بينما حاولت هيئة أركان الجيش الإسرائيلي فرض معادلة
اشتباك جديدة مع قطاع
غزة، بمساواة "البالون الحارق" بالصاروخ، ردّت
المقاومة الفلسطينية مباشرة بتصويب هذه المعادلة وفرض أسلوبها الدفاعي:
"القصف بالقصف".
فكّر الاحتلال بأنه قد ينجح في أن يكون "صاحب اليد
العُليا" في الميدان، لكن المقاومة لم تمنحه فرصة بلوغه النشوة بذلك، حتى
أجبرته سريعا على خسارة هذا الشعور، وهي بذلك أيضا منعته من استغلال هذه السياسة
في قضم مقدراتها وبنيتها العسكرية في قطاع غزة، عبر الاستهداف المتكرر.
لم تعلن قيادة الاحتلال أي أسباب أو مبررات لتنصلها من
تفاهمات التهدئة غير المباشرة، التي أبرمتها مع المقاومة في تشرين الأول/ أكتوبر
2018 برعاية مصرية وأممية، سوى أن "الطبع غلب" فقط، وساد لديها اعتقاد
خاطئ بإمكانية الهروب الآمن من التفاهمات، لكنّ المقاومة أدركت أن ذلك يعني العودة
بالأوضاع إلى نقطة الصفر، وهو في معناه إسقاط المكاسب السياسية لمسيرات العودة
وكسر
الحصار، فقررت أن ذلك تكلفته النار.
وفي غضون المعركة على تثبيت المعادلات، نشطت حركة الوفود
والوسطاء لاحتواء الموقف، وتحقيق تقارب في المطالب؛ يخدم العودة إلى الهدوء ويمنع الذهاب
إلى جولة قتال لا تغيّر من إصرار المقاومة.
وهنا وجبت الإشارة إلى أربعة ضوابط رئيسية تحكم قرار
المقاومة الفلسطينية بشأن التصعيد الحالي:
أولا: دخول الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة عامه الخامس
عشر، نجح الاحتلال خلالها في تقديم المبررات التي تفوّقت على مظلوميتنا، وإحكام
الأسيجة حولنا، والتسليم بالحصار على أنه حالة قائمة لها أسبابها، التي تفرضها
الضرورات الأمنية، في مقابل التجاهل الأممي للواقع الإنساني في غزة.
ثانيا: سعي المقاومة لإلزام الاحتلال باحترام القواعد
والمحاذير التي أسست لها في تفاهمات التهدئة 2018، بذات الأهلية التي تقود بها ملف
الجنود الإسرائيليين الأسرى في غزة، فتحرص على أن يكون للكلمة والتفاهمات
احترامها، وعدم التقليل أيضا من شأن الوساطات العربية والأممية.
ويفهم من ذلك أن المقاومة لا تريد من التصعيد غير
استمرار التهدئة المكفولة بالتزام الاحتلال بالمطلوب منه.
ثالثا: غياب الأفق في مستقبل المصالحة والوحدة الوطنية
من ناحية عدم وجود خطوات عملية لإعادة ترتيب الوضع الداخلي وتحسين الواقع المعيشي
في قطاع غزة، من خلال قيام الجهات المسؤولة بدورها الذي يعين على تفرّغ المقاومة
لوظائفها الرئيسية، وعليه تقف المقاومة أمام معادلات صعبة فرضها الجمع مع الحكم
تحت ظل الاحتلال، وتعقيدات التوفيق بين مشروعين.
رابعا: المشروعية في الدفاع عن النفس، التي تمنح المقاومة
حق حماية شعبنا وردع انتهاكات الاحتلال وجرائمه، وهي الوظيفة الوجودية للمقاومة
التي نستمد منها تقديرنا لأنفسنا كفلسطينيين في حدود المدينة التي قال في حقّها
شاعرنا الكبير محمود درويش: "تحيط خاصرتها بالألغام وتنفجر، لا هو موت ولا هو
انتحار، إنه أسلوب غـزة في إعلان جدارتها بالحياة".