هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على الرغم من إحكام حركة طالبان
السيطرة على أغلب مناطق أفغانستان مترافقا ذلك مع الانسحاب الأمريكي، فإن وزير
الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، رفض الحديث عن "هزيمة" بلاده، مؤكدا
أن الولايات المتحدة حققت هدفها بإزالة خطر "الإرهاب" من أفغانستان.
ورفض بلينكن تشبيه
الخروج الأمريكي من أفغانستان بذلك الذي حدث قبل أربعة عقود من فيتنام، على اعتبار
أن الولايات المتحدة حققت هدفها بـ"دحر الإرهاب" وفق قوله.
إلا أن صورا ومقاطع
مصورة انتشرت لأفغان يتعلقون بالطائرات الأمريكية المغادرة لمطار كابل أعادت إلى
الأذهان صورة شهيرة لمروحية تجلي أفرادا من سايغون، العاصمة السابقة لجمهورية
فيتنام الجنوبية، عام 1975.
بالمقابل انتقد
زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل، الرئيس جو بايدن، بسبب
سياسته "المتهورة" تجاه أفغانستان، في وقت تعمل فيه بلاده على إجلاء موظفي
سفارتها بمواجهة تقدم "طالبان".
وحث ماكونيل
بايدن على الالتزام بإرسال المزيد من القوات إلى أفغانستان، معتبرا أن "سياسة
بايدن في أفغانستان متهورة.. إذا لم تتحرك الإدارة لإرسال قوات إضافية لدعم القوات
الأفغانية، فقد تقع سفارتنا في كابل في أيدي الجماعات المتمردة".
فساد القوات
الأفغانية
ومع إصرار وزير
الخارجية الأمريكية على رفض فكرة هزيمة واشنطن في أفغانستان، تُثار تساؤلات حول هل
هي فعلا لم تُهزم؟ ولماذا سمحت لطالبان بهذا التقدم السريع وتركت حلفاءها في حكومة
كابل؟ وهل أصبحت الحركة غير إرهابية من وجهة النظر الأمريكية؟
ورفض البروفيسور
بيل شنايدر أستاذ السياسة العامة والشؤون العامة والدولية في جامعة جورج ميسن
الأمريكية، فكرة "سماح" واشنطن لطالبان بالتقدم بهذه السرعة.
وأوضح شنايدر في
حديث لـ"عربي21"، أن "الولايات المتحدة كانت تعتمد على قوات الأمن
الأفغانية لمقاومة تقدم طالبان، إلا أن هذه القوات أثبتت أنها غير كافية على
الإطلاق، على الرغم من أنها تم تدريبها من قبل الجيش الأمريكي، ولكن المشكلة
الأكبر كانت تكمن في الفساد".
وحول ما إذا كان
الانسحاب الأمريكي وسيطرة طالبان على البلاد يعني هزيمة واشنطن قال شنايدر:
"ما حدث يعني هزيمة الحكومة الأفغانية وفشل الجيش الأمريكي في تدريب وتجهيز
قوات الأمن الأفغانية".
وعن احتمالية
اعتبار واشنطن، طالبان حركة غير إرهابية قال شنايدر: "أعتقد أن الولايات
المتحدة كانت تحاول التفاوض على تسوية سلمية مع طالبان، لكن يبدو أن هذه
المفاوضات لم تصل إلى أي مكان. ولا أعرف الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة تصنف
طالبان حركة إرهابية".
وأضاف:
"عندما هاجمت الولايات المتحدة أفغانستان بعد 11 سبتمبر تم ذلك لأن طالبان
كانت تحمي إرهابيي القاعدة مرتكبي هذه الهجمات ورفضت تسليمهم".
من جهته قال
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز وكبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط
دانيال سيروار، ردا على ما يقال من أن واشنطن هُزمت: "قررت الولايات المتحدة
الانسحاب وترك تلك المسؤولية لقوات الأمن الأفغانية، وهي لم تُهزم، لكنها اختارت
عدم القتال، عندها فقط أحرزت طالبان تقدمًا".
وحول ما إذا كانت
واشنطن أصبحت لا تُصنف طالبان حركة إرهابية بعد تفاوضها معها، قال سيروار في حديث
لـ"عربي21": "لا، ما زالوا يُعتبرون جماعة إرهابية على حد علمي،
ولا أجد أحدا على دراية جيدة بالملف الأفغاني كان مقتنعا بأن الحركة تغيرت وأصبحت
غير إرهابية، لذلك فإن علينا أن ننتظر ونرى".
فشل بناء مؤسسات
وطنية
وفي ظل الرفض
الأمريكي لقبول الإقرار بالهزيمة في أفغانستان والسماح لحركة طالبان بالتقدم
السريع أو على الأقل عدم مقاومتها عسكريا من قبل القوات الأمريكية، تُطرح تساؤلات
حول من الملام على هذا السقوط السريع للمدن الأفغانية بيد الحركة.
وأوضح المحلل
السياسي جو معكرون، وهو زميل مقيم في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في
واشنطن، أن "الإدارات الأمريكية المتعاقبة لم تتمكن من بناء مؤسسات وطنية أفغانية قادرة على بسط سيطرتها على البلاد، كما أنها فشلت في تحجيم قدرات حركة طالبان القتالية".
وأضاف في حديث
لـ"عربي21": "أيضا إدارة بايدن بالتحديد لم تدرس قرار الانسحاب
بعناية لتمرير المرحلة الانتقالية، بل أمعنت في تهميش الحكومة الأفغانية الضعيفة أصلا، والنتيجة المتوقعة حصلت وهي ملء حركة طالبان للفراغ الذي خلفه الجانب الأمريكي
بأسرع وقت ممكن".
وفي ما يتعلق
بفرضية هزيمة واشنطن أشار معكرون إلى أن "تعريف الهزيمة مبهم ويصب غالبا في
الاستغلال السياسي، لكن مهما حاولت إدارة بايدن فلا يمكنها تجميل هذا القرار وكيفية
تنفيذه، وماذا يعني تخلي أمريكا عن حلفائها وعدم قدرتها على بناء حكومة أفغانية والحد
من قدرات طالبان القتالية وعدم وجود ضمانات لعدم عودة مجموعات إرهابية إلى أفغانستان
وتهديد الأمن الدولي؟".
وردا على حديث
دانيال سيروار عن أن واشنطن قررت وحدها إنهاء القتال، قال معكرون: "هذه محاولات
لتبرير قرار اتخذ لأسباب داخلية أمريكية، إدارة بايدن تخلت عن دورها بعدما فشلت
على مدى عقدين في تحقيق غاياتها، وأفغانستان تعود اليوم إلى ما قبل الغزو الأمريكي
عام 2001".
بدوره قال
الكاتب والصحفي المتخصص بالشأن الأفغاني أحمد موفق زيدان: "المشكلة أن
الحكومة لم تثبت فعاليتها ولا قدرتها على أن يستثمر الآخرون بها، بالتالي فإن واشنطن
وجدت أن الحكومة حصان خاسر واقتنعت بأن دعم الميت والمراهنة عليه عبث وذلك على أثر
الانهيارات السريعة التي لم تتوقعها، إذ إنها كانت تتوقع صمودا لستة أشهر".
واعتبر زيدان، أن "الولايات المتحدة هُزمت في أفغانستان هزيمة ماحقة".
وأضاف في حديث
لـ"عربي21": "بكل تأكيد لحظة سايغون الكل يتحدث عنها، وليس هناك
منهزم يعترف بهزيمته، ويمكننا قراءة هذه الهزيمة في ما قاله مسؤولون أمريكيون
سابقون ومسؤولون بريطانيون ووصف صحيفة التايمز وغيرها لها".
اتفاق من تحت
الطاولة
وظهرت على إثر
الأحداث المتسارعة والمتلاحقة في أفغانستان تحليلات تشير إلى احتمالية وجود اتفاق
من تحت الطاولة بين حركة طالبان وأمريكا، يسمح لواشنطن بسحب قواتها دون تعرض
الحركة لها، وفي نفس الوقت يمنح المجال للحركة بالتقدم في أفغانستان.
إلا أن الكاتب
والصحفي والمتخصص بالشأن الأفغاني سامر علاوي استبعد "أن يكون هناك اتفاق سري
بين طالبان والولايات المتحدة أدى إلى التطورات المتسارعة دون تدخل عسكري من قبل واشنطن
لعرقلة هذا التقدم".
وأوضح علاوي في
حديث لـ"عربي21"، أن "الولايات المتحدة كانت قد قرأت المشهد
مسبقا، ولم تتفاجأ بالتطورات، وتدرك أن تدخلها لن يحدث تغييرا كبيرا على أرض
الواقع، وبما أنها حصلت على ضمانات بعدم التعرض لها أثناء الانسحاب فإنها لن تلجأ
إلى استفزاز طالبان للرد عليها أو الانتقام أثناء الانسحاب".
واضاف:
"أما ما يتعلق بالحكومة الأفغانية فإن تصريحات المسؤولين خلال الأسابيع
القليلة الماضية كانت تشير إلى أن الذي حدث تحصيل حاصل، وهي تتطلع لبناء علاقة مع
الحكومة المقبلة ولا تأسى على الحكومة السابقة، خاصة أن الولايات المتحدة لا تتحمل
أن ترى أفغانستان بموقعها الاستراتيجي وثرواتها الكثيرة التي لم تستغل تقع في حضن
منافسيها من الصين وروسيا ودول الجوار الأفغاني".
وحول فكرة هزيمة
واشنطن من عدمها أشار علاوي إلى أن "الهزيمة كان قد تحدث عنها قائد قوات
الناتو في أفغانستان الجنرال ستانلي ماكريستال بشكل غير مباشر في عام 2010، وهو ما
أدى إلى إقالته، وذلك عندما اتهم الإدارة الأمريكية علانية بالتخبط في إدارة الحرب
في أفغانستان".
ولفت علاوي إلى
أن "ملامح الهزيمة في أفغانستان بدأت بعد سنتين من التدخل العسكري الأمريكي
هناك عندما أدركت القوات الأجنبية أنها غير قادرة على السيطرة بنحو تسعة آلاف جندي
التي كانت تشكل قوة المساندة الدولية (إيساف) والتي أنيط بها مساعدة الحكومة
الأفغانية على حفظ الأمن وإعادة الإعمار، لكنها ما لبثت أن أصبحت قوات مقاتلة
تضخمت ليصل عددها إلى 150 ألف جندي منها 100 ألف جندي أمريكي".