هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت مشاهد إخلاء المستوطنين للبؤرة الاستيطانية المقامة على جبل صبيح في بلدة بيتا جنوب مدينة نابلس؛ ردود فعل واسعة في الشارع الفلسطيني الذي اعتبر البلدة "منارة" للمقاومة الشعبية الفاعلة والتي أدت إلى هذه النتيجة.
وقارن الفلسطينيون بين هذه المشاهد وبين مشاهد خروج المستوطنين من قطاع غزة عام 2005 وترك مستوطناتهم فيها، الأمر الذي اعتبروه نتيجة لإصرار وصمود الأهالي على مدار أكثر من 60 يوما.
ولأكثر من شهرين متتاليين واصل أهالي بلدة بيتا مقاومتهم بوسائل عدة بهدف طرد المستوطنين عن جبل صبيح الذي يتمتع بموقع استراتيجي يطل على الأغوار الفلسطينية وجبال الأردن، حيث تركزت فيه أطماع المستوطنين لإكمال حزام استيطاني يفصل شمال الضفة عن وسطها وجنوبها، وانطلق الأهالي في مقاومة شعبية مستمرة ليلا ونهارا كي يطردوا المستوطنين عن أرضهم وهو ما حدث فعلا.
الفلسطيني عمر حمايل من البلدة قال لـ "عربي21" إن الأيام الطويلة التي مرت على أهالي البلدة رغم صعوبتها إلا أنها آتت أكلها في طرد المستوطنين؛ وأدت في مرحلة معينة إلى إخلائهم من البؤرة التي أقاموها قبل شهرين على جبل صبيح.
اقرأ أيضا: مستوطنون يضرمون النار في مساحات واسعة جنوب نابلس
وأوضح بأن المجهود الشعبي الذي بذله الأهالي لا يجب أن يعود إلى نقطة البداية؛ حيث يجب أن يستمر حتى يرحل الاحتلال عن الجبل نهائيا ويعود الأهالي إلى أراضيهم، وبالتالي ما زالت خطوات الانتصار في بدايتها ويجب البناء عليها لتثبيته وترحيل الاحتلال عنه بشكل كامل.
وحول الأسباب التي أدت إلى رحيل المستوطنين رأى حمايل أن أولها التكاتف الشعبي والاجتماعي، حيث أن أهالي بيتا كانوا يقومون بالرباط حول الجبل وكل منهم يقوم بدوره في مجتمع متكامل متعاضد، إضافة إلى الاستمرارية بالفعاليات والتي أرهقت المستوطنين خاصة فعاليات الإرباك الليلي التي شكلت منعطفا هاما في المقاومة الشعبية.
وأضاف: "الإرباك الليلي أضاف الكثير لمقاومة أهالي البلدة، حيث شعرنا بأنه أثر على الاحتلال والمستوطنين لدرجة أن الجنود أحيانا كانوا يحملون مكبرات الصوت ويقولون عودوا إلى منازلكم وتعالوا في الصباح نريد أن ننام، وهذا الأمر أدى إلى تحقيق عنصر الترهيب الذي يحسب له الاحتلال كل الحساب وخشي على حياة المستوطنين".
أما نائب رئيس بلدية بيتا موسى حمايل فقال لـ"عربي٢١" إن البلدة بدأت بهزيمة الاستيطان ولكن لم تهزمه كليا بعد؛ ما دام هناك بيت متنقل ما زال المستوطنون يقيمونه على أراضيها.
ووصف ما جرى بأنه بداية الانتصار؛ بمعنى أن تضطر قوات الاحتلال والمستوطنون أن يرتبوا اتفاقا وأن يتشاوروا لإخلاء البؤرة؛ مبينا أن هذا كان نتيجة للضغط الشعبي الذي استمر على مدار ٦٣ يوما من العمل المقاوم الجاد.
واعتبر أنه لم يكن ممكنا التفاوض حول هذه البؤرة ومن ثم إخلاؤها لو لم يكن هناك تصميم من قبل الأهالي وإصرار على تفكيك البؤرة ورحيل المستوطنين؛ وذلك عبر وسائل المقاومة الشعبية بكل أشكالها والتي قدم خلالها أهالي البلدة ٥ شهداء ومئات الجرحى.
وأكد حمايل على أن الأيام القادمة هامة جدا بالنسبة لأهالي بيتا لأن الاحتلال يراهن على تخفيف وتيرة الضغط الشعبي فيها؛ وبالتالي إقامة مدرسة دينية أو نقطة عسكرية هناك.
صورة الانتصار
ولكن إعلام الاحتلال والصحافة العبرية لم تتحدث عما حدث في بلدة بيتا أنه انتصار فلسطيني، بل قالت إنه إعادة ترتيب لما يحدث في تلك البؤرة، وأن الإخلاء تم بناء على اتفاق تم بين قوات الاحتلال والمستوطنين من أجل إقامة مدرسة دينية يهودية مكان البؤرة أو تحويلها إلى نقطة عسكرية.
ورغم ذلك فإن بعض وسائل الإعلام العبرية قالت إن الاحتلال تعمد عدم إظهار ما حدث في البلدة بأنه انتصار؛ وأن إخلاء المستوطنين كان بشكل متقطع حتى يتم منع الفلسطينيين من الحصول على صورة انتصار حقيقية؛ بعد أساليب مستمرة من المقاومة الشعبية.
اقرأ أيضا: ضابط إسرائيلي: المستوطنات تستنزفنا وتعيدنا للوحل اللبناني
وأوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية خبرا على موقعها الإلكتروني يقول إن المستوطنين في جبل صبيح غادروا فرادى حافلة حافلة؛ ولم يغادروا كقافلة واحدة حتى لا يعطوا الفلسطينيين صورة انتصار.
الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور يقول بأن الإعلام العبري يركز على مظاهر الاحتجاج في بلدة بيتا وأنها كانت مدعومة شعبيا وتتميز بالديمومة، وأن هذا ساهم بكل تأكيد في تحريك القضية ووصولها إلى هذه النتيجة.
وأكد لـ "عربي٢١" أنه رغم عدم اعتراف الاحتلال بشكل واضح إلا أنه يعتبره انتصارا لأهالي بيتا؛ واللافت أننا الآن نسمع خطابا شبيها بالخطاب الذي سبق فترة "أرئيل شارون" و"إيهود أولمرت" وغيرهم.
وأضاف: "بدأت الأصوات تتحدث عن إيجاد حلول للبؤر الاستيطانية "غير الشرعية" وتفكيكها في الضفة، وكأن "بيني غانتس" يريد إحياء هذا الخطاب من جديد؛ وهذا بفضل المقاومة الشعبية التي أجبرت الاحتلال على إخلاء البؤرة".
وأشار إلى أن الإعلام الإسرائيلي اعترف وسلّم بأن هناك هزيمة وبدأ يبحث عن حلول؛ وكذلك التركيبة الهشة للحكومة الإسرائيلية أيضا ساهمت في التوصل لحل وسط؛ وهو أن يضعوا مكان البؤرة مدرسة دينية للجنود، وذلك من الممكن أن يكون من أجل أن يظهروا لليمين أنهم لم يقدموا صورة هزيمة لحفظ ماء الوجه؛ ولكنهم حقيقة يدركون أنه من غير الممكن عودة المستوطنين للبؤرة.
وأوضح منصور أن الأهم من كل هذا هو توصية قوات الاحتلال التي كانت قاطعة وحاسمة وهو أنه ممنوع بقاء المستوطنين في البؤرة وأن ذلك يشكل تهديدا عليهم، وإصرار الجنود على إخلائهم.
وتابع: "موقف قوات الاحتلال وغانتس الذي من خلفه والضغط الذي حدث هو ما أنتج هذه الحالة وهي فعلا صورة انتصار؛ ولكن الانتصار من الممكن التراجع عنه إذا أصبح الظرف مواتيا أو بالإمكان الاحتيال على هذا القرار؛ لأن الحكومة هشة وتوازناتها كثيرة وحساسة".