روسيا مفتاح الأزمة الليبية وعقبتها الكؤود

نجحت واشنطن نسبيا في تحييد أو الحد من تأثير الأطراف الإقليمية والأوروبية في الأزمة الليبية، فمنذ أن زاد اهتمام الإدارة الأمريكية بالمسألة الليبية بعد تورط الروس أكثر فيها، صارت مواقف العواصم العربية والأوروبية أكثر اتساقا مع مطلب واشنطن في احتواء النزاع ووقف الدعم المباشر لحفتر.

لكن ظلت روسيا بعيدا عن التأثير الأمريكي، وأصبح هدف الإدارة الأمريكية بإبعاد الكرملين عن المنطقة هو بوصلة تحركها. فالالتفات الأمريكي إلى الأزمة الليبية صار أكثر جدية تبعا لتخوف واشنطن من أن تجعل موسكو وجودها في ليبيا استراتيجيا، فيشكل ذلك تطورا خطيرا في توازنات القوة، وتصبح موسكو أكثر قدرة على خلق أزمات للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين في مناطق نفوذهم أو تهديد مصالحهم المباشرة في المنطقة.

واشنظن راعية التسوية

كل التطورات التي وقعت منذ هزيمة قوات حفتر على مشارف العاصمة وإرجاعها إلى سرت (450 كم شرقي طرابلس)، والتي اتسمت بالطابع السلمي والاتجاه إلى حل النزاع عبر التسوية السياسية، كانت برعاية أمريكية من خلال دعم واشنطن لرئيسة البعثة بالإنابة، ستيفاني ويليامز، والتي انضمت للبعثة بعد طلب مباشر من البيت الأبيض للأمين العام للأمم المتحدة.

وبرغم أن التطورات الأخيرة مثلت اختراقا لجدار التأزيم الصلب، إلا أنه يمكن القول إن الاتفاقات التي تم التوصل إليها هشة، وأبرز أسباب هشاشتها هو غموض الموقف الروسي، الذي ظاهره الإشادة بتقارب مواقف أطراف النزاع، وباطنه تكريس الوجود الروسي وجعله المرجح لسيناريو التوافق أو سيناريو الحرب، تبعا للمصالح الروسية واتجاه رجحانها.

عدم رضا روسي تركي

اتفاق جنيف الذي وقعه وفدا التفاوض الممثلين لحفتر وحكومة الوفاق؛ يقود إلى إخراج روسيا وتركيا من المعادلة، فهذا ما تقضي به المادة المعنية بإخراج المرتزقة من كافة التراب الليبي، ومن الواضح أنها تشمل القوات التابعة لهما.

وبرغم التوتر الملحوظ في العلاقة بين روسيا وتركيا والذي يرسم ملامحه الخلافات المتزايدة بينهما من سوريا إلى ليبيا فأذربيجان وأرمينيا، إلا أن المصلحة قد تدفع إلى تفاهم بينهما، وهو ما يُفهم من تصريحات المسؤولين الأتراك مؤخرا، وحديث بعض المصادر المطلعة عن مسار سياسي موازٍ قد تدفع إليه موسكو.

رغبة روسيا في أن لا تخرج من "المولد بلا حمص"، وشعور تركيا بالقلق من الاتجاه الأمريكي الأوروبي لإبعادها بالتوازي مع إبعاد روسيا، قد يشكلان عاملا مهما في التشويش على المسارات التفاوضية الراهنة، وربما صناعة مسار مختلف، قد لا يكتب له النجاح، ولكنه قادر على عرقلة الخطة الأمريكية الأوروبية والتي تقدم غاية إخراج روسيا وتركيا على هدف تسوية شاملة في ليبيا.

مسار سياسي مواز محتمل

من الواضح أن الولايات المتحدة لم تقارب روسيا برؤية تضمن على الأقل حفظ ماء وجه الكرملين، إذ لا مؤشر على تفاوض مباشر حول مستقبل ليبيا، وبالنظر إلى وجود الفاغنر وتحركاتهم يمكن القول إن موسكو غير معنية حتى اللحظة بالاتفاق العسكري (5+5) الأخير، وسيتضح الموقف الروسي أكثر في قابل الأيام، حيث حدد الاتفاق مدة ثلاثة أشهر لإخراج كل المرتزقة.

ما يؤكد الشعور بأن الخطة الأمريكية الأوروبية لا ترضي غرور سادة الكرملين، هو الحديث عن مسار روسي مستقل، أو تفاهم بين موسكو وأنقرة، وسيكون الأسبوع القادم حاسما في تحديد اتجاهات المواقف الروسية التركية وردود الفعل الغربية، الأمريكية الأوروبية.

بيان الأربعة الكبار في أوروبا، والذي جمع شتات العواصم الأوروبية وقاد إلى تسجيل موقف رباعي موحد، للمرة الأولى تقريبا، من اتفاق جنيف، له دلالته من ناحية المضمون والتوقيت، وتأخر البيان نحو عشرة أيام منذ توقيع الاتفاق يشير إلى أنه رد فعل على موقف روسي تركي يُقلق الأطراف الأوروبية.