أفكَار

عبد الرحمن عبد الخالق نموذج زاوج بين السلفية والحركية

أطروحات السلفية المعاصرة.. الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق نموذجا- (تويتر)
أطروحات السلفية المعاصرة.. الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق نموذجا- (تويتر)

يُنظر للداعية عبد الرحمن عبد الخالق، الذي وافاه الأجل أواخر الشهر الماضي في الكويت، عن عمر ناهز الثمانين عاما، على أنه "مؤسس" الدعوة السلفية في الكويت، وأحد مؤسسي جمعية إحياء التراث الإسلامي فيها، والتي رحل إليها واستقر فيها منذ ستينيات القرن الماضي. 

ومع أن الشيخ عبد الخالق مصري الأصل (حصل على الجنسية الكويتية فيما بعد) إلا أنه تبوأ مكانة دعوية وقيادية في أوساط الدعوة السلفية في الكويت، وامتازت منهجيته الدعوية والفكرية عن السلفية التقليدية بالتنظير والتأسيس للمشاركة في العمل السياسي، وفي الوقت نفسه شق الطريق للعمل الجماعي المؤسسي. 


وعبر مسيرته الطويلة والممتدة في العمل الدعوي والفكري والتأليفي استطاع الشيخ عبد الخالق تأسيس حالة مغايرة في أوساط السلفية المعاصرة، قوبلت في أوساط السلفية التقليدية بالرفض والاعتراض، وعرضته لانتقادات شديدة، وجلبت له اتهامات مؤذية وقاسية.

نستعرض في هذا التقرير أبرز المحطات في حياته الدعوية والفكرية، وكيف استطاع تقرير تلك الأفكار والرؤى وإشاعتها وترسيخها وسط بيئة رافضة لها، وما الذي أنجزه منها وإلى أيّ مدى وصل في ذلك، وكيف تعامل مع الانتقادات القاسية التي وُجهت له، وكيف ثبت على منهجيته في مواجهة حملات التشكيك الطاعنة في سلفيته، والمتهمة له بتشويهها والإساءة إليها؟  

تشير السيرة الذاتية للشيخ عبد الخالق إلى أنه من مواليد مصر عام 1939، وتخرج من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1965، وعمل في التدريس في الكويت من 1960 إلى 1990، ثم عمل في البحث العلمي بجمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت، إلى جانب عقده للدروس العلمية والدعوية والوعظية والتعليمية في مساجد الكويت، وتأليفه عشرات الكتب والرسائل في موضوعات دينية وفكرية مختلفة. 

ووفقا لباحثين فإن الشيخ عبد الخالق تنبه في وقت مبكر إلى ضرورة مشاركة السلفيين في العمل السياسي، عبر الترشح للانتخابات البرلمانية، والدخول في البرلمان، وكذلك مشروعية تأسيس الأحزاب السياسية، وإنشاء الجمعيات الدعوية والفكرية والخيرية، والتنظير لمشروعية العمل الجماعي المنظم، وألف في ذلك عدة كتب ورسائل ككتابه المعنون بـ"فصول من السياسة الشرعية في الدعوة إلى الله"، ورسالة "المسلمون والعمل السياسي"، و"أصول العمل الجماعي".. 

ويذكر الكاتب الكويتي، المتخصص في العقيدة الإسلامية، الدكتور محمد عبد الله المطر أن الشيخ عبد الخالق عمل مع جمعية الإصلاح الاجتماعي الممثلة لفكر جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، ثم استقل في عمله عن الإخوان في بداية السبعينيات على إثر خلاف بينه وبين الجماعة في كيفية تناوله لما يتعلق بالصوفية والتصوف. 

 



وأضاف في حديث لـ"عربي21": "وبعد ذلك توسع الشيخ في عقد الدروس الدينية المختلفة، في التوحيد والتفسير والدعوة وأصول السياسة الشرعية، ثم أسس مع مجموعة من تلاميذه جمعية إحياء التراث الإسلامي لينتظم العمل الدعوي السلفي في الكويت من خلالها". 

وتابع: "ثم وقعت خلافات بين الشيخ وبين بعض الاتجاهات السلفية الأخرى، وفي مقدمتها الاتجاه الجامي المدخلي، حول جملة من القضايا الشرعية والفكرية والدعوية المختلفة". من أبرزها الموقف من المشاركة السياسية والعمل السياسي، وتأسيس الأحزاب السياسية، ومشروعية العمل الجماعي المنظم.

وعن اهتمامات الشيخ بقضايا المسلمين المختلفة أوضح المطر أنه كان متابعا لكثير من قضايا المسلمين في العالم، ومنشغلا بها، ومدافعا عنها، وكان مهتما على وجه خاص بالقضية الفلسطينية، وبقضية القدس ومسجدها الأقصى". 

ولفت المطر إلى أن الشيخ "كان يحب الجماعات والحركات الإسلامية المختلفة كالإخوان والتبليغ، ويدافع عنها مع اختلافه معها في بعض الأفكار والمواقف، لكنه كان حريصا على وحدة الصف الدعوي، واجتماع كلمة العاملين للإسلام". 

من جهته قال أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الدكتور محمد السعيدي: "الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق من أهل العلم والفضل والدعوة والصبر والاحتساب، لكن لا أرى أنه أضاف للسلفية، بل السلفية هي التي أضافت له، فحصنته من البدع والخرافات وجعلت له قبولا في السعودية والخليج، وكانت سببا في إقبال الناس عليه في الكويت". 

وأردف: "لكنه كان إضافة للدعوة السلفية في الكويت حيث أسس تكتلا ينافس التكتلات التي كانت قائمة هناك من إخوانية وصوفية، فقد كان خطابه الجماهيري جديدا على السلفية هناك، وكان لصبره على إقامة الدروس في دولة كانت الدروس العلمية المنهجية فيها قليله أثر في إشاعة العلم الشرعي هناك". 

 


أما بخصوص توجه الشيخ للتنظير للمشاركة في العمل السياسي عبر المشاركة في الانتخابات البرلمانية، فلم تكن وفقا للسعيدي جديدة على الدعوة السلفية، حيث كان قطباها في السعودية، وهما ابن باز وابن عثيمين، يأمران السلفيين في البلاد التي تقام فيها الانتخابات بالترشح لها، ومنها الانتخابات البرلمانية في الكويت، بل كان ابن عثيمين يفتي بوجوب المشاركة في الانتخابات لما في ذلك من التعاون على البر وتزكية الصلحاء". 

وتابع حديثه لـ"عربي21" ذاكرا أن "للجنة الدائمة بهيئة كبار العلماء في السعودية فتوى رسمية منشورة تجيز المشاركة في الانتخابات البرلمانية" مشيرا إلى أن "الذين لم يكونوا يرون الانتخابات ليسوا السلفيين التقليديين كما يصفهم البعض، بل إن بعضهم لم ينشأ في بيئة سلفية كالشيخ الألباني رحمه الله، والذي أصبح من رؤوس السلفية الذين تشد لهم الرحال، وكان رأيه وسطيا عاقلا هادئا، فلم يكن يحرم الدخول في الانتخابات، لكنه كان ينصح بعدم الترشح لها، وفي المقابل ينصح الناس إذا رأوا مترشحا إسلاميا أن يدعموه". 

وطبقا للسعيدي فإن "كثيرا من الذين كانوا متشددين في منع المشاركة في الانتخابات كانوا ممن اعتنقوا السلفية بعد أن لم يكونوا سلفيين كالشيخ مقبل بن هادي الوادي رحمه الله الذي كان من عوام الزيدية في اليمن، ثم طلب العلم وحصل عليه، وكان يُحرم الدخول في الانتخابات، وكذلك الشيخ محمد أمان الجامي رحمه الله، فيما أحسب ولست متأكدا من النقل عنه أنه كان يحرم المشاركة، وقد كان ممن يميل لفكر الإخوان قبل أن يأتي للسعودية ثم أصبح من أكبر مناهضي الإخوان". 

وأوضح أن "من كان يمنع من أقران الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني قأقسى أحكامهم على المشاركة في الانتخابات كانت عدم النصح بها، لكنهم لا يمنعون منها ولا يحرمونها بالضوابط والشروط التي وضعوها في فتاويهم، ولعلة المعاونة على تقليل الشر، والتدرج إلى الخير".

وخلص السعيدي إلى القول بأنه "قد يكون للشيخ عبد الرحمن أثر مباشر في مشاركة السلفيين في الانتخابات، لكنه ليس رأيا جديدا على السلفيين"، متسائلا: "كيف يكون ذلك والسلفية تمثل أبرز المناهج التي تنادي بالمصالح وقبول أخف الضررين لدفع أعلاهما، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟" على حد قوله. 

بدوره أوضح الباحث الشرعي الكويتي، علي العرجاني أن الشيخ عبد الخالق تميز "بتحصيل العلم الشرعي ونشره، وامتلاكه خبرة دعوية كافية، واجتهاده بالعمل لما فيه مصلحة الإسلام مع جرأة في كلمة الحق، ووافق ذلك المكان والزمان المناسبين، وهو ما مكنه من النجاح بتوفيق الله له". 

وأشار إلى استفادة الشيخ من الفقه الحركي للجماعات الإسلامية في مصر، إضافة لتتلمذه على علماء هذا العصر وتأثره بهم، كالشيخ ابن باز، الذي كان يتميز بحسن الإدارة إلى جانب علمه وخلقه، كما أنه لازم الشيخ الألباني لسنوات، وتتلمذ على نخبة من العلماء كالشيخ الشنقيطي، ومارس الدعوة واستفاد كثيرا من الصحوة السلفية في السعودية إبان دراسته في الجامعة الإسلامية وإقامته هناك، وقبل هذا هو من أسرة سلفية، ووالده كان مجاهدا من أصحاب مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا". 

 

 



وعن طبيعة الدور الذي قام به حينما انتقل إلى الكويت واستقر فيها، قال العرجاني لـ"عربي21": "حينما انتقل الشيخ إلى الكويت سنة 1965، وهي في بداية استقلالها من بريطانيا، ونشأة الديمقراطية فيها وانفتاح البلد، وكان الكثيرون قد تأثروا بالفكر القومي واليساري بسبب دراستهم في مصر ولبنان، وكان مشايخ السلفية بعيدين كل البعد عن المشاركة السياسية، ومنهم من ترك الكويت بعد تأسيس الدستور والعمل بنظام الديمقراطية.."

وتابع: "فلما نزل الشيخ عبد الرحمن كان أول ما بدأ به التحذير من القومية، بكتابة مقالات في الردود على بعض القوميين نشرها في بعض الصحف، إلى أن خسر رمز القومية في تلك الحقبة جمال عبد الناصر حرب 67، فكانت من أهم أسباب إفاقة كثير من المثقفين المتعصبين للقومية، وثبتت فيها صحة أقوال الشيخ، ثم توسعت شهرته بعد ذلك في الكويت". 

واستطرد بأن "الشيخ كان يحرض على المشاركة في الانتخابات، إذ لا بد -من وجهة نظره- من وجود من يمثل التيار الإسلامي حيث كان أغلب أو كل من يشارك في الانتخابات البرلمانية من اليساريين، وكان أول شخصية إسلامية ترشحت للانتخابات سنة 1971". 

وعن الأسباب التي ساعدت الشيخ في تحقيق نجاحاته أشار العرجاني إلى "انفتاح البلد وحرية التعبير والنشر والفكر مع وجود مجتمع سهل محب للدين، وقد عمل الشيخ بأسلوب جديد لم يكن موجودا عند مشايخ السلفية في الكويت، كما أنه أسس مدرسة فكرية باسم السلفية لم تكن موجودة من قبل، وهذا هو سبب إطلاق القول بأنه مؤسس السلفية في الكويت، مع أن المنهج السلفي موجود من قبل، بل إن بيان انحراف القومية والتحذير منها قام به من قبل العلامة عبد الرحمن الدوسري". 

أما إنجازاته بحسب العرجاني فهي "كثيرة وكبيرة، ويكفي منها ما اشتهر وصفه بأنه مؤسس السلفية في الكويت، وغالب ما حققته الدعوة السلفية ورجالاتها يعود الفضل فيه لله تعالى ثم للشيخ وجهوده، كما أنه صاحب فكرة المشاركة السياسية، ودخول الانتخابات البرلمانية واستثمار ذلك لصالح الدعوة الإسلامية". 


وختم حديثه بالإشارة إلى أن "الشيخ عانى كثيرا من المعارك التي شُنت عليه، باتهامه اتهامات قبيحة وسيئة، لكنه صبر على ذلك كله، واستمر في طريقته الدعوية، وواظب على نشر العلم والفكر، وكان يرد على مخالفيه بأدب وعلم، إلى أن أصبح الأب الروحي للسلفية، فضلا عن ثناء علماء الأمة عليه، وشهادتهم بفضله وعلمه، حتى وافاه الأجل المحتوم وهو ثابت على ذلك". 

التعليقات (4)
أبوآمنة الاحمدي الجزائري(محمدبوسيف)
الإثنين، 25-07-2022 09:29 م
حمدالله الشيخ عبد الرحمان عبد الخالق فهو والشيخ سرور بن نايف رحمه الله قدوتي وافتخر...
خالد الخميس
الجمعة، 16-10-2020 09:50 ص
الله يرحمه رحمة واسعة ويغفر له ويرضى عنه وينور قبره مثل ما نور عقولنا وقلوبنا بعلمه .. شيخ فاضل وامام عالم وعقلية اسلامية فذة ويشرفني انني كنت احضر محاضراتة في الكويت والقاه في بعض الديوانيات
عايض علوش نائب سابق
الأربعاء، 14-10-2020 11:14 م
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله رحم الله الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وأسكنه فسيح جناته كان أول لقاء لي مع الشيخ عام (1977) وبعدها توطدت العلاقة معه . رحم الله الشيخ عبدالرحمن فقد حباه الله بصفات جميلة وعديدة يحبه بها كل من قرب منه ويأنس به لكنني أريد أن أذكر إثنتين من هذه الصفات بلغ فيهما درجة عالية قليل من يدركهما أولهما الهمة العالية وثانيهما سلامة الصدر أما عن الهمة فكل من قرب من الشيخ يرى الهمة العالية واضحة فيه وكانت هذه الهمة من شبابه ملازمته حتى وفاته التقيت بمؤسس الدعوة السلفية بالسودان الشيخ الهدية رحمه الله وقال لي زارنا عبدالرحمن عبدالخالق عام (1957) وكان شاب صغير وكان يتقد حماس وهمة لدين الله انتهى هذه شهادة من الشيخ الهدية عنه منذ كان شاب رحمه الله وأما الصفة الثانية هي سلامة الصدر فكان رحمه الله سليم الصدر على كل مسلم ولا يذكر المسلمين إلا بخير ويتسع صدره لخصومه جاء إليه إثنين من طلبته بشريط مسجل لأحد خصومه فيه ( زلة )عسى الله أن يغفر له وما أن سمعها الشيخ حتى انهار بالبكاء ودعا له بالمغفرة وأمر بالستر عليه وكسر الشريط رحم الله الشيخ عبدالرحمن هكذا هم العلماء الربانيين أهل همة عالية وسلامة صدر
ام خالد
الأربعاء، 14-10-2020 06:11 م
الله يرحمه رحمة واسعة ويغفر له ويرضى عنه وينور قبره مثل ما نور عقولنا وقلوبنا بعلمه