مقالات مختارة

المقاطعة والعقوبات ساعدت بإسقاط أبارتيد جنوب أفريقيا.. فهل يأتي دور إسرائيل؟

كريس ماكجريل
1300x600
1300x600

اسأل الجيل القديم من البيض في جنوب أفريقيا متى شعروا بضغط العقوبات المضادة لنظام الفصل العنصري (الأبارتيد)، وبعضهم يشير إلى لحظة عام 1968 عندما منع رئيس الوزراء بي جي فورستر جولة لفريق كريكيت الإنكليزي؛ لأنه ضم اللاعب ذا الأصول العرقية المختلطة، بازل دوليفيرا.

وبعد ذلك مُنعت جنوب أفريقيا من المشاركة بمباريات الكريكيت الدولية حتى خروج نيلسون مانديلا من السجن بعد 22 عاما. وكانت قضية دوليفيرا، كما باتت لاحقا، نقطة مهمة بزيادة الدعم للمقاطعة الرياضية حيث استبعد البلد من المباريات الدولية، بما فيها لعبة الرجبي التي يعشقها "الأفريكانرز" البيض، الذين كانوا يشكلون أساس الحزب الحاكم وشعروا بالسخط من استبعادهم.

وهناك آخرون يشيرون إلى أن يوم الحساب جاء عام 1985 عندما طلبت المصارف الأجنبية من جنوب أفريقيا دفع قروضها، وكان من الواضح أن البلد سيدفع ثمنا باهظا لنظام الفصل العنصري. ولكن هاتين الحادثتين لم تكونا فاصلتين في نهاية النظام العنصري بالطريقة نفسها التي لعبها تلاميذ المدارس السود في سويتو، والذين قادوا حركة من العصيان المدني والاضطرابات، التي جعلت النخبة البيضاء غير قادرة على الحكم، حتى تغيرت السياسة الدولية وانهارت الشيوعية التي أدت دورها.

ومع ذلك، لا يمكن إنكار صعود حركة المقاطعة لجنوب أفريقيا على مدى ثلاثة عقود، التي تركت علاماتها على سكان البلد وواجهتهم بالشجب الذي يتعرض له نظام الحكم. فقد ضغط الأوروبيون العاديون على متاجرهم للتوقف عن بيع المنتجات المصنعة في جنوب أفريقيا، وأجبر الطلاب البريطانيون بنك باركليز على إغلاق فروعه في جنوب أفريقيا. وقاد رفض عامل محل في دبلن للاتصال بشركة للجريب فروت إلى إضراب، ومنع الحكومة الأيرلندية الاستيراد وبشكل شامل من جنوب أفريقيا.

وبحلول منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، قال واحد من كل أربع بريطانيين إنهم يدعمون الحملة المضادة للفصل العنصري، ولكنها كانت قوية في الجامعات إلى جانب الحملة ضد انتشار السلاح النووي ودعم ثوار السانديستا في نيكاراغوا.

ومنع اتحاد الموسيقيين البريطاني الفنانين من جنوب أفريقيا من الظهور في بي بي سي، ومنعت المقاطعة الثقافية معظم الفنانين البريطانيين من المشاركة بمناسبات في جنوب أفريقيا، مع أن إلتون جون وكوين شاركوا حفلات موسيقية في صن سيتي بفوثاتسوانا.

ورغم عدم وجود علاقات ثقافية ورياضية وتجارية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا في تلك الفترة، إلا أن التعبئة ضد نظام الفصل العنصري في الجامعات والكنائس والتحالفات المحلية، أسهمت في تقوية يد الساسة الأمريكيين والشركات الكبرى والدفع باتجاه تحويل الاستثمارات.

وفي الفترة التي قرر فيها أف دبليو دي كلارك التفاوض مع نيلسون مانديلا وإخراجه من السجن، كانت النقطة الأساسية هي وقف المقاطعة.

وبعد 27 عاما من نهاية نظام الفصل العنصري، يرى البعض أن حملة المقاطعة ضد جنوب أفريقيا هي دليل لتعبئة الدعم ضد ما يبدو بشكل متزايد ماركة إسرائيل من الفصل العنصري. وكما كشفت الحملة ضد جنوب أفريقيا، فبناء الدعم يحتاج لسنوات، ومن يدعمون الحملة يواجهون عدوا قويا ممثلا في إسرائيل.

ورغم كل التحولات في المواقف من إسرائيل، وتحديدا في الولايات المتحدة وبين الشتات اليهودي هناك، فقد قدمت تجربة جنوب أفريقيا مثالا يحتذى. ومن أهم التحولات المهمة هو تحطم التابو في المقارنة مع نظام جنوب أفريقيا العنصري. فمنظمة بتسيلم الإسرائيلية أصدرت في كانون الثاني/ يناير تقريرا تحدثت فيه عن "نظام تفوق يهودي من نهر الأردن إلى البحر المتوسط: نظام الفصل العنصري". وتبعت منظمة هيومان رايتس الخطى في نيسان/ إبريل، واتهمت إسرائيل بارتكاب "جرائم فصل عنصري".

وظل أنصار إسرائيل يرفضون المقارنة مع جنوب أفريقيا ويعتبرونها معادية للسامية؛ لأنها تقترح أن الدولة اليهودية هي مشروع عنصري.

وتواصل إسرائيل زعمها أمام العالم الخارجي بأن الاحتلال مؤقت رغم ما تقوم به من تعميق له، وأن الفلسطينيين يتحملون المسؤولية لأنهم فشلوا في التفاوض على حل مرض يقود إلى الدولة.

ولكن التركيز المتزايد على العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة، أثار الانتباه لحالة انتهاك الحقوق الفردية وحقوق الإنسان في البلدين. وتمتعت حركة المقاطعة لجنوب أفريقيا بالمصداقية معظم الوقت، مع أنها لم تحظ بدعم عام بين السود الذين خافوا من خسارة أعمالهم.

وأطلق الدعوة رئيس المجلس الوطني الأفريقي ألبرت لوثيلي في لندن عام 1958. وفي السنة التالية ولدت الحركة بالاسم نفسه، ثم أعيدت تسميتها لاحقا إلى اسم الحركة المناهضة للفصل العنصري، في لندن.

وكان من بين المتحدثين جوليوس نيريري، الرئيس المقبل لتنزانيا. وقال: "نحن لا نطلب منكم أيها الشعب البريطاني أي شيء خاص، فقط نطلب منكم سحب دعمكم لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا والتوقف عن شراء البضائع".  وأضاف: "تقاتل حكومة جنوب أفريقيا التاريخ وسيخسرون، ونعرف أن حركة الكفاح للتحرير ستنتصر في جنوب أفريقيا، ولو كنتم واثقين فسنفوز". وكان نيريري محقا، ولكن الكفاح استمر لثلاثين عاما.

ومقارنة مع الحملة ضد جنوب أفريقيا، فحملة المقاطعة الفلسطينية تقودها منظمات المجتمع المدني، التي لا تملك التأثير السياسي على المنابر الدولية والنفوذ الذي تمتع به المجلس الوطني الأفريقي.

وللوهلة الأولى يبدو هذا ضعفا، لكن مع غياب قيادة السلطة الفلسطينية المسنة والضعيفة، وجد الجيل الجديد، وهو الأفضل في مجال التواصل، منفذا لموضعة تجربة فلسطين ضمن المطالبات الدولية بالعدالة العرقية. أضف إلى ذلك أن هذا موجة الاحتجاجات جديدة للجيل الجديد داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة، وقد وحدهم الغضب ضد النظام الذي بُني على التمييز.

وحاول الاعتذاريون البيض لجنوب أفريقيا، ومن ضمنهم سياسيون محافظون على جانبي الأطلسي، تصوير المجلس الوطني الأفريقي بالحركة العنيفة المعادية للديمقراطية وكواجهة للاتحاد السوفييتي. وتساءلت الصحافة الشعبية اليمينية في بريطانيا عن سبب التركيز على جنوب أفريقيا وتناسي جرائم أخرى في القارة، مثل ممارسات عيدي أمين في أوغندا. لكن الملايين رأوا ما يعنيه الفصل العنصري وأنه جريمة ضد الإنسانية يعاني منها كل فرد يعامل بعنصرية، وتمارس عليه قوانين تمييزية في جنوب أفريقيا.

وعملت إسرائيل كل ما بوسعها لتركيز النظر على حركة حماس، وهاجمت الناقدين لها متسائلة عن سبب "استهداف" الدولة اليهودية، بينما جيرانها العرب أقل ديمقراطية وأكثر قمعا. لكن الأحداث في الأسابيع الماضية كشفت عن عدم فعالية هذه الأساليب، وتحديدا وسط الشجب والنقد الدولي على عملية طرد الفلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه إسرائيل أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة (بي دي أس) لا مصداقية لها، إلا أن أفعالها تقترح أمرا آخر. فقد عملت الجماعات المؤيدة لإسرائيل ما بوسعها لإقناع الولايات المتحدة بتمرير قوانين ضد المقاطعة، وتقنين تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وبأمثلته الغامضة عندما يتعلق الأمر بانتقاد إسرائيل.
وتضيف المقاطعة الطويلة والفظيعة لليهود، وخاصة في أوروبا، بُعدا إلى الحملة لإسرائيل لم يشغل تفكير حركة المناهضة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لكن هذا لم يعد بمفرده كافيا لاستبعاد العقوبات تماما، فقد مضى وقت طويل منذ الثلاثينيات.

لكن أكثر من 200 باحث في الهولوكست حول العالم عارضوا ما ورد في "إعلان القدس"، وقالوا إن المقارنة بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري والمقاطعة ليستا معاداة للسامية.

ولم يساعد بنيامين نتنياهو نفسه عندما تحالف مع دونالد ترامب واليمين في أوروبا، مثل رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان الذي عادة ما استخدم نظريات المؤامرة المعادية للسامية.

لكن التحديات أمام المقاطعة واضحة، فقد رفض اتحاد الكرة الدولي (فيفا) اتخاذ قرارات ضد ستة نواد إسرائيلية لكرة القدم في المستوطنات اليهودية لأن الموضوع "سياسي"، وهو ما يؤشر إلى قرار مهم يقود الطريق لما حدث مع جنوب أفريقيا العنصرية.

وفي صدى لما حدث مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، دعا الفنانون وصناع الأفلام لعدم المشاركة في مناسبات في إسرائيل، وطالب بعضهم بسحب تنظيم مسابقات "يوروفيجين" من تل أبيب عام 2019. كما قررت المغنية النيوزلندية لورد إلغاء حفلة لها في المدينة قبل ثلاثة أعوام. وردا على هذا، نشر مؤيدون لإسرائيل إعلانا في واشنطن بوست الأمريكية وصفوها بالمتعصبة.

وقبل ثلاثة أعوام، قررت الأرجنتين إلغاء مباراة ودية في إسرائيل تحضيرا لكأس العالم، بعد تصويت اللاعبين ضد المشاركة.

إن ظهور العلم الفلسطيني في مباريات الرابطة الإنكليزية والدوري الإنكليزي الممتاز في الأيام الأخيرة، يقترح دعما لمثل هذه التحركات.

والتحدي الأكبر هو إقناع الشركات الكبرى لإظهار عدم موافقتها على سياسات إسرائيل. لكن حتى في مواجهة ضغط ترامب، فإن قسما من القطاع الخاص وقف ضد فرض قيود إضافية على حقوق التصويت في الولايات المتحدة، وسحب التمويل من الحزب الجمهوري الذي دعم هجوم الغوغاء على الكونغرس في كانون الثاني/ يناير.

ولدى الحركة (بي دي أس) أصدقاء مهمون، بينهم السود في جنوب أفريقيا، الذين كانوا على الجبهة الأمامية في الكفاح ضد الفصل العنصري. ويوم الأربعاء قال الرئيس سيرل رامافوسا، القيادي العمالي الذي قاد المفاوضات عن المؤتمر الوطني الأفريقي مع نظام البيض؛ إن طرد الفلسطينيين لإفساح المجال أمام المستوطنين الإسرائيليين وهدم البيوت في غزة، "يعيد لنا ذكريات رهيبة من تاريخنا والفصل العنصري. بالنسبة لنا فهذا قريب من معاناتنا تحت الأبارتيد. وعندما نشاهد هذه الصور، لا نستطيع إلا أن نقف مع الفلسطينيين"، كما قال.

(كريس ماكجريل عمل مراسلا للغارديان في القدس ابتداء من 2002 ولمدة أربع سنوات، بعد أن عمل في جوهانسبرغ منذ 1990).

 

ترجمة "عربي21"


النص الأصلي للمقال في صحيفة الغارديان

التعليقات (0)