في حوار دار بين الإمام الشهيد
حسن البنا وبين شيخه
وأستاذه محب الدين الخطيب في عام 1947 ونُشر في مجلة المسلمون في العام 1952 جاء
فيه:
"قبل
نحو ست سنوات انتشرت دعوة
الإخوان المسلمين في ديار الشام، وقويت بالشباب والنواب،
وحمَلة الأقلام، وتجاوبت العواطف بين الإخوان المسلمين هناك والإخوان المسلمين
هنا، وكان لهم هنا وهناك صحيفتان يوميتان قويتان. وحل موسم الانتخابات لمجلس
النواب السوري فتقدم الإخوان المسلمون هناك لخوض المعركة الانتخابية، وكانت مصر
تتلقى أخبار تلك المعركة من الشام - في الصباح المبكر، وفي الضحى، وفي المساء،
وقبل النوم - من أسلاك البرق ومن الهاتف (التلفون) وبكل وسائل المواصلات، وكان
اهتمام الإخوان المسلمين في مصر بحركات هذه المعركة الانتخابية في الشام؛ إن لم
يزد على اهتمام الإخوان الذين في الشام فإنه لم يكن يقلُّ عنه بلا ريب.
ولاحظ القائد الشهيد أخي حسن البنا رحمه الله أن
كاتب هذه السطور أقل حماسة لهذا الأمر مما كان يتوقع، فجاءني ذات مساء، وجلس إلى
جانب مكتبي في قلم تحرير صحيفة الإخوان اليومية في القاهرة وقال لي:
إني لاحظت أمرا عجباً. إننا منذ تعارفنا وتعاونا قبل
عشرين سنة لم يحدث حادث أو تنزل نازلة إلا كانت قلوبنا متجاوبة في اتجاه واحد بلا
تواطؤ ولا مذاكرة. والآن فإن هذه الانتخابات المحتدمة معركتها في الشام يقوم بها
إخوان لنا عرفناهم من طريقك ومن طريق صحيفة "الفتح"، أو شباب يعدون
أنفسهم أبناءك أو كأبنائك، وفيهم عدد غير قليل من ذوي قرابتك، وإن أحدهم كان
يساكنك هنا في منزلك، وطار لخوض المعركة في دمشق اهتماما بها، وما منا إلا من هو
مهتم بها كاهتمام إخواننا هناك، إلا أنت فإني أراك واقفا تتفرج بدم الشيوخ، وعهدنا
بك أنك أكثر حماسة منا لكل ما نتحمس له.
فأجبته: إني خائف أن ينجحوا، وأن تكون أكثرية النواب
منهم، فتكون النتيجة تأليف الوزارة منهم واضطلاعهم بمسؤولية
الحكم!
فبدت على وجهه أمارات الدهشة رحمه الله وسألني: وهل
هذا مما تخافه؟
قلت: أجل.
قال: إذن فإني كنت مصيبا بالمجيء إليك الآن، فإن
اختلافنا إلى هذا الحد يحتم علينا أن نتفاهم.
فسألته: هل لو بلغ النجاح بالإخوان المسلمين في
الشام إلى درجة أن تتألف منهم الوزارة، سيتولون الحكم بالموظفين الموجودين في
الوزارات والمصالح والدوواوين، أم سيعزلونهم ويأتون بموظفين من بلاد أخرى؟
قال: طبعاً سيبقى الموظفون كما هم، إلا من يكون
ملوثا بمخازي يؤاخذه عليها القانون.
قلت: أنا لا أزعم أن الشكوى من الموظفين هناك بلغت
إلى حد الشكوى من أمثالهم هنا. ومع ذلك فإن مصر الآن قدوة للشام والعراق وجزيرة
العرب، وكل ما أشكوه أنا وأنت من العيوب هنا قد سرت عدواه إلى هناك بمقياس واسع أو
ضيق، ومهما استعان وزراء الإخوان المسلمين برؤساء تغلب عليهم النزاهة فإن العيوب
أفدح من أن تصلح إلا بقوة خارقة تتاح من عالم الغيب، وهذا ما لا نرى الآن دلائله،
ونتيجة ذلك أنه سيوصم به الإسلام نفسه، هذه واحدة.
ثم سألته: هل وزارة الإخوان المسلمين ستتولى الحكم
بهذه الأنظمة، أم أعددتم أنظمة إسلامية تحل محلها؟
قال: لم تتح لنا الفرصة بعد لإعداد أنظمة إسلامية،
ولم يتخصص أحد منا حتى الآن لهذه الدراسة، ولو فعلنا فإن الجو لا يلائم هذا
التغيير، ولا نجد الآن من يعين عليه.
قلت: إذا كان الإخوان المسلمون في الشام ستتولى
وزارتهم الحكم بالأنظمة الموجودة وبالموظفين الموجودين، فما فائدة الإسلام من هذا؟
أنا أرى أن تحمُّل غير الإخوان المسلمين مسؤولية هذا العبء أكثر فائدة للإسلام من
تحمل الإخوان هذه المسؤولية، وهذه ثانية.
ثم قال محب الدين الخطيب شارحا فكرته: إن المسلمين
مضى عليهم سنوات يقتصرون في إسلامهم على المسجد ومظاهر رمضان ومناسك الحج، ألا
يستطيعون أن يصبروا عشرين سنة أخرى يربون فيها جيلا يعيش للإسلام وأنظمته، لا
لنفسه ووجاهته، ويعدون فيها لذلك الجيل أنظمة الإسلام وآدابه وقواعده وأحكام فقهه
الاجتماعي والإداري والمالي والدولي، فضلا عن تنظيم فقه الالتزامات والعقود، وفقه
القصاص والتعزيرات والحدود. وأعظم من كل ذلك أن نتعرف إلى سنن الإسلام في أهدافه
الكلية وتوجيهاته المتعلقة بكيانه ومقاصده ومراميه.
إن هاتين الأمانتين: أمانة إعداد الجيل الآتي،
وإعداد النظام له، إذا استطعنا القيام بهما في عشرين سنة كان هذا أعظم عمل قام به المسلمون
منذ ألف سنة إلى الآن".
تعليق:
مرت أكثر من 60 عاما وليس 20 عاما، وما زال النقص
المعطل موجود، لا تكونت الكفاءات المطلوبة، ولا أعدت النظم المنشودة، فهل نعطي
لأنفسنا 20 عاما جديدة ؟ لا بأس، لكن كيف يكون الإعداد؟