هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي أصدرت فيه منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية تقريراً اتهمت فيه إسرائيل بـ"اتّباع سياسات التمييز العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين والأقلية العربية، بشكل يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية؛ تشهد مدينة يافا "أرض البرتقال الحزين" نكبة مستمرة منذ إنشاء إسرائيل في أيار / مايو عام 1948.
في هذا السياق يندرج قرار شركة "عميدار" التابعة لوزارة الإسكان الإسرائيلية أخيراً، التي طرحت مناقصات بيع عشرات المنازل التي يسكنها العرب في مدينة يافا، في مزادات علنية مفتوحة يصل سعر البيت فيها إلى ملايين الشواكل، الأمر يستحيل معه الحفاظ على البيت، أو شراؤه؛ خاصة وأن غالبية العائلات العربية في يافا، التي تسكن في ما يسمى "قانون حماية المستأجر" هي من العائلات التي تهجرّت من الأحياء العربية العريقة في يافا التاريخية، مثل أحياء المنشيّة وأرشيد والنزهة، ومن سكنة درويش ومن البلدة القديمة.
وهؤلاء الأهالي خسروا بيوتهم الأصلية إبان النكبة، وتم تجميعهم من قبل العصابات الصهيونية، في ما عرفت في حينه بـ"غيتو" حي العجمي خلال الحكم العسكري الإسرائيلي؛وترى إسرائيل بأن التكاثر العربي السكاني الطبيعي في مدينة يافا يمثابة خطر ديمغرافي استراتجي ،شأنهم في ذلك شأن وجود الأقلية العربية في الداخل المحتل عام 1948.
سياسة التهجير
تستند إسرائيل إلى قوانين عنصرية لشرعنة سيطرتها على أراضي وعقارات الفلسطينيين ومن بينها قانون الغائبين للسيطرة على املاك اللاجئين الذين طردو بقوة المجازر الصهيونية إلى خارج وطنهم فلسطين. في هذا السياق يندرج القرار الإسرائيلي وضع عقارات مدينة يافا بالمزاد العلني وبيعها؛و يمكن الجزم بأن هذه الخطوة تندرج في إطار الترانسفير الإسرائيلي الناعم لفرض الديمغرافيا التهويدية الاحلالية في المدينة في نهاية المطاف.
وتبعاً لذلك قام أهالي يافا بمظاهرات وحركات احتجاجية على القرار الإسرائيلي المذكور، بعنوان "يافا مش للبيع"، يطالبون خلالها التوصل إلى قرار لإبقائهم من منازلهم أو أن يقوم بعملية الاستثمار مستثمرون من العرب الفلسطينيين في الداخل المحتل؛ ونتيجة الحركات الجماهيرية في يافا، تراجعت شركة "عميدار" عن قرارها بإخلاء البيوت العربية، لكن هناك احتمال بتفعيل القرار في أي وقت لاحق لتنفيذ مخططات إسرائيل الديموغرافية الإستراتيجية في مدينة يافا وغيرها من المدن الفلسطينية كمدينة عكا وغيرها من المدن المختلطة.
يجب أن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بحركة دبلوماسية وسياسية لحماية اليافاويين الفلسطينيين وارضهم ودعم حراكهم "يافا مش للبيع"، شأنهم في ذلك شأن المقدسيين المنتفضين ضد المحتل الصهيوني، وبتضافر كل الجهود الوطنية سينتصر الشعب الفلسطيني على المحتل الإسرائيلي .
ويافا اسمٌ كنعانيٌّ يعني الجميل أو المنظر الجميل؛ وضمت مدينة يافا سبعة أحياء رئيسية هي: البلدة القديمة، حي المنشية، حي العجمي، حي أرشيد، حي النزهة، حي الجبلية؛ وبلغ عدد سكان المدينة عشسية نكبة 48 نحو (100) ألف فلسطيني؛ وبلغ عدد مدارس يافا قبل 1948 (47) مدرسة منها (17) للبنين، و(11) للبنات، و(19) مختلطة. وكان فيها أيضاً ستة أسواق رئيسية متنوعة وعامرة. وكان بها أربعة مستشفيات، وحوالي12 جامعاً عدا الجوامع المقامة في السكنات. وبها عشرة كنائس وثلاث أديرة.
لعبت مدينة يافا دوراً مميزاً وريادياً في الحركة الوطنية ومقاومة المحتل البريطاني من جهة والصهاينة من جهة أخرى؛ ومن يافا انطلقت ثورة 1920 ومنها بدأ الإضراب التاريخي الذي عَمَّ البلاد كلها عام 1936، ودورها الفعّال في ثورة 1936. وقد شهدت يافا بعد قرار التقسيم معارك دامية بين المجاهدين وحامية يافا من جهة والعصابات الصهيونية من جهة ثانية ؛ وتشير دراسات إلى المجازر الصهيونية ادت الى تهجير (95) الف فلسطيني من مدينة يافا خلال عام 1948،ولم يتبق سوى خمسة الاف يافاوي.
مواجهة المحتل
تشهد مدينة يافا داخل أراضي فلسطين 48 عمليات تهويد وتهجير صامت للسكان الأصليين العرب، الذين يواجهون مشاريع تهويد لم تتوقف البتة؛ ويسعون لإحباطها بالاحتجاجات الشعبية والتي كان من أهم صورها "يافا مش للبيع ". ضمت المدينة عام 1950 الى مدينة تل أبيب وصارت ملحقا مهمّشا لها، بعدما كانت الصورة معكوسة حتى النكبة في عام 1948؛ وكانت تعج بالنشاط الصناعي والزراعي والصيد وانتشار المطابع والصحف الفلسطينية.
ويواجه الشباب العرب في المدينة أزمة سكن خانقة تدفع أعدادا متزايدة منهم لمغادرة المدينة نحو مناطق أخرى، هذا إضافة إلى تفشي الجريمة، حيث شهدت مدينة يافا عشرات جرائم القتل خلال السنوات الأخيرة، دون أن تلقي الشرطة القبض على الجناة في معظم الحالات مما يفقد الأهالي شعورهم بالأمن والأمان.
وللإطباق على مدينة يافا وتهويدها، قررت إسرائيل خلال عام 2009 بيع أملاك اللاجئين الفلسطينيين التابعة رسميا لما يعرف باسم "دائرة أراضي إسرائيل"، في إطار مشروع قانون لخصخصة الأملاك العامة. وأتاح القانون التهويدي الجائر اقتناء أملاك اللاجئين بالكامل بدلا من اتفاقيات استئجار لمدة 49 عاما مما شجع المستثمرين على الشراء، وقد رفضت في حينه محكمة العدل العليا التماسا لمنع بيع أملاك اللاجئين.
وتتفاقم أزمة السكن في يافا بشكل متسارع ، حيث يقطنها خلال العام الحالي 2021 نحو (21) ألف مواطن عربي في مقابل (30) ألف يهودي، في ظل ازدياد عمليات إخلاء عائلات عربية من منازل سكنتها عقب النكبة بموجب اتفاقية استئجار مع السلطات إسرائيلية التي وضعت يدها على أملاك اللاجئين الفلسطينيين، فضلاً عن ذلك تفضل إسرائيل بيع عمارات وقصور يافا في السوق الحرة للأغنياء، وأغلبية هؤلاء من اليهود، وهذا يعني طرد العرب من يافا وبتهجير ناعم، خاصة وأن غالبية سكان يافا العرب هم من الفقراء بسبب السياسات الإسرائيلية التهويدية إزائهم.
ولمواجهة ما تتعرض له مدينة يافا واهلها من هجمة إسرائيلية تهويدية متسارعة، لابد من تكاتف الجهود للأحزاب والقوى وهيئات المجتمع في الداخل الفلسطيني لإيقاف عجلة التهويد، كما تحتم الضرورة اعتبار ماتتعرض له مدينة يافا واهلها شأنا فلسطينياً سياسياً للكل الفلسطيني؛ ولهذا يجب أن تقوم منظمة التحرير الفلسطينية بحركة دبلوماسية وسياسية لحماية اليافاويين الفلسطينيين وارضهم ودعم حراكهم "يافا مش للبيع"، شأنهم في ذلك شأن المقدسيين المنتفضين ضد المحتل الصهيوني، وبتضافر كل الجهود الوطنية سينتصر الشعب الفلسطيني على المحتل الإسرائيلي .
*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا