قضايا وآراء

معركة فرع تونس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما تسعه الحرية لا تسعه السياسة

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600
عاشت تونس طيلة ثلاثة أشهر تقريبا على وقع معركة يمتزج فيها الأيديولوجي والسياسي بين رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسى وبين فرع تونس لاتحاد علماء المسلمين.. عبير موسى التي نصبت خيمة اعتصام يرابط فيها بعض أنصارها أمام مقر الفرع لم تتوقف عن اتهام هذه المنظمة بمختلف التهم، وتحذر مما تراه مخاطر على مدنية الدولة التونسية وعلى السلم الأهلي، وهي لأجل ذلك تقول إنها أطلت "ثورة التنوير" وزارت جهات عديدة في البلاد تهاجم الإخوان وتمجد رئيس تونس الأسبق الحبيب بورقيبة.

فرع تونس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنشئ بشكل قانوني في فترة حكم الترويكا في سنة 2012 وفق قانون الجمعيات، وهو فرع يعلن التزامه بمبادئ المنظمة الأم التي جاء في ديباجة تأسيسها:

"سمات الاتحاد المنشود

الاتحاد المنشود مفتوح لكل علماء الإسلام في المشارق والمغارب، ونعني بالعلماء: خريجي الكليات الشرعية والأقسام الإسلامية، وكل من له عناية بعلوم الشريعة، والثقافة الإسلامية، وله فيها إنتاج معتبر، أو نشاط ملموس. ولهذا الاتحاد سمات وخصائص يجب أن يتصف بها، ويتميز عن غيره، نشير إليها فيما يلي:

1- الإسلامية: فهو اتحاد إسلامي خالص، يتكون من علماء مسلمين، ويعمل لخدمة القضايا الإسلامية، ويستمد من الإسلام منهجه، ويستهدي به في كل خطواته؛ وهو يمثل المسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم.

2- العالمية: فهو ليس محليا ولا إقليمياً، ولا عربياً ولا عجمياً، ولا شرقياً ولا غربياً، بل هو يمثل المسلمين في العالم الإسلامي كله، كما يمثل الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي.

3- الشعبية: فهو ليس مؤسسة رسمية حكومية، وإنما يستمد قوته من ثقة الشعوب والجماهير المسلمة به. ولكنه لا يعادي الحكومات، بل يجتهد أن يفتح نوافذ للتعاون معها على ما فيه خير الإسلام والمسلمين.

4- الاستقلال: فهو لا يتبع دولة من الدول، ولا جماعة من الجماعات، ولا طائفة من الطوائف، ولا يعتز إلا بانتسابه إلى الإسلام وأمته.

5- العلمية: فهو مؤسسة لعلماء الأمة، فلا غرو أن يهتم بالعلم وتعليمه وبتراثنا العلمي وإحيائه وتحقيقه ونشره.

6- الدعوية: فهو مؤسسة تُعنى بالدعوة إلى الإسلام باللسان والقلم، وكل الوسائل المعاصرة المشروعة، مقروءة أو مسموعة أو مرئية، ملتزمة بمنهج القرآن بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

7- الوسطية: فهو لا يجنح إلى الغلو والإفراط، ولا يميل إلى التقصير والتفريط، وإنما يتبنى المنهج الوسط للأمة الوسط، وهو منهج التوسط والاعتدال.

8- الحيوية: فلا يكتفي بمجرد اللافتات والإعلانات، بل يُعنى بالعمل والبناء، وتجنيد الكفاءات العلمية والطاقات العملية، تقودها ثلة من العلماء المشهود لهم بالفقه في الدين، والاستقامة في السلوك، والشجاعة في الحق، والاستقلال في الموقف، والحائزين على القبول بين جماهير المسلمين".

هذه السمات تجعل من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هيكلا منظما مستقلا ومنفتحا على كل المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وبعيدا عن الارتباطات السياسية والمحاور الإقليمية أو معارك أصحاب المصالح والنفوذ.

قانون الجمعيات في تونس سمح بوجود ما يخالف عقيدة الشعب، فكيف لا يسمح بوجود من يريد الدفاع عن تلك العقيدة؟ وإذا كان البعض يقول بأن الدستور يُقر بكون الدولة مسؤولة عن رعاية الدين، فلا تناقض بين أن تمارس الدولة مسؤوليتها عن طريق وزارة الشؤون الدينية والأئمة والوعاظ والمرشدين الدينيين ومادة التفكير الإسلامي في البرامج التعليمية، وبين أن ترخص لجمعيات تنشط في مجال التعليم الديني وتكون تحت رقابة الدولة؛ حتى لا تنحرف عن أهدافها المعلنة في طلب الترخيص وحتى لا تتعارض مع قانون الجمعيات أو مع المرجعيات الكبرى لعقيدة الشعب التونسي.

كما تتيح الحرية لأعضاء فرع تونس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بممارسة أنشطتهم وِفق القانون، فإن ذات تلك الحرية تتيح لعبير موسى وغيرها نقد ذاك الفرع أو الاعتراض عليه أو المطالبة بحله، غير أن ذاك الاعتراض يجب أن يكون ضمن السياق الديمقراطي ووفق القانون.

كان ممكنا لعبير موسى أن تستعمل درجات التقاضي الثلاث، فلا تتوقف عند الحكم الابتدائي الذي لم يستجب لطلبها بحل الفرع، ثم تسارع إلى نصب خيمة اعتصام وتمنع أعضاء الفرع من دخول مقرهم مستعملة خطاب الترذيل والتحريض والتحدي للجميع، ولكن للأسف، ما تَسَعُه الحرية مطلقا تضيق به السياسة غالبا.

عبير موسي كانت تخوض معركة سياسية ضد حركة النهضة تحديدا وتسعى لتحقيق مكاسب سياسية على حسابها؛ بتكثيف مهاجمتها وتحريض التونسيين ضدها وتحميلها مسؤولية التعثر السياسي والاقتصادي والأمني الذي عرفته تونس منذ 2011.

لا يمكن لعبير موسي أن تزايد على حركة النهضة في الوطنية والمدنية والتنوير، ولا يمكنها إثبات ما تنسبه إليها من تُهم، ولكنها تجد في يروج لها في الداخل وفي الخارج من جهات لا تخفي عداءها الإيديولوجي لـ"الإسلام السياسي" ولا تخفي مخاوفها من نجاح تجربة الحرية والديمقراطية في تونس بقيادة حركة النهضة وزعامة راشد الغنوشي.

كان الموقف محرجا جدا بالنسبة للحكومة؛ بين أن تترك عبير موسي تخترق القانون احتراما للحرية وبين أن تطبق عليها القانون دفاعا عن حرية مشتركة تسع الجميع ولا تضيق بحزب ولا جمعية طالما كان الاحترام للقانون قائما.

تدخل قوات أمنية ليلة 11 آذار/ مارس الجاري لفض اعتصام عبير موسى أمام مقر الفرع بالقوة كان قرارا منتظرا؛ لكون المشهد أصبح مسيئا لصورة تونس داخليا وخارجيا، وأصبح أيضا مهددا بالانزلاق نحو ردود فعل قد تكون "عنيفة" قُبالة تعنّت رئيسة الحزب الدستوري الحر وتوسيع دائرة صراعها مع حركة النهضة، من داخل البرلمان إلى الشارع وإلى الساحات العامة في الجهات.

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)