قضايا وآراء

من صاحب قرار 7 أكتوبر؟

أحمد الكومي
يقول الكاتب: "الهجوم هو في محصلته قرار سياسي استراتيجي بالغ الأهمية"
يقول الكاتب: "الهجوم هو في محصلته قرار سياسي استراتيجي بالغ الأهمية"
ليست مطمئنة تلك التعليقات الموجهة في وسائل إعلام عربية معروفة بخطّها التحرير والمتحيّز، التي عادت للظهور مرة أخرى -بعد 9 شهور من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة- لتنسب قرار هجوم 7 أكتوبر على المواقع العسكرية الإسرائيلية في غلاف غزة، إلى قيادة حركة حماس في القطاع وخاصة رئيس الحركة يحيى السنوار. هذه الأصوات ليست بريئة وتحاول الفصل بين قيادتي الداخل والخارج وخلق توتر داخل الحركة، كجزء من الضغوط العربية الممارسة عليها والتي نعرفها جيدا وندرك خلفياتها.

لا يعلم أولئك أن الهجوم هو في محصلته قرار سياسي استراتيجي بالغ الأهمية، نوعي وثوري في تاريخ الحركة والقضية، وواسع الآثار والتداعيات، ما يعني أنه كان يحتاج بشدة إلى قيادة سياسية تحمي ظهر المقاومة وتحمي القرار نفسه وتحمله إلى العالم، دولا ومنظمات وحلفاء وأنصارا ومتضامنين وحتى معارضين، بذات الوعي والوضوح والشجاعة التي انطلق بها الهجوم.

الهجوم هو في محصلته قرار سياسي استراتيجي بالغ الأهمية، نوعي وثوري في تاريخ الحركة والقضية، وواسع الآثار والتداعيات، ما يعني أنه كان يحتاج بشدة إلى قيادة سياسية تحمي ظهر المقاومة وتحمي القرار نفسه وتحمله إلى العالم
عند النظر إلى السلوك التفاوضي للحركة خلال عمر هذه الحرب يظهر جليا أن القيادة السياسية كانت مستعدة لكل أنواع الضغوط وأثقلها، وهي من وجهة نظري أكبر مما مورس على قيادة منظمة التحرير التي أنتجت لنا أوسلو.

ثم إن القيادة التي يتم التلميح لها سبق أن اتخذت قرارات مصيرية في محطات صعبة ومفصلية من تاريخ الحركة، وحمت هذا الجسم التنظيمي من محاولات الدمج والاستئصال والترويض وتهديد الهوية، ونقلته إلى مراتب السيطرة والتمكين التي أنتجت 7 أكتوبر.

الهجوم لم يكن لينجح لولا وجود القيادة المهنية التي تميز الحركة وليس كما يخطئ البعض في فهمها، إلى جانب صلابة الجبهة وصبر شعبنا وتضحياته الكبيرة. هذا التكامل هو الذي يحمي حركات التحرر ويوفر لها البيئة التي تمكنها من اتخاذ قرارات استراتيجية، ويخلق القيادة الواثقة التي تتبادل أدوار الهجوم والدفاع كما الحال مع قرار أكتوبر.

إن واحدة من أهم الجوانب التي لا يجب إغفالها هي البيئة التي تم فيها اتخاذ القرار، غزة كموقع وجغرافيا محاصرة لأكثر من 18 سنة، وحالة إنسانية ومعطيات اشتباك ومتطلبات الواقع، ومسؤوليات الحكم، وانسداد الأفق، والحالة العسكرية التي استغرقت وقتا ودما من الإعداد، وما اتصل بمعركة "سيف القدس" 2021 واستحقاقاتها.. كل هذه الخصائص والتفاصيل التي شكلت هذا الموقع كان لها تأثير بالغ جعلت من الطوفان نتيجة حتمية. هنا وفي هذه الحالة فقط تمكن الإشارة إلى ظروف الداخل والخارج عند الحاجة إلى التقييم الجاد والمسؤول للمهام التي قادت إلى هذا القرار الكبير.

كما أن خصوصية الحركة والبيئة الأمنية التي تعمل فيها، يجعل من فتح قرار هجوم بهذا الحجم، لمشاركة عدد أوسع من القيادة، مهددا أمنيا قد يؤدى إلى التنبؤ بالفكرة قبل وصولها إلى الحدود، ويمكن أن يسلب منها دور المفاجأة وقيمة الكمين، أي أن اعتبارات أمنية وعسكرية شديدة الحساسية خضع لها القرار. وهذا لا يعني سلب الآخرين دورهم، إنما إشراكهم بطريقة قيادية مسؤولة في مهام التعزيز والتأمين وسرية الهجوم وسلامته،
كان عليهم أن يستمعوا إلى الاعترافات التاريخية للمتحدث باسم جيش الاحتلال "دانيال هغاري" في مقابلة إعلامية، قال فيها إن "حماس فكرة، ومن يعتقد أنه يمكن القضاء عليها فهو مخطئ"، لكن من الواضح أن 7 أكتوبر توغل عميقا داخل كل الأطراف والجهات والأشخاص الذين تمنوا مصيرا فاجعا للمقاومة الفلسطينية
لكن عندما تصل الفكرة إلى هدفها يبدأ الجهد التعاوني الحثيث والمكمل لجهد القيادة والقرار. ولذلك فإن القيود الصارمة على قرار الهجوم كان لخدمة الخطة وسلامة التنفيذ دون التقليل أو المس بالأطر العامة للقيادة التي تمثل المظلة الأكبر لكل عمليات المقاومة، فنجد أن السنوار وهنية على "قائمة الإرهاب" التابعة للاتحاد الأوروبي بعد السابع من أكتوبر.

الهجوم انطلق ولا قيمة حاليا للعودة إلى ما قبل هذا التاريخ، والدخول في عقل الحركة وادعاء وهْم المعرفة وتبني تصورات قصيرة النظر في ظل القضايا القائمة والأكثر إلحاحا وألما، وأي حديث حول ذلك في هذا التوقيت، يضع علامات استفهام حول أهدافه وخلفيات المتحدثين ودوافعهم، بينما يتجاهل هؤلاء أنفسهم كل القراءات والمواقف من العدو والصديق حول وضع الحركة ورسوخها بعد 9 أشهر من القتال الشديد.

كان عليهم أن يستمعوا إلى الاعترافات التاريخية للمتحدث باسم جيش الاحتلال "دانيال هغاري" في مقابلة إعلامية، قال فيها إن "حماس فكرة، ومن يعتقد أنه يمكن القضاء عليها فهو مخطئ"، لكن من الواضح أن 7 أكتوبر توغل عميقا داخل كل الأطراف والجهات والأشخاص الذين تمنوا مصيرا فاجعا للمقاومة الفلسطينية؛ يضرب عليها واقعا سياسيا مشروطا تدفع فيه أثمان ما دفعته قيادة أوسلو، وخلق الهجوم لدى كل هؤلاء صراعا آخر حول مستقبل المنطقة تكون فيه المقاومة والحركة فوق مستوى تقديراتهم، بينما لا يبقى لهم إلا الشكوى والسباب والتنظير بالتمني.

x.com/ahmedelkomi1
التعليقات (0)