هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع تطور الأحداث بخصوص إنتاج النفط وعوائده، وحجز الإيرادات من قبل المؤسسة الوطنية للنفط كان لتدخل المجلس الرئاسي أثر إيجابي في دفع الجميع للتقارب، فانعقد أول اجتماع لمجلس إدارة المصرف المركزي الليبي عبر تقنية الزوم، وذلك بعد قطيعة دامت زهاء ست سنوات.
الاجتماع كان تمهيديا، إذ لم يخض المجتمعون في تفاصيل المهمة الأساسية التي التأم اجتماعهم من أجلها ألا وهي تعديل سعر صرف الدولار أمام الدينار الليبي، وتم تأجيل البت في هذا الملف إلى حين استلام توصيات اللجنة المشتركة التي أسسها المجلس الرئاسي وتضم خبراء من المصرف المركزي ووزارة المالية من الغرب والشرق.
أحالت اللجنة مقترحا بخصوص تعديل سعر الصرف مؤخرا، وكان من المفترض أن يناقش مجلس إدارة المركزي المقترح ليصدر قرار المجلس بالخصوص وذلك يوم الخميس الماضي، وتأجل الموعد إلى الأسبوع القادم.
خيارات مجلس إدارة المركزي
أمام مجلس إدارة المصرف المركزي خيارات عدة أهمها إعادة النظر في سعر الصرف الحالي وهو نحو 1.4 دينار للدولار بخفض قيمة الدينار إلى مستوى يلائم الظرف الاقتصادي والمالي الراهن، أو المحافظة على السعر الحالي مع الاستمرار في الآلية التي تم اعتمادها ضمن الإصلاحات الاقتصادية التي تم إقرارها في سبتمبر 2018م بفرض رسوم على بيع الدولار بلغت 183%.
ومن غير المتوقع أن يناقش أعضاء المجلس سياسة التعويم لاعتبارات معلومة وهي الظرف السياسي والاقتصادي الذي تمر به البلاد، لكن سيكون لزاما عليهم فرض تدابير لتوفير الدولار دون قيود ومنع الاستثناءات التي تسهم في ازدواجية سعر صرف الدولار ببروز السوق الموازي.
حيثيات تفرض نفسها
سيكون على المصرف المركزي الأخذ في الاعتبار الوضع المالي، وبالتحديد النفقات العامة والتي بلغت 39 مليار دينار ليبي حسب الترتيبات المالية للعام 2019م (الميزانية العامة)، وأيضا معدلات التضخم، والخيار الأنسب لتخفيف الضغوط على المواطنين جراء ارتفاع الاسعار. وهذا يعني أن تتعدى الإيرادات سقف 40 مليار دينار ليبي.
وبالنظر إلى مستوى الإنتاج اليومي من الخام الليبي والذي بلغ 1.2 مليون برميل، ومستوى الأسعار والذي بلغ نحو 50 دولارا للبرميل، فإن الإيراد السنوي سيصل إلى نحو 17.5 مليار دولار (بعد استقطاع تكاليف الإنتاج وما في حكمها وهي في حدود 4 مليارات دولار).
من أهم غايات إجراءات تعديل سعر صرف الدينار في هذه المرحلة بالذات هو تخفيف الأعباء المرهقة عن المواطنين، وذلك بأن تتراجع الأسعار وتتحسن الدخول من خلال العلاوات المتوقفة، أو علاوة أرباب الأسر بشكل استثنائي ولأجل قصير حتى يتم معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد الليبي، كليا أو جزئيا،
اتجاه المصرف المركزي هو اعتماد سعر 4 دينارات للدولار (يقل أو ينقص بنسبة تصل إلى 10%)، وهذا يعني تحقيق إيراد يصل إلى 60 مليار دينار ليبي (بعد خصم 2.5 مليار دولار مصروفات عامة بالعملة الصعبة من مثل نفقات السفارات بالخارج والدارسين على حساب الدولة...الخ). وسيحقق هذا الإجراء فائضا في الميزانية يمكن أن يسهم في تحسين مستوى الدخول المتدنية لليبيين من خلال صرف العلاوات المتوقفة منذ أربع سنوات، وتغطية جزء من الدين العام، وأيضا مشروعات التنمية خاصة التي تنفذها شركات محلية، وتلك التي تقبل الدفع بالدينار الليبي.
الافتراض السابق الخاص بتقدير الإيرادات ممكن جدا ذلك أن سقف الإنتاج قابل للزيادة، وذلك في حال صحة الافتراض بعدم العودة لإغلاق الحقول والموانئ، كما أن الأسعار العالمية للنفط مرشحة للارتفاع مع توقعات ارتفاع الطلب عليه بعد توزيع مضادات فيروس كوفيد 19.
تتبقى جملة من الإجراءات الضرورية تتعلق بمجابهة الفساد والهدر في المال العام والتي لن تنتظر التسوية السياسية الشاملة، إذ أن الفساد والهدر كفيلان بإفشال المساعي الجادة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والتخفيف من معاناة المواطنين.
أيضا من المهم التنبيه إلى أن من أهم غايات إجراءات تعديل سعر صرف الدينار في هذه المرحلة بالذات هو تخفيف الأعباء المرهقة عن المواطنين، وذلك بأن تتراجع الأسعار وتتحسن الدخول من خلال العلاوات المتوقفة، أو علاوة أرباب الأسر بشكل استثنائي ولأجل قصير حتى يتم معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد الليبي، كليا أو جزئيا، والذي يترتب عليه ارتفاع النفقات العامة ممثلة في المرتبات ودعم الوقود ونفقات تسيير الجهاز الحكومي والتي تبلغ في مجملها نحو 90% من النفقات العامة.
وأخيرا، فإن المناخ الإيجابي الذي قاد إلى التقدم على المسار الاقتصادي هو رهن لنتائج الملتقى السياسي، وأي إخفاق سياسي قد يحبط جهود التوافق الاقتصادي، وسيصبح من الصعب فصل الاقتصاد عن السياسة كما يدعو البعض، فهذا ما أثبتته التجربة خلال السنوات الماضية.