قُتل
نزار بنات في مدينة الخليل، وسأل كثيرٌ عن تفسير وحشية
جهاز أمن منظمة التحرير
الفلسطينية، الممثل الكوميدي والتراجيدي الوحيد والسعيد للشعب الفلسطيني الممنوع من الانتخابات.
يقول ابن عم
نزار بنات إنه كان معه عندما اقتحم عشرون نفراً من شبيحة السلطة البواسل مكان اختبائه في المنطقة "ج"، ظناً أنّ جيم أخفى من باء وألف. فالعدو لا يحتمى به وقد أذن بقتله حسب المعاهدات وترتيب حروف الهجاء.. فاقتحموا البيت فجراً، وانهالوا عليه ضرباً بالهراوات وركلاً حتى مات بخطأ فردي وحادث عرضي وخرجوا من غير أن يشربوا القهوة. وقيل إنّ الضرب تواصل مدة ثماني دقائق حتى نزعوا روحه من بين جنبيه، وقد كان محبوباً من الممثل الشرعي الوحيد والسعيد، فقد اعتقلوه ثماني مرات.
وقامت مظاهرات في مدن السلطة المحررة تطالب بإسقاط النظام غضباً لمقتله، فانتبهنا إلى أن ثمة نظاماً في فلسطين المحتلة غير الاحتلال، وقد ظنّنا طوال الوقت أنها سلطة وطنية. والجواب السهل في السؤال عن وحشية رجال "حتف"، أن السلطة حوّلت شرطتها إلى كلاب متوحشة، وأنها تغذيهم بفياغرا وطنية خاصة فيها منشطات سياسية ومالية، فيتضخمون بأجورهم، ويتورمون بسلطانهم، ويستعلون بمنزلتهم، ويصير الزيّ العسكري زيّ سوبرمان، وتزوغ أبصارهم، فينظرون إلى أنفسهم بمكبّرة وإلى الشعب بمصغّرة.
التفسير بنظرية بافلوف:
يتّخذ بعض الأغنياء وأصحاب الأملاك والأنعام كلاباً للحراسة، ويدرّبونها على أمور تلتزم بها ولا تحيد عنها. والكلاب حيوانات مقدّسة في الغرب، الأوروبيون يقدّسون الكلاب أكثر من بقر الهندوس، ولكن من غير أساطير. تهاجم الكلاب المطيعة كل غريب، ولو كان أخاً لصاحب الكلب لم يره الكلب من قبل، وهذه يسمونها تجربة المنعكس الشرطي، يسمع الكلب هتافا
ضد الرئيس فيعضُّ الهاتف.
التفسير بنظرية ستانلي ميلغرام عن الثواب والعقاب:
قدم ستانلي ميلغرام عرضاً في الصحف دعا فيه متطوعين لاختبار اجتماعي ونفسي، مقابل أجر ماليّ، عن علم نفس الطاعة سنة 1963، وهي عن الطاعة والعقاب، وسمعية مثل تجربة بافلوف، فتقدم لها عدد كبير من المتطوعين. سيكون المعلم المعاقِب في غرفة لا يرى المتعلّم المعذَّب في غرفة أخرى، لكنه يسمع أنينه واستغاثته، ويراهما المشرفون على الاختبار. يسأل المعلّم المتعلِّم أسئلة على الطريقة الأمريكية، وعليه أن يختار بين أربعة أجوبة، فإذا صحّ الجواب نجا من صعقة كهرباء، تزيد الصعقة شدة كل مرة، حتى تصل إلى جرعة مهلكة.
لقد غلب على مشرفي الاختبار الظنّ بأن قلة لن تبلغ الواحد بالألف ستصل إلى مرحلة الصعقة القصوى. لكنهم فوجئوا بوصول 65 في المئة من المشاركين إليها. امتعض كثيرون من التجربة، وهم يسمعون صيحات الألم، لكنهم استمروا في الصعق، ولم يعلن أي مشارك قبل مستوى 300 فولت عن رغبته في التوقف عن الاختبار. كما لم يغامر أي منهم بالتحقق من سلامة المتعلّم المصعوق لنجدته أو الاعتذار منه من غير إذن.
يمكن رؤية التجربة في فيلم روائي صُوّر عنها، أو في فيلم وثائقي، وصارت شهيرة، ومصدرا لأفكار الكاميرا الخفية. بعض الناس يصفون المعاقِبين بأنهم ساديّون، ولكنه تحليل سريع وشائع ويوصف بالسطحية، إذ لا بد من أخذ المحيط والبيئة بعين الاعتبار.
التفسير بتجربة جامعة ستانفورد:
أُجريت تجربة ستانفورد بعد عقد تقريباً من تجربة ميلغرام، وهي بالحواس كلها، واستغرقت أسبوعا من شهر آب/ أغسطس 1971، تحت إشراف فريق من الباحثين يقوده فيليب زيمباردو من جامعة ستانفورد. والقائد هو من زملاء ميلغرام القدامى، وقد قام بأداء دور الحراس والسجناء متطوعون، في بناء يحاكي السجن. وسرعان ما تجاوزت التجربة حدود السيطرة، وخيف من ارتكاب جرائم، فتمّ إيقافها، لانغماس الطلاب المتطوعين بأدوار السجانين في أدوارهم.. السلطة لذيذة حتى في التمثيل.
تعميم تجربة ستانفورد وتأميمها:
بقي أن نقول: إن التجربتين المذكورتين اشتهرتا كثيراً، وقد ختم الغرب التجارب الثلاث في طبعة جديدة، أشمل من ستانفورد وتجربة ميلغرام، وعمل بها في عدة دول عربية وإسلامية، هي فلسطين والعراق وسوريا واليمن وأفغانستان.. وهو ينظر إلينا هذه المرة عبر زجاج الفضائيات، ويستمتع بالعرض الروماني الممتع.
كان الرومان يقدمون المسيحيين الأوائل طعاماً للأسود، ويصفق الشعب سعيداً. الأمريكان بحضارتهم الموروثة عن الرومان، طوّروا الحائط الفاصل بين المعلم والمتعلم بالريموت كونترول، يقصف الطيار بلاداً كاملة بأطفالها ونسائها وطيورها وحيواناتها، من غير أن يسمع استغاثة واحدة، أو يرى قطرة دم واحدة، ويعود سعيداً إلى حبيبته.
وبما أن بلاد المسلمين تختلف عن أوروبا، ولا يزال
الدّين هو مناط حياة الناس، فإنّ السلطة المعاقِبة بحاجة إلى فتوى، فيستخرج النظام شيخا شديد الوسامة، يشعّ النور الصناعي من وجهه، فيقول: اقتلوهم ريحتهم نتنة، ويقول أوسكار الدعاة عمرو خالد مخاطبا الجندي المصري: ما دمت لبست البيادة دي والبدلة فأنت بتشتغل عند ربنا!
وأستغفر الله العظيم من جزمة الغفران وبدلة الغفران، وهي أدنى من صكوك الغفران الشهيرة.
وهكذا اجتمعت لقتلتنا الأفاضل الذين ينتعلون البيادة ويلبسون البدلة كل الفضائل والذرائع:
- بافلوفية الكلب الروسي والقتل بالمنعكس الشرطي أو "المنعبس" الشرطي، نسبة إلى عباس.
- المكافأة والأجر والثواب من نظريات ستانفورد وميلغرام.
- الثواب الإلهي والغفران من نعل البيادة ولبس البدلة. وقد قتلوه متنكرين بثياب مدنية فالحرب خدعة، وهذا لا ينقص من أجر القتلة المرابطين شيئا.
القتل بذريعة العبد المأمور والمرابط في أكناف بيت المقدس:
تُذكّرنا التجارب السابقة عضّاً أو صعقاً أو ضرباً بسؤال سأله السجان لأحمد بن حنبل في محنته، بعد سماعه يدعو على أعوان الظلَمة، فقال له: يا إمام وهل أنا من أعوان الظلَمة؟
فقال له: ﻻ، أعوان الظلَمة من يطهون طعامك، ويخيطون ثيابك، أما أنت فمِن الظلَمة أنفسهم.
"لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف".
هناك طريق ثالث، إذا شقَّ على المرء الاختيار بين "النجدين"، وهو الاعتزال والصمت، طريق أضعف الإيمان. لكن عسكر السلطة الوطنية الفلسطينية ليسوا متطوعين في اختبار جامعي، أو تجربة شركة علمية، فهم يأخذون أجورا شهرية على الكفاح المسلح لتحرير فلسطين بالبهارات، وتقديم قرابين للرئيس المعبود من غير هدر للرصاص الثمين.
قُتل فلويد فلسطين لأنه أجاب أجوبة صحيحة من غير خيارات أربعة، ولا بد أنَّ إسرائيل ترتعد خوفا من هؤلاء الطباخين الذين قصدوا نزار بنات من أجل إعداد طبق اليوم فزادوا في عيار الفلفل. مؤكد أن إسرائيل ستعدُّ إلى المليون قبل أن تذكر أبو مازن بسوء، خوفا من قرنفل أبو مازن وسكّر أبو مازن، خاصة أنه بطران من تعويضات حرب غزة، ومؤكد أنه بقتل نزار بنات يقصد المستوطنين: إياك أعني واسمعي يا جارة.
twitter.com/OmarImaromar