قضايا وآراء

تدريب النفس على فريضة الشجاعة المدنية في مواجهة الباطل

أحمد الشيبة النعيمي
1300x600
1300x600
ارتبطت خيرية هذه الأمة باكتسابها لفضيلة الشجاعة المدنية في مواجهة أباطيل المنكرات بجميع أنواعها، والأمر بالمعروف "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ". ولأهمية هذه الفضيلة فقد حولها الإسلام إلى فريضة تكليفية، وحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تربية المسلمين وتدريبهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة.

وجاء في الحديث الذي رواه مسلم عن ابي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". وليس هناك دون أضعف الإيمان غير التطبيع القلبي مع المنكر، ويصنف هذا التطبيع خارج دائرة الإيمان.

لقد حرص الحكماء والأنبياء والمصلحون على  تربية أبنائهم والآخرين على فضيلة الشجاعة المدنية في مواجهة المنكرات. فهذا لقمان الحكيم بعد تربية ابنه على التوحيد والعبادة يأمره باكتساب صفة الشجاعة المدنية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على مواجهة الباطل، لأن هذا الصبر من خصائص أصحاب العزائم.. "يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور".

ومنهج لقمان الحكيم في التربية على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو المنهج الذي يطالب به اليوم جميع فلاسفة التربية؛ في تربية الفرد على رفض التنمر على ذاته وعلى الآخرين، وعلى الإيجابية في الدفاع عن قيمه وأخلاقه، وعلى الفاعلية في محاربة السلوكيات التي تتناقض مع الفطرة السوية، والاتساق مع الطبيعة الأخلاقية للمتعلم التي تخاصم وتواجه كل ما يتعارض مع الأخلاق والقيم.

إن خلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما أنه فريضة دينية  إسلامية؛ فإنه أيضا  قيمة إنسانية تحترمها الأمم والشعوب رغم الاختلافات في  تقدير الثقافات لما هو منكر وما هو معروف. فهناك اليوم في بعض الدول الأوروبية جوائز خاصة للشجاعة المدنية، يتم منحها لمن يتصدى لأي مجرم يعتدي على أبرياء. فأحياناً قد يتأخر وصول الشرطة من أجل إنقاذ ضحية يتعرض للسرقة أو التحرش أو التنمر، وفي هذه الحالة يتوجب التدخل السريع والشجاع، كما يتم منح جوائز خاصة بالشجاعة المدنية للصحفيين الذين يواجهون المخاطر في سبيل كشف الحقائق وفضح الفساد ومواجهة الاستبداد و تعرية الظلم. كما يتم منح جوائز خاصة لبعض الناشطين في حقوق الإنسان الذين يقومون بدور الاحتساب في مواجهة بعض الانتهاكات.

رغم إدراك معظم الناس بفطرتهم السويّة لأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن هناك من يجد في نفسه ضعفاً عن ممارسة هذه الفضيلة ويختار أضعف الإيمان، ومع مرور الإيام يتطبع مع الضعف فيخسر حتى أضعف الإيمان. وللتخلص من ضعف الإيمان وتدريب النفس على الشجاعة المدنية في مواجهة الباطل ننصح بأن نعود أنفسنا على الجرأة والشجاعة حتى لو تعرضنا للنقد والتجريح ، ومن المهم في هذه المرحلة أن يكون الإنسان صريحاً مع نفسه ويعترف بخوفه حتى يستطيع أن ينتصر عليه، لأن البعض يرفض أن يظهر بمظهر الخائف ولا يريد الاعتراف بأن خوفه هو سبب إحجامه عن مواجهة الباطل.

وهذا الإنكار لا يساعد على التخلص من الخوف. وأفضل طريقة للتخلص من الخوف هو تعريض النفس لمصدر الخوف أكثر من مرة حتى يزول الخوف. فمن يخاف من الظلام مثلاً عليه أن  يعرّض نفسه للظلام أكثر من مرة حتى يألفه ويزول خوفه.

ومن وسائل تدريب النفس على مواجهة الباطل التفكير الإيجابي بالنتائج التي سوف تترتب على إزالة الباطل وما سيناله من أجر في الآخر لتحفيز النفس. وفي الأخير يؤكد فلاسفة التربية أن الشجاعة مثل العضلات يتم تدريبها بالممارسة اليومية، وكذلك الشجاعة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتم تنميتها بالممارسة الدائمة والمتكررة.
التعليقات (2)
مسند أحمد مسند أبى بكر الصديق
الأربعاء، 14-10-2020 07:20 م
حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَسَدٍ، مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنِي ابْنَ أَبِي خَالِدٍ - عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَؤونَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ، وَإِنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ "
ابن القيم
الأربعاء، 14-10-2020 07:14 م
لما اعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة اليهما واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما, وعدلوا الى الآراء والقياس والاستحسان واقوال الشيوخ,عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم وظلمة في قلوبهم وكدر في أفهامهم ومحق في عقولهم، وعمتهم هذه الأمور وغلبت عليهم حتى ربي فيها الصغير، وهرم عليها الكبير، فلم يروها منكرا، فجائتهم دولة أخرى قامت فيها البدع مقام السنن، والنفس مقام العقل، والهوى مقام الرشد، والضلال مقام الهدى، والمنكر مقام المعروف، والجهل مقام العلم، والرياء مقام الأخلاص، والباطل مقام الحق، والكذب مقام النصيحة، والظلم مقام العدل، فصارت الدولة والغلبة لهذه الأمور، وأهلها هم المشار اليهم، وكانت قبل ذلك لأضدادها، وكان أهلها هم المشار اليهم.