في أجواء داخلية وخارجية تتعرض فيها حياة
المصريين لخطر
الموت المحقق من كارثة سد النهضة وحرمان الشعب من حقوقه التاريخية في المياه، إلى
كارثة إعدام بعض ثوار يناير لحرمانهم من حق الحياة، مجرد الحياة.. في هذه الأجواء
خرجت علينا الكاتبة اليسارية فريدة النقاش تعلن أنها ما زالت مستمرة في طلبها بإزالة
خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي.
على المستوى الشخصي تزداد قناعاتي يوميا بأن بقايا مكونات
هذه المرحلة في السلطة والمعارضة في الحركة الإسلامية والحركة المدنية بل وفي بعض
قطاعات الشعب؛ أصبحت خارج الخدمة وخارج السياق العام.. دورة حياة تاريخية على
مشارف الانتهاء، بقايا مرحلة ما زالت تعيش في الماضي الذي انتهى، تستعيد نفس
القضايا التي كانت شبه مقبولة منذ قرابة الـ50 عاما، في
التفكير والتدبير في الشكل
والمضمون، لأنه من الواضح أن بقايا هذه الأجيال لا تتقن إلا هذا النوع من المسائل
والإشكالات.. لا تتقن إلا الإهدار وإعادة التكرار في القضايا والأفكار.. لا تملك
جديدا ولا تعيش احتياجات الناس ولا طموحاتهم، لكن تعيش احتياجاتها هي دون غيرها.
ربما لا تدرك بقايا
النخبة المصرية أن الزمن قد تجاوزها
واهتماماتها معا، وأن الأجيال الحالية والتي تمثل الحاضر والمستقبل لا تعنيها هذه
الأفكار والأطروحات.. أجيال الحاضر لا تعنيها القضايا الفكرية من هذا النوع، إنما تعنيها
حرية التدين؛ من شاء تدين ومن لم يشأ فهو حر، والجميع حسابهم دينيا ليس هنا ولكن
هناك عند الله. وما يعنينا في مسألة
الدين والتدين واقعيا هو السلوك العملي
وانعكاسه على العلاقات والمعاملات والإنتاج والتطور والتحضر، أي كيف يكون الدين
سبب إسعاد دنيا الناس.
حتى الفكر المدني أو العلماني، سمه ما شئت، خلاصته كيفية إسعاد
الناس في حياتهم وليس كيفية محاربة ومكافحة دين الناس خاصة الإسلام؛ لأن التيار
العلماني موقفه الوحيد الرافض هو من الإسلام وليس غيره من الأديان، والسبب معلوم.
قضايانا الأساسية ليست في خانة الديانة ولا في الديانة
نفسها لكنها في فقدان المقومات الأساسية للحياة الإنسانية.. مجرد أنك إنسان فهذا
مستوى لم نصل إليه بعد، فلا حقوق، ولكن استبداد وفساد وقمع وعقوق. النخبة المصرية
ما زالت ترى أن الحريات هي لمستوى من الناس دون غيرهم، والحياة لفئات دون غيرها،
والسلطة لأشخاص دون غيرهم، بل والصحة لقطاعات دون قطاعات.
العودة لسجالات الماضي هي شهادة فشل وربما شهادة وفاة
لبقايا هذه الأجيال.. الصراع المصطنع بين الإسلاميين والعلمانيين هو صراع سياسي
وليس فكريا، تديره الأجهزة الأمنية لشغل الرأي العام وإلهاء الناس عن فشل وفساد
الحكم، وهو صراع تجيده النخب لأنها صراعات دون تكلفة ولا ضرر، بل صراع يتابعه الإعلام
والصحف والفضائيات وأصبح مصدرا للبزنس أحيانا.
قضايا خانة الديانة والحجاب واللحية وغيرها تجاوزها الزمن،
وما عادت تستدعى إلا من بقايا أجيال كان لها دور وظيفي في أنظمة الاستبداد.
الواقع أن المرحلة الحالية أثبتت إخفاق وعدم جاهزية النخب
المصرية بألوانها الفكرية والأيديولوجية التي أخفقت وأضاعت بإخفاقها الجولة
الثورية الأولى وأمل الملايين في حياة حرة كريمة، ومن أخفق وفشل في الظروف والفرص
الأفضل لا يراهن عليه النجاح في الظروف الأسوأ.
الواقع يؤكد حاجتنا الملحة لتيار وطني جديد بحجم
التحديات ومستوى الطموحات، تيار بخلفية وطنية خالصة، وتبقى الأفكار والأيديولوجيات
حقوقا حصرية لأصحابها لا تصدر لشغل الناس ومزاحمة القضايا ذات الأولوية.. تيار
وطني جديد يفرز نخبة المرحلة، ومنصات الإدارة وكفاءات التنفيذ ونظم وبرامج التطوير
والتغيير.