ملفات وتقارير

هذه آخر محاولات الاحتلال للسيطرة على المسجد الإبراهيمي

أعربت بلدية الخليل الفلسطينية عن تخوفها من إقدام الاحتلال على نقل الصلاحيات منها- جيتي
أعربت بلدية الخليل الفلسطينية عن تخوفها من إقدام الاحتلال على نقل الصلاحيات منها- جيتي

تداولت وسائل إعلام إسرائيلية، الثلاثاء، أنباء حول تحويل صلاحيات المسجد الإبراهيمي من بلدية الخليل إلى مجلس استيطاني، ما أثار ردود فعل فلسطينية غاضبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أن المسجد يتعرض بشكل يومي لانتهاكات إسرائيلية مستمرة.

 

لكن بلدية الخليل ودائرة الأوقاف الإسلامية -اللتين تمسكان زمام الأمور فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني من المسجد- أكدتا أنه لم يتم التبليغ بشكل رسمي حول هذا الموضوع، وأن قضية الصلاحيات تم تداولها بشكل غير رسمي في جلسة للمجلس التنظيمي الإسرائيلي، خلال رده على قضية إنشاء مصعد كهربائي يخدم المستوطنين المقتحمين للمسجد.


وأيا كانت حقيقة هذه الأخبار، إلا أن بلدية الخليل أعربت عن تخوفها من إقدام الاحتلال فعلا على نقل الصلاحيات منها؛ وذلك بحسب ما يترجمه الواقع وممارساته على الأرض فيما يتعلق بالمسجد وإدارته.


وفي هذا الإطار، يوضح نائب رئيس بلدية الخليل المهندس يوسف الجعبري، أن الأخبار التي تم تداولها جاءت خلال جلسة المجلس التنظيمي الأعلى، خلال تقديم البلدية لاعتراض ضد إقامة مصعد كهربائي يخدم المستوطنين في اقتحام المسجد.


ويقول الجعبري لـ"عربي21" إنه منذ أكثر من سبع سنوات تحاول الإدارة المدنية الإسرائيلية بضغط من المستوطنين إقامة مصعد، بحجة تسهيل دخول ذوي الاحتياجات الخاصة من المستوطنين للمسجد، ولكن البلدية رفضت ذلك لأن المسجد عبارة عن إرث تاريخي وحضاري يجب الحفاظ عليه، وأنه ليس من المعقول إنشاء مصعد لتسهيل دخول المستوطنين، بينما يتم وضع عشرات الحواجز الإسرائيلية أمام الفلسطينيين سواء كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة أو المسنين أو الشبان أو النساء أو حتى الأطفال، حيث الأصل أن من يفكر بالإنسانية أن يفكر بها من كل جوانبها، وفق تعبيره.

 

قانون استملاك


ويشير الجعبري إلى أن موضوع إقامة المصعد خطير جدا، حيث قام الاحتلال قبل شهرين بإصدار قانون استملاك لإقامته، ولكن حين وصل إلى طريق مسدود بعد اعتراض مؤسسات الخليل وعلى رأسها الأوقاف والبلدية، تم أخذ قرار الاستملاك الذي هو مدني، وليس عسكريا كما يتم إصدار قرارات إغلاق مناطق في الخليل وإنشاء حواجز ونقاط عسكرية تحت حجج أمنية.


ويضيف: "منذ 7 سنوات وأكثر من مرة طرح الاحتلال موضوع إقامة المصعد، الذي نرى أنه نقطة تحول في قضية نقل الصلاحيات إليه، وبالطبع هو يغير على المعالم التاريخية في المسجد بإضافة أي عناصر إنشائية جديدة عليه، فما حصل أنهم أخذوا قرار استملاك، وقالوا إن من يتضرر من القرار يعطى مهلة من المجلس التنظيمي الأعلى لمدة 60 يوما للاعتراض عليه".


ويتابع: "تم تقديم الاعتراض ليس في المحكمة وإنما في مجلس التنظيم الأعلى الإسرائيلي في مستوطنة بيت إيل، وبالفعل تقدمنا ومجموعة من المؤسسات باعتراض على إنشاء المصعد، فتقدم محامي البلدية سامر شحادة بالاعتراض، وحصل نقاش طويل، ومن ضمن النقاش أبلغهم بأنه لا يجب الحصول على ترخيص، والذي بحسب بروتوكول الخليل المتوافق عليه مع الإدارة الأمريكية منذ سنوات هو من اختصاص بلدية الخليل، فقال أحد الضباط الإسرائيليين في الجلسة إن هناك احتمالا ألا يعودوا للبلدية في هذا القرار، وسيتم إصدار الترخيص؛ لأنه تم نقل صلاحيات لمجلس التخطيط الأعلى، فأخذ الإعلام العبري هذه الجزئية ونشرها لطمأنة المستوطنين".

 

اقرأ أيضا: الاحتلال ينتزع إدارة الحرم الإبراهيمي ويسندها لمجلس استيطاني


ويلفت إلى أن ما حدث لم يكن قرارا سياسيا، بل حديثا ضمن النقاش، ولكنه لم يقلل من أهمية الموضوع الذي يعكس توجهات الاحتلال نحو السيطرة على المسجد، مبينا أنه تم تأجيل الجلسة في هذا الأمر لمدة 21 يوما؛ لدراسة مستندات والرد عليها.


ويؤكد أن الخيار المطروح الآن هو التوجه إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، ولكن لا يوجد قرار فلسطيني بذلك، موضحا أن الإدارة المدنية الإسرائيلية سترفض كل الاعتراضات، وستصدر الترخيص دون العودة للبلدية، ولا مفر هنا إلا بالتوجه لمحكمة العدل التي لن تنصف الفلسطينيين؛ لأن الغريم هو القاضي، على حد قوله.


أما حول الخيارات المتاحة، فيقول الجعبري إن المسجد الإبراهيمي هو إرث تاريخي لا يمكن إجراء أي تغيير عليه، خاصة أنه تم تسجيله عام 2017 ضمن لائحة التراث العالمي، وفقا لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، وكان هناك ضمان دولي أن تتدخل المؤسسات الدولية الرسمية لمنع حصول أي تغيير عليه، ولكن في حال تم ذلك فالمحاكم الدولية هي الملاذ، رغم أن الاحتلال لا يكترث لأي قرار.


سيادة منتهكة!


وفي ظل الحديث عن احتمالية نقل الصلاحيات للاحتلال فيما يتعلق بالمسجد، يرى الفلسطينيون أن المصلين فيه هم من يملكون ذلك فقط، حيث إنهم يضطرون لسلوك حواجز عدة وطرق شائكة للوصول إليه، ومع ذلك يحافظون على التواجد فيه رغم أطماع المستوطنين، بينما ترى دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للسلطة أن السيادة على المسجد تتعرض للانتهاك يوميا.


ويؤكد مدير المسجد الشيخ حفظي أبو اسنينة لـ"عربي21" أن الإدارة العامة لأوقاف محافظة الخليل لم يتم تبليغها بأي قرار، بخصوص نقل الصلاحيات لمجلس المستوطنات الأعلى.


وعبر عن عدم استغرابه في حال تمت مثل هذه الخطوة؛ لأن ما يقوم به الاحتلال في المسجد يترجم عمليا هذه الخطوة، فهو يسعى للسيطرة عليه وجعله خالصا للمستوطنين، حسب تعبيره.


ويقول إن مثل هذه الخطوة ليست أمرا مستغربا عما يفعله الاحتلال بحق المقدسات في فلسطين، وتحديدا المسجد الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي الشريف، مبينا أن الاعتداءات تتنوع وتتكرر في كل يوم.


ويوضح أن الانتهاكات المستمرة بحق المسجد إن دلت على شيء فهي تدل على محاولات فرض هيمنة وسيطرة على الحرم، بحيث يكون لقمة سائغة للمستوطنين من الداخل والخارج، وأن كل ما يتعرض له هو اعتداء صارخ على حركة المسجد، ويهدف لتأجيج الصراع واستفزاز المسلمين في مسجدهم التاريخي الأثري الذي له قيمة تاريخية بالنسبة لهم.


وحول نوايا الاحتلال بإقامة المصعد الكهربائي، يؤكد أبو اسنينة أن الأوقاف تقوم برصد أي اعتداء على المسجد مهما كان نوعه وحجمه، وأن الاحتلال حين يبادر بإنشاء مصعد كهربائي في مبنى تاريخي أنشئ منذ أكثر من ألفي عام فإنه يقوم بعملية تغيير كاملة لأهمية دينية.


ويضيف: "الاحتلال ينوي عمل مصعد؛ لتسهيل وصول المستوطنين من أصحاب الإعاقة وكبار السن للمسجد، وكذلك يخدم الاحتلال من حيث تغيير المعالم، وهو ما يريده منذ البداية؛ فلا يمكن الموافقة بأي شكل من الأشكال على تغيير أي معلم".


أما عن طبيعة الاعتداءات، فيرى أبو اسنينة أن أكبر اعتداء على المسجد هو وجود الاحتلال فيه، وأن حتى حرية العبادة لم تسلم من هذه الانتهاكات، حيث منع الاحتلال رفع الأذان أكثر من ٤٩ مرة خلال شهر تموز/ يوليو الماضي، ومنع المصلين من دخوله، وتحكم في دخول الناس، وتحديد أعداد المصلين واستفزاز المواطنين والمارة والوافدين إلى باحات المسجد كلها تشكل سلسلة اعتداءات يومية.


ويتابع: "لا يتوانى المستوطنون عن إقامة حفلات صاخبة في ساحات المسجد وداخله، وكذلك قاموا بنصب بيت متنقل فوق ما يسمى مبنى الاستراحة، وكل ذلك هو تثبيت وتكريس للاحتلال، وهو أكبر اعتداء موجود على الحرم، حتى أصبح هناك حاجز خوف لدى المواطنين، بحيث يتم منعهم من الدخول دوما".

التعليقات (0)