان أن يقيم نظاما سياسيا مؤسسيا صلبا ومستقرا يستمر من بعده ويجدد نفسه بنفسه من خلال حياة سياسية نشطة ومتفاعلة. لكن يبدو أن "النية" وحدها لا تكفي كما يقولون، إذ كان يمكن إقامة هذا النظام فور استقرار الدولة والسلطة بعد أزمة 1954م، لكن بالفعل أسوأ الأشياء هي أسوأها توقيتا، وأفضل الأشياء هي أفضلها توقيتا، ولولا ذلك لما عرف الناس الندم ولا قالوا ولات حين مناص.

كذلك قال أصدقاؤنا "اللا ناصريون" أو أنصار السادات، أن الرئيس الأسبق كان ينوى الإفراج عن كل المعتقلين وتعيين نائب مدني مع النائب حسني مبارك وإطلاق الحريات بعد خروج إسرائيل من سيناء في 25 نيسان/ أبريل 1982م، لكنه لم يفعل لأنه مات، كما مات من قبله ومات من بعده، بعد صراعات القاتل والمقتول الشهيرة، طلبا للخلود الخادع في الدنيا! ولم يعلموا أن "الأمر أعجل من هذا.. فالموت غدا"، كما قال أحد الصادقين.

* * *

لكن لماذا أقدم الرئيس السادات على هذا القرار الذي سيكون غير مسبوق وغير ملحوق في حكايات السياسة المصرية المعاصرة؟ بل ومثيرا لألف سؤال وسؤال وألف دهشة ودهشة، رغم أن السادات كان أستاذا في المناورة وتوقيتها واختيار المساحات التي يتحرك فيها والمسافات التي يضعها بينه وبين خصومه وأصدقائه؟

في كل ما كُتب عن أحداث هذه الفترة المثيرة لن تستطيع تكوين رأي ناصع وواضح عن أسباب ودوافع هذه القرارات التي استخدم لتمريرها المادة ٧٤ من الدستور (لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بياناً إلى الشعب ويجري الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها). ألقى السادات البيان بالفعل في مجلس الشعب، والذي وصفته الصحف وقتها بأنه أهم وأخطر الخطابات التي ألقاها منذ أن تولى قيادة مصر!
هناك تفسيرات تكاد تقترب قليلا من فهم دوافع هذه القرارات، ذلك أن الرئيس السادات كان قبل تلك القرارات مباشرة يقوم بآخر زيارة له لأمريكا. وكما قال الصحفي المصري الراحل مكرم محمد أحمد في حديثه عن تلك الأحداث الملتبسة، فإن السادات كان منفعلا جدا ومتوترا حين قابلهم

لكن هناك تفسيرات تكاد تقترب قليلا من فهم دوافع هذه القرارات، ذلك أن الرئيس السادات كان قبل تلك القرارات مباشرة يقوم بآخر زيارة له لأمريكا. وكما قال الصحفي المصري الراحل مكرم محمد أحمد في حديثه عن تلك الأحداث الملتبسة، فإن السادات كان منفعلا جدا ومتوترا حين قابلهم (الصحفيين المرافقين له) في قصر بلير هاوس الذي كان ينزل فيه في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان. ورغم أن السادات كان ينوى الاستقالة من رئاسة البلاد في مشهد تاريخي مهيب يوم عودة كل سيناء في 25 نيسان/ أبريل، كما قال السفير البريطاني في مصر وقتها، مايكل وير، في تقرير (أفرج عنه في 2011م) إلى حكومته بعد 23 يوما من حادث المنصة: إن السادات كان جادا في كلامه عن الاستقالة، وأعتقد أنه ربما كان في ذهنه فعلا أن يتقاعد في ذلك التاريخ الرمزي.

رغم أن نية السادات كما سبق كانت تتجه إلى الابتعاد، إلا أنه يجوز أن نقول إنه قد شعر بأن هناك من يحاول الاستهانة به أو التلاعب بمصيره، أو إفساد ترتيباته للمستقبل كما يراه هو، وهو ما قد يكون شكّل دافعا قويا عنده لأن يبعث برسالة شديدة القوة للجميع في الداخل والخارج، بأنه كان ولا زال وسيظل "الرئيس القوى".

ولكن وكما يقول العلامة المفكر على عزت بيجوفيتش: "كم هي محدودة تلك التي نسميها إرادتنا وكم هو هائل وغير محدود قدرنا".. فلم تكف إرادة الرئيس الأسبق ليحقق لنفسه ما يريد.

twitter.com/helhamamy
التعليقات (0)