هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شاء الله أن تنطلق شرارة الربيع العربي من تونس الخضراء كرد فعل على ما قامت به الشرطية من إهانة "محمد البوعزيزي" بائع الخضار، والذي صار فيما بعد أيقونة للثورة وللربيع كله، حينما ذهب لاسترداد عربته التي صادرتها السلطات لتصفعه تلك المرأة الحمقاء قائلة له: ارحل! فأشعل الشاب النيران في نفسه واشتعلت بعده الثورة، وأصبحت الكلمة شعاراً للثورة التونسية "ارحل"، والتي أطاحت برأس السلطة الجاثم على بلاد القيروان لمدة 23 عاما، بل وأصبحت مصدر إلهام لثورات الربيع كلها.
أسباب قيام ثورات الربيع العربي والغايات التي سعت لتحقيقها:
1- انتشار الفساد السياسي، من تزوير الانتخابات وعدم احترام إرادة الشعوب العربية واختزال الأمن القومي للبلاد في مزاج الحاكم، وعدم وجود آلية معتبرة لمحاسبة السلطة التنفيذية التي تغولت على ما سواها من سلطات تشريعية وقضائية؛ كانت مهمتها أساساً هي الوقوف في وجه الحكومة لحماية مقدرات البلاد والدفاع عن إرادة الشعب.
2- الركود الاقتصاديّ وسوء الأحوال المَعيشية وانتشار الفقر، رغم ما تزخر به بلادنا العربية من ثروات طبيعية وبشرية كانت كفيلة بتقدمها وتحقيق الرفاهية لمواطنيها.
كل ذلك في مقابل حياة البذخ التي ظهرت عليها عائلات الحكام، والكل يعلم كيف كانت حياة زين العابدين وزوجته وأصهاره، وكيف عاشت عائلة مبارك، وكذلك ممتلكات أولاد القذافي داخل ليبيا وفي أوروبا، تضاف إليها الدوائر المحيطة والمقربة لأقارب الحكام، في ظل تردي الأوضاع المعيشية والصحية بل والإنسانية للشعوب المغلوبة على أمرها، مع ارتفاع مؤشر البؤس والتضخم والزيادة الجنونية للأسعار وانهيار الخدمات المقدمة للمواطن العربي.
3- التضييق السياسيّ والأمني والقمع المتزايد للأجهزة الأمنية والمخابراتية وتعسف قوات الدرك كما كانت تفعل أجهزة الأمن في تونس، واللجان الشعبية للجماهيرية في ليبيا، والشُعب الأمنية في سوريا، وجهاز الأمن الخاص العراقي.. إلخ. ولقد بالغت تلك الأجهزة في قمع الشعوب لا سيما المعارضين السياسيين وأصحاب الرأي حتى عاش الناس حياة الخوف والفقر معاً ولم يجدوا الرخاء المزعوم، إلا في ترهات إعلام السلطة التي احترفت الكذب والتدليس سائرة على خطى معلمها "جوزيف جوبلز" حين قال: أعطني إعلاما بلا ضمير أعطك شعب بلا وعي! ولقد أغُدق على ذلك الإعلام من الأموال ما كان يكفي لاستنارة العقول بدلا من تخديرها أو التلاعب بها.
4- التخلف العلمي والحضاري والتكنولوجي مقارنة بأوروبا والعالم الغربي، وهذا ما كان واضحا للشباب العربي في ظل ثورة المعلومات ودخول السوشيال ميديا على الخط وانصراف الشعوب عن الإعلام الحكومي، وتحسرها على حال بلادها وهي تشاهد التخلف وقد توطن فيها بسبب هؤلاء الجاثمين على صدور الشعوب عقوداً كاملة دون بارقة أمل تذكر!
مآلات الربيع العربي في الذكرى العاشرة له:
للأسف ومنذ اللحظات الأولى لقيام الثورة التونسية وسريانها إلى مصر ثم إلى ليبيا مرورا باليمن ثم سوريا وغيرها، حتى استنفرت الثورات المضادة أسلحتها وكل ما تملكه من قوة سياسية ومالية ومخابراتية من أجل القضاء على الثورات الوليدة. وليس ذلك فحسب بل وتشاركت معها قوى إقليمية ودولية ضخت لأجلها الأموال من أجل تمويل حركات التمرد السياسي ومجموعات البلطجة والشبيحة لإشاعة جو من الخوف والشعور بغياب الأمن، وتمويل محطات فضائية لبث روح الفرقة والهزيمة في المؤمنين بتلك الثورات وحمل الناس على الكفر بالثورة وشعاراتها من حرية وكرامة إنسانية، والنتيجة:
1- إشاعة الإحباط والاكتئاب وزيادة معدلات الانتحار نتيجة الشعور بالكبت والقهر، وظهور موجات إلحادية نمت وترعرعت في هذا الجو الخانق مستغلة اهتزاز صورة الدعاة والإسلاميين ممن تواجدوا في ردهات الثورة وميادينها.
2- الانقسام الحاد والذي نظمته أذرع الدولة العميقة حتى وقع الصدام والانشقاق في اليمن ووقعت الحروب الأهلية في ليبيا وسوريا وبُثت الكراهية في مصر، وكان وقعه برداً وسلاماً على صناع الثورات المضادة والداعمين للاستبداد من قوى إقليمية ودولية لا يروق لها أن تعرف بلادنا العربية مناخ الحرية أو تستنشق شعوبها هواء الكرامة الإنسانية.
3- اللعب بمقدرات الأوطان وتضييع ثروات الشعوب من أجل دعم الحلفاء ومكافأة الداعمين الدوليين، في خطوات أقل ما توصف به بأنها الخيانة العظمى! مستغلين حالة التواطؤ الكبيرة من الخارج وانصراف المواطن العربي عن الشأن العام وتقوقعه حول همومه الخاصة وحياته البائسة ينتظر يوما ما أن تنقشع الغيوم عن بلاده.
ولعل الله يجعل من بعد عسرٍ يسرا.
* باحث وكاتب مصري