كتاب عربي 21

التحالف تحالفان في اليمن في ظل تهديدات جدية بتقسيمه

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
حلت أمس السبت، الثاني والعشرين من أيار/ مايو 2021، الذكرى الـ31 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، وهذا اليوم رغم أنه اعتُمد وفقاً لدستور الجمهورية اليمنية يوماً وطنياً، إلا أنه تحول بفعل اتفاق الرياض الذي هندسته وفرضته السعودية على السلطة الشرعية، إلى يوم إشكالي بامتياز.

فقد اعترض وزير الخدمة المدنية والتأمينات عبد الناصر الوالي، بصورة تدعو إلى الاستغراب، على إشعار اعتيادي يصدر عن الحكومة كل سنة يفيد بأن هذا اليوم هو يوم عطلة رسمية.

وذريعة هذا الوزير، وهو واحد من خمسة وزراء يمثلون المجلس الانتقالي في حكومة الفكاءات السياسية، هي أن هذا اليوم (22 أيار/ مايو 1990) يوم احتلال الجنوب من وجهة نظره؛ التي هي وجهة نظر المجلس الانتقالي المدعوم سياسياً ومالياً وعسكرياً ولوجستياً من أبو ظبي.
هذا اليوم رغم أنه اعتُمد وفقاً لدستور الجمهورية اليمنية يوماً وطنياً، إلا أنه تحول بفعل اتفاق الرياض الذي هندسته وفرضته السعودية على السلطة الشرعية، إلى يوم إشكالي بامتياز

ألقى رئيس المجلس الانتقالي خلال شهر أيار/ مايو خطابين متشابهين، أحدهما في الرابع من أيار/ مايو بمناسبة تأسيس المجلس، والثاني كان بمناسبة مرور 27 عاماً على إعلان فك الارتباط من جانب نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض، والذي يصادف يوم 21 أيار/ مايو 1994، أثناء حرب صيف ذلك العام.

إن أخطر ما جاء في خطابي عيدروس الزبيدي هو أنه تقريباً طوى صفحة اتفاق الرياض، وأطلق وعوداً باستعادة سيطرة المجلس على المحافظات الجنوبية، رغم أن دعوته الحكومة إلى العودة إلى عدن، بل ومطالبته بتنفيذ بنود الاتفاق، قد بدت متناقضة مع توجه واضح لتقويض هذا الاتفاق والاستمرار في التعاطي مع الحكومة على أنها سلطة احتلال.

كان لافتاً ان الزُّبيدي، الذي حصل على الجنسية الإماراتية مؤخراً وفقاً لمعلومات لم ينفها هو شخصياً، قدم مقاربةً جديرة بالتأمل كشفت بشكل دقيق عن التناقض في بنية التحالف السعودي الإماراتي على خلفية التدخل العسكري للبلدين في اليمن، وهو تناقض قد يعبر عن أجندتين متعارضتين وقد يكون ممنهجاً ومقصوداً لذاته.
طوى صفحة اتفاق الرياض، وأطلق وعوداً باستعادة سيطرة المجلس على المحافظات الجنوبية، رغم أن دعوته الحكومة إلى العودة إلى عدن، بل ومطالبته بتنفيذ بنود الاتفاق، قد بدت متناقضة مع توجه واضح لتقويض هذا الاتفاق والاستمرار في التعاطي مع الحكومة على أنها سلطة احتلال

ففي حين أكد استمرار شراكة مجلسه الانتقالي مع السعودية، باعتبارها قائدة التحالف العسكري الذي يتعامل - وإن ظاهرياً - إلى حزبٍ مثل التجمع اليمني للإصلاح (إسلامي) على أنه شريكٌ رئيسيٌ في المعركة مع الحوثيين المدعومين من إيران، يؤكد الزبيدي أيضاً وجود شراكة منفصلة لمجلسه الانتقالي مع مشروع تقوده الإمارات ويُعنى بمحاربة ما يسميه "الإرهاب"، وهو مشروع لا يتردد في وضع التجمع اليمني للإصلاح على رأس قائمة أعدائه. وهو مشروع لم ينته بعد، إذ لا تزال الإمارات تنفذه من خلال قواعد موجودة على الأرض اليمنية ومن خلال التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي.

هذه الحقيقة لا تخفيها أبو ظبي، فقد أكدها نائب رئيس الأركان الإماراتي والقائد المشترك للعمليات المشتركة في اليمن الفريق الركن عيسى سيف بن عبلان المزروعي، في الاحتفال الذي أقيم في التاسع من شباط/ فبراير 2020 في أبو ظبي، بمناسبة إعلان انتهاء التدخل العسكري الإماراتي في اليمن، حيث أعلن صراحة أن بلاده حاربت في اليمن كلاً من الحوثيين والإخوان المسلمين والقاعدة.
مشروع لم ينته بعد، إذ لا تزال الإمارات تنفذه من خلال قواعد موجودة على الأرض اليمنية ومن خلال التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي

الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي ألقى من جهته خطاباً عشية ذكرى تحقيق الوحدة، وجاء خطابه مكروراً ويفتقد إلى الروح السياسية لقائد يؤدي مهمته في فترة استثنائية، كما أنه جاء مُكرَّساً - كما كل مرة - لتوجيه اللوم للفريق الذي استأثر بالوحدة منذ تحقيقها. وهو هنا يشير إلى نظام علي عبد الله صالح الذي كان الرئيس هادي جزءا منه، واتهامه كذلك للحوثيين بأنهم يسعون عبر مشروع استعادة الإمامة إلى تقويض الوحدة.

ومن المؤسف أن إشارات الرئيس بَدتْ خجولةً وغيرَ مباشرة إلى الانفصاليين الجنوبيين الذين تدعمهم الإمارات، رغم أنهم المهدد الأكبر للوحدة اليمنية، وهم الذين يقدمون السند الأكبر للتمرد المسلح الذي يقوم به الحوثيون في شمال البلاد، عبر إضعاف الشرعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المشروع السلالي الكهنوتي البغيض للحوثيين يعتبر السيطرة على كامل الأراضي اليمنية أحد أهدافه التي قد تحتمل التأجيل والتكتيك، لكنها تظل هدفاً قائماً.

المشترك الوحيد الذي حضر في خطابي الرئيس هادي وعيدروس الزبيدي هو أنهما صدَّرا مواقف غامضةً وعاجزةً بشأن الوضع المعيشي المتهالك والتردي الحاد في الخدمات، والفقر المستشري، والفوضى التي تسود معظم المناطق التي تعتبر محررة ويتقاسم السيطرة عليها كل من المجلس الانتقالي والسلطة الشرعية.
الأمر برمته لا يزال تحت السيطرة الكاملة لكل من السعودية والإمارات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الزُّبيدي المدعوم من أبو ظبي لوّح بإجراءات مستقبلية تعيد ربما سيطرة المجلس المباشرة على الإدارة في الجنوب

وهذا يشير إلى المستوى الخطير من الارتهان الذي أظهر هذين الرجلين الجنوبيين بلا إرادة أو كرامة، إذا جاز التعبير. فالأمر برمته لا يزال تحت السيطرة الكاملة لكل من السعودية والإمارات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الزُّبيدي المدعوم من أبو ظبي لوّح بإجراءات مستقبلية تعيد ربما سيطرة المجلس المباشرة على الإدارة في الجنوب، وهو ما فُسر على أنه أخطر تصعيد باتجاه الاستمرار في مشروع الانفصال؛ الذي إن حدث فسيعكس الطبيعة العدوانية للتدخل العسكري السعودي الإماراتي في اليمن.

وللأسف الشديد بدا الرئيس هادي في خطابه مجرداً من أية حيلة أو قدرة على ما يبدو، رغم توفرهما، لمواجهة تصعيد الانتقالي في عدن، رغم ما رشح من معلومات عن استعدادات ميدانية للحسم العسكري في محافظة أبين؛ لسنا على يقين هل تأتي في سياق تنسيق مباشر مع الرياض، أم أن الأمر لا يعدو كونه شكلاً من أشكال الضغط للحيلولة دون وضع السعودية أمام اختبار الفشل في حل قضية تمتلك كل إمكانيات السيطرة عليها وإعادة توجيهها بالشكل المناسب.
مظاهر العبث بالسيادة اليمنية لا حدود لها، لقد تحولت الجغرافيا اليمنية إلى ساحة تتجلى فيها كل أشكال المراهقة السياسية والاستعراضات العسكرية العبثية من جانب نظامين إقليميين؛ تأكد أنهما أبعد ما يكونا عن المصالح المشتركة للأمة

ويكفي أن نعرف أن الرئيس هادي أدار الوحدة اليمنية لمدة عشرة أعوام ولا يزال، وخلال هذه الفترة تحديداً انتكست الوحدة وعانت ما عانت، وكانت إسهاماته التكيتيكة الخائبة جزءا من تكريس منطق الانفصال؛ لأنه مثلما فرّط بصنعاء كان على استعداد للتفريط بعدن، في نكاية غير محسوبة مع السطة الشمالية المهيمنة والتي تحالف معها وعمل تحت قيادتها في صنعاء منذ العام 1994.

مظاهر العبث بالسيادة اليمنية لا حدود لها، لقد تحولت الجغرافيا اليمنية إلى ساحة تتجلى فيها كل أشكال المراهقة السياسية والاستعراضات العسكرية العبثية من جانب نظامين إقليميين؛ تأكد أنهما أبعد ما يكونا عن المصالح المشتركة للأمة.

 وإذا كانت الحرب على الفلسطينيين قد أظهرت تواطؤ هذين النظامين مع المعتدين واصطفافهما مع الكيان الصهيوني، فإن استمرار نفوذهما في اليمن يشير إلى استعدادهما الكامل للتفريط بالمجال الحيوي العربي برمته.

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)