انطلقت عملية الكرامة العام 2014م وبنغازي تشهد عمليات قتل ممنهج وتفجيرات مدبرة استمرت لعامين وكانت كفيلة بتهيئة الرأي العام للقبول بأي عمل مضاد مهما كانت خلفياته أو نوايا عرابيه.
هذا المخطط المتقن هيج الرأي العام الليبي، وليس فقط "البنغازيين"، ودفع حتى المتحفظين على حفتر للقبول بعمليته العسكرية، والمقياس هو أن موجة الاغتيالات والتفجيرات التي طالت المئات من الضباط والرموز أعظم ضررا من مفسدة دعم حفتر في حربه، وهناك من النخبة والنشطاء من أيدوا حفتر في عمليته العسكرية على أساس أنها ستنتهي بالقضاء على الإرهاب في بنغازي.
لكن العقل المدبر يدرك أن عقول الناس مهيأة لقبول التطور والتحول من العملية المحدودة إلى المشروع الكبير الذي يهدف إلى السيطرة على مقاليد الأمور في البلاد والقضاء على كل منافس، حاضر أو حتى محتمل، والمطلوب فقط صناعة أحداث وتبني خطاب يبرر التطور والتحول في العمل العسكري من مرحلة إلى أخرى، ومن رقعة جغرافية إلى ثانية أكبر وأهم.
اغتيالات بالجملة نفذها موالون للكرامة
المذهل أن استعداد أنصار عملية الكرامة كان أكثر قابلية لكل ممارسات "الجيش" بما في ذلك الانتهاكات المريعة وفي مقدمتها التصفية الجسدية، والتي كانت مبرر إطلاق عملية الكرامة، فأصبحت المجموعات التابعة لعملية الكرامة ترتكب نفس الجرائم ضد المناوئين وتلقي بجثثهم على قارعة الطريق أو في مكبات القمامة، في مشاهد يعجز القلم عن وصف وحشيتها. وكشف فرج اقعيم، القيادي في عملية الكرامة، عن عشرات الحالات من الاغتيالات تم الوقوف عليها بالأدلة نفذتها مجموعات أمنية تابعة للقيادة العامة بالرجمة.
الصواريخ العشوائية
ذاقت بنغازي ويلات القصف العشوائي الذي أودى بحياة العديد من الأبرياء في المدينة، واشتغلت دعاية عملية الكرامة على أن الفاعلين هم الإرهابيون الدواعش، "الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة"، ودارت الأيام ليتورط المهاجمون للعاصمة طرابلس في فعل مشابه بل وأكثر وحشية، عبر قصف عشوائي روع سكان العاصمة واختطف أرواح العشرات من بينهم أطفال ونساء وشيوخ، وظهر عناصر تابعون "للجيش" يتوعدون العاصمة بالحرق، وبرز إعلاميون مناصرون للكرامة في مقابلات تلفزيونية وفي اتصالات مسربة يحرضون على تكثيف القصف ورفض دعوى المحافظة على أرواح المدنيين وأن لا قيمة لحياة كل من لم يلتحم بالقوات المهاجمة للعاصمة.
ثالثة الأثافي
كان من أبرز دوافع التحريض ضد مدن الغرب، خاصة مدينة مصراتة، أيام الحرب في بنغازي، هو الادعاء بدعمها لمجلس شورى ثوار بنغازي، الذي قاد المواجهات ضد عملية الكرامة، وصار مصطلح "جرافات الموت" البكائية التي هيجت شرائح واسعة من سكان الشرق ضد مصراتة. وأصبحت مصراتة في نظر إعلام وأنصار الكرامة الشريك في الإرهاب والإجرام باعتبار أنها الداعم للمقاتلين في بنغازي والمحتضن لأسرهم وذويهم.
لقد وقع أنصار الكرامة في ما اعتبروه سبة تلاحق مصراتة إلى أبد الآبدين، فها هم اليوم يدعمون المجموعات المسلحة في ترهونة ويساندونها بكل ما أوتوا من إمكانيات، بل ويحتضنونهم ويوفرون لهم الملاذ، وهم من هم في جرائمهم التي صارت حديث العالم ومحط بحث المنظمات الحقوقية الدولية، إذ لم يسمع العالم عن حوادث القتل بالجملة والمقابر الجماعية منذ تسعينيات القرن المنصرم.
نفذت مجموعات مسلحة تنتسب لترهونة القتل الجماعي الذي طال أسرا بأكملها مكونة من العشرات، من أطفال ونساء ورجال، فيقتل الطفل ذو الأربع سنوات، والشيخ البالغ من العمر ثمانين عاما، ثم يفرون إلى بنغازي ليصافح أنصار الكرامة الملطخة أيديهم بدماء المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، ويقدمون لهم كل الرعاية والحماية.
فهل بقي شيء من مبررات وذرائع الحروب والعدوان لم يتورط فيها أنصار الكرامة، وهل أصبح لدوافع إطلاق العملية أي معنى أو قيمة بعد أن تورط أنصارها في ما قاموا من أجل التصدي له؟!