قرار محكمة عمان الابتدائي
بحل نقابة المعلمين وحبس أعضاء مجلسها لمدة عام، كان صادما، وإن لم يكن مفاجئا. القرار صدر بصفة الاستعجال كما قال محامي النقابة الأستاذ بسام فريحات.
فريحات وصف قرار المحكمة بأنه "مخالف للقانون"، لأن "الحكم استند إلى المادة 36 من قانون العقوبات الأردني، والتي تتحدث عن حل النقابة التي تنشأ بقرار وزاري وليس بقانون، أما
نقابة المعلمين، فهي منشأة بموجب قانون، وتعتبر من الإدارات العامة"، وفق فريحات الذي يضيف أن المادة تنص على أنه "يمكن وقف كل نقابة وكل شركة أو جمعية وكل هيئة اعتبارية، ما خلا الإدارات العامة، إذا اقترف مديروها أو أعضاء إدارتها أو ممثلوها أو عمّالها باسمها أو بإحدى وسائلها جناية أو جنحة مقصودة يعاقب عليها بسنتي حبس على الأقل".
بعيدا عن
الأزمة المحتدمة بين الحكومة ونقابة المعلمين منذ الإضراب الشهير عام 2019 الذي أجبر الحكومة على الرضوخ لمطالبها، فإن مديات الأزمة ووصولها لمرفق القضاء وصدور قرار ابتدائي بحلها، يضع مصير
النقابات المهنية جميعها في مهب الريح.
وبالرجوع إلى دخول القضاء إلى خط أزمة نقابة المعلمين، فالأمر يتلخص برفع عدد من المعلمين دعوى ضد مجلس نقابة المعلمين، وهو أمر يمكن أن يحدث في أي نقابة.
إن ما حدث من خلاف في نقابة المعلمين حدث ويمكن أن يحدث مثله في أي نقابة، ولن يعدم أحد وجود أعضاء نقابيين يستغلون أي خلاف لرفع دعوى لحل النقابة.
ومع أن هناك فرقا شاسعا بين الخلاف النقابي، وهو أمر شائع جدا، إذ أن مجلس النقابة يتشكل من خلال انتخابات بين متنافسين، وغالبا ما يتربص الخاسرون بالمجلس الجديد ويراقبون أداءه وأفعاله حتى يستفيدوا من أخطائه في انتخابات الدورة القادمة، وبين السعي لإجهاض فكرة النقابة من الأساس من قبل عدد من أعضائها، ما يعدّ أمرا مستهجنا.
وعلى الدول الحكيمة التي تسعى إلى إشراك الجميع في حلقات صنع القرار، وتأطير العلاقات بين المجتمع والدولة بصورة حكيمة أن لا تسمح، قانونيا، للخلافات إلى أن تصل إلى مرحلة إغلاق وحل النقابة، خصوصا إذا كان الدستور يعطي الحق للمواطنين في تنظيم أنفسهم من خلال نقابات تمثلهم، فالدولة في حفاظها على العمل النقابي فإنها تقوم بدورها في الحفاظ على الدستور.
وغني عن القول هنا أن الدولة يجب أن تنحاز لفكرة العمل النقابي، وفي ذات الوقت يجب أن تكون حيادية تماما في ما يتعلق بالتنافس داخل النقابة، وأن لا تنحاز لطرف دون آخر، وأن لا تسخّر مواردها؛ المادية والمعنوية والقانونية لطرف دون آخر.
إن المضي قدما بحلّ وإغلاق نقابة المعلمين قضائيا، يعني أنها ستكون سابقة قانونية، ما يعني أن أي نقابة أخرى لن تكون محصّنة من الحل والإغلاق في المستقبل.
وعليه فإن النقابات شاءت أم أبت، عليها أن تعتبر
معركة نقابة المعلمين هي معركتها، بل هي بالفعل معركتها، وعليها أن تخوضها متكاتفة مع نقابة المعلمين دون النظر إلى أي خلافات سابقة بين الطرفين.
النقابات المهنية جميعها لها ملفات عمل مع وزارات معينة؛ فنقابات المهن الطبية مرتبطة بملفات مع وزارة الصحة، ومعظم أعضائها موظفون في تلك الوزارة، ونقابة المهندسين مرتبطة بملفات مع وزارة الأشغال ووزارة البلديات وغيرها ومعظم أعضائها موظفون في تلك الوزارات، ونقابة المحامين مرتبطة بوزارة العدل، ونقابة الفنانين مرتبطة بوزارة الثقافة، واتحاد نقابات العمال مرتبط بوزارة العمل، وهكذا.
هذا يعني أن الإشكالات والخلافات واردة جدا بين النقابات وبين الحكومة في أي وقت، خصوصا في ما يتعلق بتحسين أوضاع أعضائها المادية في تلك الوزارات، وهي قضايا نقابية بحتة، لكن الحكومات وأذرعها قادرة على وصم أي مطالب مهنية بأنها مطالب سياسية، وقادرة على وصم أي مواقف حازمة وصارمة لمجلس أي نقابة تجاه مطالب أعضائها بأنه تحد للدولة وإرادة الدولة، ومن ثم تشويه مواقف النقابة وتحريض الرأي العام ضدها، وتهيئة الأجواء لأي حسم قانوني؛ وهو تماما ما حصل مع نقابة المعلمين.
قد لا يكون تعاطي نقابة المعلمين مع الأزمة المحتدمة مع الحكومة قد راق لبعض النقابات أو معظمها، وقد يكون بعضها حمّل مجلس نقابة المعلمين مسؤولية تصاعد الأزمة ووصولها إلى هذه المرحلة الخطيرة، وبعيدا عن نقاش من هذا النوع، فعلى النقابات أن تعلم أن صدور سابقة قضائية بحل نقابة المعلمين سيكون سيفا مسلطا على جميع النقابات، ولن تكون أي نقابة مهما كانت متماهية مع الحكومات في منأى عن هذا المصير، وعندها سيقول الجميع أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
نحن هنا لا ندافع عن مجالس النقابات بقدر ما ندافع عن فكرة العمل النقابي، وهو العمل المنوط به تنظيم عمل أصحاب المهنة والدفاع عن حقوقهم أمام أصحاب العمل، سواء القطاع الخاص أو القطاع العام المتمثل بالحكومة، فإذا تم تهديد مجالس النقابات بالحل كلما اتخذوا مواقف حاسمة وصلبة تجاه مطالب منتسبيهم، فإن حقوق العمال والمهنيين باتت في خطر هي الأخرى.