قضايا وآراء

هل أصلح أن أكون حكواتيا؟!

ماهر حجازي
1300x600
1300x600
يا سادة يا كرام.. في أي مقام كنتم.. في كل زمان ومكان..

كان ياما كان في زمان ليس ببعيد.. في صحراء جرداء.. في منطقة حرام بين بغداد ودمشق..

عاش قوم من أبناء فلسطين المهجرين من العراق لسنوات بين براثن الصحراء وأنياب الأفاعي الرقطاء.. مات منهم الكبير والصغير.. وولد جيل لم يعرف سوى سقف الخيمة الممزق.. لم يعرف يوما الجدار والدرج وجرس البيت..

ذلك العجوز التسعيني.. شاهد على نكبة فلسطين.. وحاضر في قصة مخيم التنف.. تحطم روحه أغلالها من جسده المنهك من على كرسيه المتحرك.. يموت ويبقى لساعات طويلة حتى تتيبس أطرافه.. ليعاني ذوه كثيرا في دفنه فجسده تحول إلى صخرة أو أشد قسوة..

أما محمد.. ذاك الطفل الجميل الذي أزهقت روحه شاحنة كبيرة على الطريق الدولي.. ليدفن في مقبرة مخيم اليرموك.. ولا يزال هناك وحيدا فلا أحد يلقي السلام على قبره الذي ضاع بين القبور المهدمة..

في يوم من الأيام العصيبة.. عائلة بأكملها تنام على دولاب سيارة كبير في خيمة اجتاحتها الأمطار.. زائر غير مرحب به.. أتى على حين غرة ليدمر ممتلكات العائلة من مواد غذائية وأغراض شخصية..

وفي ليلة من الليالي وبينما القوم نيام.. تسمع صرخات الأطفال والنساء والرجال.. حريق حريق في خيمة أبو أسيل.. يهرع الشباب والشياب لإخماد الحريق الذي يلتهم الخيمة بعد شقيقتها.. مشهد يتكرر بين الفينة والأخرى.. لتصبح العائلات بلا مأوى من جديد..

في جانب المخيم تتربع خيمة طبية.. بالكاد تقوى على تحفيف الآلام وقطب الجروح.. طبيبها الوحيد في عراك دائم مع الأهالي المنتفضين في وجه آلامهم التي ولدت بين أوتاد الخيام..

وفي يوم رمضاني شديد الحر في هذه الصحراء.. عشنا فصوله مع القوم الصابرين.. وفي مدرسة المخيم اجتمعت الأطباق من كل خيمة طبق.. يحتار الإنسان من أين يبدأ من ملوخية أم مثنى أم من برياني دار أبو أسعد.. كان إفطارا لا يمكن نسيانه..

ورغم كل هذه الأهوال.. إلا أن القوم أصروا على مواصلة العيش.. ثقتهم بالله والأمل بانقضاء هذه المحنة التي يعيشون فصول عذاباتها كل لحظة..

تصاهر القوم وأقاموا الأفراح ورقصوا فوق جراجهم وغنوا لأوطانهم تحت راية فلسطين..

وفي يوم جميل بهيج يُزف أحمد عريسا من أبناء المخيم.. يزف مع عروسه في سيارة الإسعاف وعلى أنغام "الوي وي وي" يحتفلون.. هي ذات السيارة التي وجد فيها أطفال المخيم فسحة للهو.. فكثيرا ما تسمعهم يرددون "عمو طلعنا بالسيارة دورة"..

وبعد سنوات بُعثر القوم في أرجاء الأرض.. وزعوهم على بلاد مختلفة بعيدا عن محيطهم العربي والإسلامي.. كانوا يظنون بأنهم سينسون أرضهم ويذبون في تلك البلاد.. لتغدو قصتهم في هذا المخيم الصحراوي جزءا من ذاكرة شعب يعيش كل يوم محنة تتنوع فصولها بين الألم والأمل بلقاء قريب في وطنهم الحبيب..

وقبل أن تغفوا أيها الكرام وتعودوا إلى حياتكم.. تذكروا أن قوم فلسطين في كل بقعة من هذا الأرض لهم حكايات تستمر فصولها.. حكاية لن تنتهي أبدا حتى زوال الاحتلال الذي سرق أرض الفلسطينيين وشرد شعبنا بأكمله يتجرع كل يوم مرارة هذه الجريمة..

تصبحون على وطن..
التعليقات (0)