قضايا وآراء

الإخوان وواجب الوقت

عصام تليمة
1300x600
1300x600

الإخوان المسلمون جماعة كبرى، عددا وقدرا، لهم ثقلهم واقعا وتاريخا، وينبغي النظر إليها من هذه الوجهة، ولذا يكثر منتقدوها، ويكثر ناصحوها، ويكثر الخائفون على مصيرها، والباكون على حالها.

فحال الإخوان لا يسر صديقا، ولا يغيظ عدوا، فهو حال تغني رؤيته عن الحديث عنه، ولست هنا في مقام الحديث عن أخطائها، ولا عن انتكاساتها التي تحدث عنها الكثيرون من أبناء التنظيم، ومن خارجه، سواء من كتب بلغة المحب، أو من كتب بلغة المتشفي والناقم.

فالإخوان لم تقف خسارتهم على الانقلاب العسكري في مصر، فقد مرت الجماعة بمحن تقترب من هذه المحنة، لكنها وقتها فتحت مجالات في بلدان أخرى، ولملمت جراحها، وقامت بنشر منهجها في أوروبا وأمريكا، ودول الخليج آنذاك، لكن ما حدث بعد الانقلاب أن انتقلت الجماعة من محنة، إلى محنة أكبر، وصارت تخسر حلفاء وقفوا إلى جانبها سنوات طويلة، ولا ندري مسلسل الخسائر إلى أين؟!

وقد كان حال قيادات الإخوان العاقلة في كل مراحلها من قبل، كلما اقتربت منهم محنة، أو دخلوها، أو خرجوا منها، التحفوا بظهيرهم الشعبي والنخبوي، وطلبوا المشورة والنصح، وألقوا أسماعهم، وانتبهوا لما تمليه عليه ضمائر من يحدثونهم.


واجب الوقت الآن على الإخوان قيادة وصفا، أن يلتقوا بشرائح مختلفة من الصف الإخواني أولا، ويسمعوا ما لديهم من انتقادات، وملاحظات، وشكاوى تتعلق بكل مجال من مجالات التنظيم، بداية من التربية، وانتهاء بالسياسة، وملاحظاتهم على أداء قياداتهم على جميع المستويات، بكل أريحية، بحثا عن الخلل.


عندما شعر الدكتور عبد العزيز كامل بخلل في جهاز التربية الإخواني، طاف محافظات مصر، وزار مكاتب الإخوان، ليقف على الخلل، وكتب أربعين مقالا في مجلة الإخوان المسلمين، تكلم عن المشكلات والحلول، وسعى للعمل على ذلك، وكان ذلك سنة 1947م.

وقبل صدور قرار حل جماعة الإخوان في 8 كانون الأول (ديسمبر) سنة 1948م، رصدت تحركات متعددة للإمام حسن البنا، فلم يترك فردا يمكن أن يتوسط ويتدخل لمنع الحملة التي قام بها النقراشي على الإخوان، فقد التقى بمرتضى المراغي ابن الشيخ المراغي شيخ الأزهر، فقد كان في منصب كبير في وزارة الداخلية، والتقى بصالح حرب، والتقى بعدد كبير من الوجهاء، بل التقى بكريم ثابت مستشار الملك فاروق الصحفي، وعرض عليه وساطته عند الملك، وهو رجل مسيحي فلن يشك الملك في صدق وساطته.

 

واجب الوقت الآن على الإخوان قيادة وصفا، أن يلتقوا بشرائح مختلفة من الصف الإخواني أولا، ويسمعوا ما لديهم من انتقادات، وملاحظات، وشكاوى تتعلق بكل مجال من مجالات التنظيم، بداية من التربية، وانتهاء بالسياسة، وملاحظاتهم على أداء قياداتهم على جميع المستويات، بكل أريحية، بحثا عن الخلل.

 



هكذا يفكر الناس عند اقتراب المحن، فما بالنا عندما تحل المحنة، وتزداد وتتفاقم، فالأولى الآن، وواجب الوقت على جماعة الإخوان الآن، السماع لمن بداخلهم عن المشكلات والخلل، ثم البحث خارج الجماعة عن الحل، لأن من بالداخل ـ في الغالب العام حاليا ـ ليس مهيّأ للبحث عن حلول مناسبة، فالجماعة تحتاج لأشخاص وهيئات تحبها، تنظر في البحث عن حلول لمشكلاتها، بعد أن رصدتها من الداخل رصدا أمينا، يعتمد على الشفافية.

هناك خلل في جماعة الإخوان، على مستوى الأفكار، وعلى مستوى العلاقات، وعلى مستوى المشاريع في الجماعة نفسها، تحتاج الجماعة وهو واجبها الآن، أن تعيد النظر في كل هذه الملفات، فهناك ضبابية واضحة في كثير من أفكارها، حول نظرتها للمحنة، ونظرتها للمظلومية، ونظرتها للآخر، ونظرتها للقيادة، ونظرتها للصف، ونظرتها للمؤسسية، فعلا لا قولا، ومنهجا لا شكلا بوجود شكل مؤسسة، لكنه في الحقيقة أقرب للعشوائية، إن لم يكن أسوأ مراحل العشوائية.

على مستوى العلاقات تحتاج الجماعة أن تراجع نفسها مراجعة شاملة، في ملف علاقاتها، وتبدأ بالداخل، بلم شمل صفها، بعد أن كان الجميع يحسد الإخوان على شدة تقاربهم وتفاهمهم، وكان التنظيم المصري يباهي بأن معظم دول العالم العربي تجد فيها انشقاقات، عدا مصر، فهم لحمة واحدة، الآن صار حالهم أشد، فينبغي مراجعة علاقات الداخل الإخواني.

وأما على مستوى علاقتها بالآخرين من القريبين منها، فهو ملف يستحق المراجعة، والعمل على حله، فقد نشأت كيانات التفت فيها جبهات حول الإخوان متعاونة معها، مثل: تحالف دعم الشرعية، والمجلس الثوري، وكيانات وجبهات متعددة، لكنها كلها انتهت وضعفت بسبب معروف، وهو حب فئة من الجماعة على الاستحواذ، وجعل المشاركين مجرد شكل، أو ديكور، فهذا مستوى آخر من عالم العلاقات منيت فيه الجماعة بخسائر كبرى، عليها الآن، أن تعيد النظر فيه، وتلملمه قدر الاستطاعة.

على الجماعة الآن في عالم المشاريع، أن تراجع نفسها، ليس في مشروعها، لأنه ليس واضحا أن هناك مشروعا يجمع الناس، وهنا التحدي الأكبر للجماعة، فيمكن لها أن تعيد لصف لحمته السابقة، وإجراء مصالحات جادة، مبنية على احترام المختلف معها، وليس قهره، أو إذلاله، كما حدث في صيغ وردت على ألسنة قيادات لم تكن ترغب في إنهاء هذا الملف.

يمكن للجماعة التفكير في مشروع يجتمع عليه الصف الإخواني، ولو كان مشروعا تربويا، أو فكريا، أيا كان المشروع، المهم أن يلتقي عليه الجميع، ويتوافق عليه الجميع، ويعاونها في تحديد هذه المشاريع الجهات العلمية والفكرية والتخطيطية من خارج الإخوان، والتي للإخوان في قلبها مكانة، وتحب لها الخير، وما أكثرهم في الأمة الإسلامية، وسوف يحدث هذا: إذا توفرت النية الصادقة، والعزيمة المضاءة على فعل ذلك من القيادة الإخوانية.

[email protected]


التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الخميس، 08-07-2021 12:29 م
*** مع أهمية الدور الذي قامت به جماعة الإخوان خلال المراحل التاريخية التي مرت بها منذ نشأتها وتأسيسها عام 1928م وإلى اليوم، فهي لم تكن في يوم من الأيام إلا جزءا من العمل الإسلامي العام، وإفراز للتيار الإسلامي الأوسع والأعم، وليس العكس، فهي كما يقال ليست جماعة المسلمين ولكنها جماعة من المسلمين تشارك وتتعاون مع غيرها في مجالات العمل العام، ورغم الرؤية الحماسية المتطرفة لبعض شباب الجماعة عبر تاريخها، فحسن البنا نفسه لم يبعث في مجتمع جهالة، بل كان هو نفسه تلميذ للمدرسة الإسلامية الجامعة وابن مخلص من أبناءها، وقد تتلمذ على يد أساتذة أخذوا بيده في كافة مراحل الطريق منذ نشأته وإلى مماته رحمة الله عليه، كما أن الجماعة لم تنفرد بالعمل الإسلامي العام حتى في أكثر مراحلها ازدهاراً، والبنا نفسه في حياته لم يقتصر نشاطه على جماعة الإخوان، فقد كان يشارك بالكتابة والنشر في صحف إسلامية أخرى كانت أكثر انتشاراُ وأعمق تأثيراُ من صحف الجماعة في عصره، وقد صرح في نهاية حياته بعد حل الجماعة الأول، أنه كان عضواً منتظماُ ولم ينقطع عن دفع اشتراكات جمعية الشبان المسلمين التي بدأ نشاطه العام فيها، وواصل عمله داخلها إلى حين اغتياله غيلة أثناء خروجه من المقر الرئيسي لجمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس، والذين يضعون على أكتاف الجماعة وأعضاءها وحدهم عبأ ما حدث بعد ثورات الربيع العربي التي قامت في مواجهة الحكومات المستبدة الفاسدة العميلة، يحملون الجماعة فوق ما تحتمل، فالثورات لا تقوم بها أي جماعة أو تنظيم أو حزب مهما بلغ انتشارها وشعبيتها، فالثورات ضد الظلم مسئولية الشعوب نفسها وليس أي تنظيمات تمثلها، فهي فرض عين على كل قادر عليها وليست فرض كفاية، وما أشار إليه الكاتب من دور الدكتور عبد العزيز كامل رحمه الله لا محل له هنا، فعبد العزيز قد استقال من الجماعة ولا نقول انشق عنها في مرحلة مبكرة، وارتأى لظروف شخصية أن يتعاون مع نظام ناصر ومن بعده السادات في تولي مناصب وزارية، كما أن ما أشار له الكاتب من اتصالات لحسن البنا مع رموز للنظام لا محل له هنا أيضاً، فقد كانت الجماعة وقتها معترف بها، ولها مئات الفروع والمكاتب في أنحاء مصر، تمارس من خلالها كافة أنواع الأنشطة بموافقة واعتراف الدولة، فكان من الطبيعي أن تكون للجماعة وقياداتها اتصالات بالمسئولين الحكوميين حينها، أما الموقف الثوري العام في مختلف دول ثورات الربيع العربي الآن، فهو عدم الاعتراف بشرعية الحكومات التي انقلبت على الحكومات الشعبية المدنية المنتخبة والمختارة من جموع الشعب، والكل يعلم بأن تلك الحكومات الانقلابية قد جاءت بدعم ومساندة المحور الصهيوني الصليبي الجديد، لقمع ووأد الهوية الإسلامية الجامعة، فالأمر أخطر من كونه متعلقاُ بجماعة الإخوان وتنظيماتها وأعضاءها، فهي مرحلة مصيرية، فإما أن نكون أو نتحول إلى مسوخ في يد المحور الصهيوني الصليبي الجديد، والله أعلم بعباده.