هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ولد الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم المُلقّب بـ "الفاجومي" في 22 أيار/ مايو من عام 1929 بمحافظة الشرقية شرق جمهورية مصر العربية، كانت رحلة الفاجومي حتى مَماته بالعاصمة المصرية القاهرة في 3 كانون أول/ ديسمبر عام 2013 مليئة بالحكايات والقصص، سواء كانت تلك الحكايات تخصّ شخصية الفاجومي وحياته وعائلته وأصدقائه، أو حكايات سياسيّة يملؤها الشعر والغناء والاعتقال والنضال والمقاومة.
فَنجم هو شاعر تكدير الأمن العام كما سمّاه الصحافي صلاح عيسى في كتابه عنه، وذلك لكثرة صدامه مع الأنظمة المصرية خاصّة نظاميّ عبد الناصر والسادات.
كانت كلمات نجم مليئة بالهجاء والسخرية، ليست من الأنظمة فقط، بل كان نجم يٌشخّص الهجاء، عن طريق كتابة قصيدة أو فزورةٍ ما، في شخص يراه فاسدا أو مثقفا تابعا للسلطة، من أول رئيس الجمهورية وضباطه إلى وزرائه حتى أقرانه من الشعراء والمثقّفين. فمن ولماذا الذين هجاهُم نجم؟
الرؤساء
بفضل التعاون الذي تمّ بين كلمات نجم وصوت الشيخ إمام في بداية الستينيات، ذيع صيتهُما والذي كانت بدايته عام 1962 في تلحين قصيدة "أنا أتوب عن حبك أنا" فالبداية كانت رومانسية، ومن ثمَّ تحوّلت لتتنوع بين السياسية والهجاء والرفض والسخرية. كان نظام عبد الناصر تحديدا بعد نكسة حزيران/ يونيو 1967، من بين هجائيات نجم وإمام وتحديدا ما عُرف بالقصيدة القاسية "خبطنا تحت بطاطنا" وفيها يتحسّر نجم على الهزيمة، ورجوع الضباط والعساكر مهزومين من الحرب التي لم تُخاض، وذلك بسبب فساد كِبار الضباط وعلى رأسهم عبد الناصر نفسه الذي وصفه نجم بالخائن الذي جلب الخراب. هذه القصيدة تسببت بشكلٍ مباشر في اعتقالهما، بل ولم يخرجا من السجن إلّا بعد موت عبد الناصر.
مصر الدولة
غرقانة فى الكدب علاولة
والشعب احتار
وكفاية أسيادنا البعدا
عايشين سعدا
بفضل ناس تملا المعدة
وتقول أشعار
أشعار تمجد وتماين
حتى الخاين
وإن شاء الله يخربها مداين
عبد الجبار
قصيدة خبطنا تحت بطاطنا
لم يسلم السادات من كلمات وصوت الثنائي أبدا، بل خاض معهما جولات من الإسكات والاعتقال التي لم تُفلح. فكتب وغنى الاثنان عام 1971، قصيدة "سلام للمعركة"، يسخرا فيها من سياسات السادات تجاه إسرائيل، في حالة اللاحرب واللاسلّم. أيضا قصيدة "بيان هام" التي أزعجت السادات. لم يرحم نجم الشخصيات الرئاسية التي زارت السادات، فَعندما زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون مصر عام 1974، كتب وغنى الاثنان قصيدة "شرّفت يا نيسكون بابا"، بعدها بعام واحد، تكرر الأمر ولكن مع رئيس جمهورية فرنسا، فكتب قصيدة "هيجيب الديب من ديله" يسخر فيها من زيارة فاليري ديستان رئيس فرنسا حينذاك من زيارته إلى مصر.
شرفت يا نكسون بابا
يابتاع الوتر جيت
عملوا لك قيمة وسيما
سلاطين الفول والزيت
فرشوا لك أوسع سكة
من راس التين على مكة
وهناك تنفد على عكا
ويقولوا عليك حجيت
ما هو مولد ساير داير
شيلاه يا صحاب البيت
قصيدة شرفت يا نيسكسون بابا
مثقفو السلطة
لم تغض كلمات وألحان الثنائيّ الطرف عن مثقّفي وشعراء السلطة برأيهم، بل طالتهم، هجا نجم الصحافي المخضرم على مرّ الأنظمة محمد حسنين هيكل في أوائل السبعينات، وذلك لتأييده تماهي نظام السادات مع الإدارة الأمريكية، فكتب عام 1972 قصيدة "رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد تاني" وكان هيكل صحافي نظام عبد الناصر الأول ووقتها رئيس جريدة الأهرام. وقد سخر نجم أيضا من وزير الثقافة في عهد السادات، الأديب المصري يوسف السباعي، ووصفه بالمُبرراتي لنظام السادات، فكتب عنه قصيدة في شكل فزورة. يقول فيها:
سكرتير عموم مصر
وافهم كلامي
تعدد مناصبه
ولا تنتهيش
وجيه بالوراثة
وجاهل عصامي
جمع جهل طايل
وإيه؟ من مفيش
وكان أصله ضابط
وحول حرامي
ويكتب أدب
بس ما يتقريش
فزورة عن يوسف السباعي
ومن الشعراء فقد هجا نجم اثنين من أكبر شعراء مصر منذ الخمسينات من القرن الماضي وإلى الآن، وهم صلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودي، والسبب بنظر نجم أنّهما شعراء ومؤلفي بروباجندا السلطة، في عهديّ عبد الناصر والسادات. فَصلاح جاهين يساري ناصري، وهو مؤلف أغنيات ما بعد ثورة يوليو التي كانت تُطرب في الحفلات بواسطة كبار المطربين وقتها مثل عبد الحليم حافظ. بعد ذلك بسنوات، أهدى نجم جاهين قصيدة رثاء، وذلك بعد عودة الثاني من رحلة علاج بالولايات المتحدة الأمريكية. أما عبد الرحمن الأبنودي، وبالرغم من اعتقاله عام 1965 لمدة عام واحد، إلّا أنّ نجم رآه تقرّب من السلطة بعد خروجه، وقد كتب الأغاني الوطنية مثل "عدى النهار" لنظام عبد الناصر بعد نكسة حزيران/ يونيو، وفي عهد السادات أصبح مقربا من شخص السادات ذاته، فَكتب فيه نجم قصيدة "الشاعر الأكره"
الطبل غير الشعر يا واد
ما تِهبلشي
وأي شخص يوكن شاعر
ما يطبلشي
يا تقول كلامك من جواك يا متقلبشي
ملعون ابوك طالع نازل
شاعرة أكره
الله الله شاعر أكره
قصيدة شاعر أكره
كذلك أهم مُطربي الأغاني الوطنية في فترة ما بعد تموز/ يوليو 1952، لم يسلما من كلمات وصوت الثانيّ. فأم كلثوم كان لها نصيبها في قصيدة "كلب الست"، وأيضا لها هجاء شديد ضمن فوازيره التي يترك الجمهور يُخمن من يقصد بكلماته. فقد شبّه أم كلثوم بيد الهون، ووصفها بالمدّاحة لكل الملوك والرؤساء، كذلك العندليب عبد الحليم حافظ، قد ذكره بالهجاء ضمن الفوازير.
لماليمو الشخلوعة الدلوعة الكتكوت
الليلة هـ يتنهد ويغنى ويموت
يشيلوه قال على لندن
علشان جده هناك
من بعد ما يتلايم
على دخل الشباك
ويهرب أموالك
ويقولك أهواك
يا شعب يا متلوع
ع الهدمة وع القوت
فزورة عن عبد الحليم حافظ
حتى رفقاء الكلمة والصوت واللحن لأكثر من عشرين عاما، قد افترقا لخلافٍ بينهُما، فقد انقطع الشيخ إمام بشاعره أحمد فؤاد نجم عام 1984، واستمر هذا الخصام إلى أن مات الشيخ إمام عام 1995، بعد جولات وصولات وغناء من الشقق إلى الجامعات وصولا إلى المسارح العربية والغربية، ذكر الناقد السينمائي أمير العمري في كتابه "الشيخ إمام في عصر الثورة والغضب" أن الخلافات كانت مادية حسب ما نقل عن نجم في أحد لقاءاته التلفزيونية. ليس نجم هو شاعر إمام الوحيد، هو شاعره الأكثر حميميّة في سنواته وهو الأكثر غناءً لكلماته، لكن غنّى إمام للكثيرين غيره، مثل نجيب سرور، نجيب شهاب الدين، سيدي حجاب، عبد الرحمن الأبنودي، زين العابدين فؤاد وغيرهم.
على الرغم من انتقاد الفاجومي في الستينات والسبعينات، الشعراء والأدباء الذين كتبوا وتقرّبوا من السلطة، إلّا أنّه وقع في ذلك أيضا، بعد تموز/ يوليو عام 2013، لم يكتب لكنّه، أيّد الانقلاب العسكري وقتها، متوقعا أن مصر ستستكمل مسارها الثوري التي بدأته في كانون الثاني/ يناير 2011، لكن رحل الفاجومي في كانون أول/ ديسمبر من نفس العام، ولم يرى ما آلت إليه الأمور مع مرور السنوات في مصر.