قضايا وآراء

"كورونا التطبيع".. المطلوب فلسطينيا لمواجهة الجائحة

ماهر حجازي
1300x600
1300x600
مع تسارع عجلة التطبيع العربي الإسرائيلي في الأيام الأخيرة للرئيس الأمريكي ترامب تحت قبة البيت الأبيض، يرى الفلسطينيون أنفسهم في دائرة الاستهداف المباشر، وضمن حلقة تضيق عليهم وتقلل من فرص النهوض في مواجهة التطبيع ومختلف المشاريع الهادفة إلى تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

هي صفقة القرن التي يديرها ترامب والتطبيع مع الاحتلال فصل من فصولها، التي بدأت بإعلان القدس المحتلة عاصمة للاحتلال، وإيقاف المساعدات الأمريكية لوكالة الأونروا، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعلان السيطرة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

من الواضح أن استمرار السياسة الأمريكية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته في الداخل والخارج، وتسارع كورونا التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، كانا سببا في استشعار الكل الفلسطيني لهذا الخطر المحدق بالقضية الفلسطينية، من خلال اقتلاع فلسطين من عمقها العربي الداعم والمساند لها نسبيا على المستوى الرسمي، وبشكل كبير من قبل الشعوب العربية.

هذا الاستشعار بدا جليا في لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية والسلطة في رام الله وبيروت في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، والاتفاق على دعم المقاومة الشعبية في الداخل ضد الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك إجراء انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية.

لكن سرعان ما أعلنت السلطة في رام الله عن عودة التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، بعد "فوز جو بايدن" في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. وبهذا نستدل على أن السلطة استخدمت الفصائل الفلسطينية وملف الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام ورقة ضغط على إدارة ترامب والاحتلال، لوقف عمليات التطبيع وصفقة القرن واستهداف السلطة بإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن في وقت سابق.

من ثم، فسلطة محمود عباس غير معنية بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة بين مكونات الشعب الفلسطيني، وغير ملتزمة ببرنامج وطني موحد في دعم المقاومة الشعبية وإنهاء التنسيق الأمني، وعودتها للتنسيق مع الاحتلال ضربة للقاء الأمناء العامين وما تم الاتفاق عليه، وخروج عن الموقف الفلسطيني الموحد في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

والحجة التي تتذرع بها الأنظمة العربية المطبعة وكل من يدعم هذا التطبيع، أن الفلسطينيين (والمقصود السلطة الفلسطينية) مطبعون مع الاحتلال من خلال اتفاقية أوسلو منذ عام 1993، ويعيشون حالة التنسيق الأمني مع الاحتلال مع قمع أي مقاومة ضد الاحتلال في الضفة المحتلة.

المسؤولية في مواجهة جائحة التطبيع تقع بالدرجة الأولى على الشعب الفلسطيني، فلا يصح أن ندعو أولا الشعوب العربية إلى إفشال اتفاقيات التطبيع بين حكوماتهم والاحتلال، الأمر الذي سيُحدث صراعات داخلية في تلك الدول، وشاهدنا الاعتقالات والاعتداءات التي نفذتها الشرطة المغربية بحق نشطاء متضامنين مع الشعب الفلسطيني خلال مظاهرة رافضة لتطبيع العلاقات بيت المغرب والاحتلال.

الأولى أن تنطلق شرارة مقاومة التطبيع من شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج، وأن تشكل المقاومة العربية الشعبية للتطبيع سندا لتحركات الفلسطينيين في مواجهة هذا الوباء الإسرائيلي في المنطقة العربية.

نقدر كل الجهود والتحركات الفلسطينية الشعبية والفصائلية والمؤسساتية للتحذير من مخاطر التطبيع العربي الإسرائيلي على القضية الفلسطينية والمحيط العربي، لكن هذه التحركات ينقصها حراك مهم لقطع الطريق على التطبيع.

نحن بحاجة إلى توافق فلسطيني في الداخل والخارج على برنامج وطني موحد، بإعلان الثورة الفلسطينية ضد نظام سياسي مرتهن بشكل كامل للاحتلال الإسرائيلي بعقد أوسلو والتنسيق الأمني.

المطلوب اليوم أن يتحرك الكل الفلسطيني لإنهاء اتفاق أوسلو ورحيل النظام السياسي الفلسطيني المتمثل بالسلطة في رام الله، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة الكل الفلسطيني في مؤسساتها، وانتخاب مجلس وطني جديد يمثل الجميع في الداخل والخارج؛ على أسس واضحة وبرنامج وطني يقوم على مقاومة المحتل وإنهاء حقبة التنسيق الأمني.

من المهم إطلاق مبادرة لعقد انتخابات فلسطينية في الداخل والخارج، ليختار الشعب الفلسطيني من يمثله للمرحلة القادمة، التي سيكون عنوانها مواجهة شاملة مع الاحتلال.

بعد ذلك تكون المرحلة الثانية من دعم شعبي عربي وإسناد للحراك الفلسطيني في مقاومة التطبيع، عندها لا تكون مكاسب سيجنيها الاحتلال الإسرائيلي من هذه الاتفاقيات مع أنظمة عربية في ظل مواجهة فلسطينية في الداخل على الأصعدة كافة.

أيضا من المهم جدا في هذه المرحلة الانتقالية أن تستمر التحركات الفلسطينية والعربية المناهضة للتطبيع والتحذير من تداعياته الخطيرة على المنطقة، وقطع الطريق على المحاولات الأمريكية لجعل الاحتلال كيانا طبيعيا في المحيط العربي، والحد من ارتفاع حصيلة الأنظمة العربية المحتملة إصاباتها بهذا الوباء.

كذلك أدعو للحذر من الوقوع في فخ الترويج للتطبيع من دون قصد، وذلك من خلال إعادة نشر مقاطع فيديو أو صور تظهر أشخاصا عربا يروجون للتطبيع، فهؤلاء لا يمثلون غالبية الشعوب العربية، وأعتقد أن الأجهزة المخابراتية للاحتلال هي المسؤولة عن نشر مثل هذه الأمور؛ لتشويه صورة الشعوب العربية التي تدعم فلسطين بخلاف حكامها.

إن علاج مواجهة التطبيع يبدأ بإسقاط سلطة أوسلو، وإعادة بناء البيت الفلسطيني موحدا، وفق برنامج سياسي مقاوم يشارك فيه الفلسطينيين في الداخل والخارج، عندها ستكون فلسطين مجددا قبلة للعرب والمسلمين وأحرار العالم.
التعليقات (1)
رائد عبيدو
السبت، 26-12-2020 05:24 م
مواجهة التطبيع تبدأ فرديا. فعلى كل فرد أن ينبذ المطبعين جميعا، لا أن يكون معجبا بحاكم أو وزير أو سفير ترتبط دولته بأي علاقة مع صهاينة أو مع النظام الأمريكي -الراعي الأساسي للصهاينة- مهما قدم من مساعدات وبيانات، ولا بنائب يتمسك بالمبادرة العربية لبيع فلسطين حتى لو مزق أوراق صفقة القرن، ولا بقناة تعرض خارطة فلسطين مشوهة أو تستضيف صهاينة حتى لو بثت بطولات فلسطينية. وكذلك على من يرفض سلطة أوسلو ألا يشارك في انتخاباتها وألا يؤيد أي فصيل شارك فيها. أما نظام لعم "لا للتطبيع، ونعم لهذا المطبع" أو "لا لاتفاق أوسلو ونعم للمشاركة في السلطة" فهو نظام بلا مبادئ، يتلون حسب المصلحة والممول، ويتحول فيه الرفض تدريجيا إلى قبول، فالعدوى تنتقل من الصهيوني لأصدقائه ثم لأصدقائهم.