كشفت دراسة صادرة عن الجهاز المركزي
المصري للإحصاء،
وهو الجهة الحكومية المعنية بإجراء البحوث المسحية على مستوى البلاد ويرخص للغير
القيام بأية دراسات ميدانية، انخفاض دخل 73.5 في المئة من المشتغلين بسبب تداعيات
كورونا، واضطرار 92.5 في المئة من الأسر بسبب انخفاض الدخل للاعتماد على أنواع أرخص من الطعام، من خلال تخفيض
الاستهلاك من اللحوم والطيور والأسماك والفاكهة إلى جانب تقليل كمية الطعام
بالوجبات.
وكشفت الدراسة أن 56 في المئة من الذين تم إستطلاع
رأيهم من المشتغلين أصبحوا يعملون أياما أقل أو ساعات عمل أقل، و26 في المئة
تعطلوا، و18 في المئة يقومون بالعمل ولكن بشكل متقطع.
ولمواجهة ظروف انخفاض الدخل بعد ظهور الفيروس قامت
نصف الأسر بالاقتراض، ولم يحصل سوى نسبة 5 في المئة فقط على المنحة الحكومية
للعمالة غير المنتظمة.
وهكذا كشفت الدراسة عن نتائج اجتماعية خطيرة تتمثل
في زيادة
البطالة والفقر، مما يتطلب تبني المسؤولين إجراءات عملية للتعامل مع تلك
الآثار، خشية تأثير المعدلات المرتفعة للبطالة على معدلات الجريمة والانتماء
للمجتمع.
وعندما تشير الدراسة إلى تحول 26 في المئة من
المشتغلين قبل ظهور الفيروس إلى التعطل بعد ظهوره، فهذا يعني عدم صحة ما تم إعلانه
رسميا من قبل عن بلوغ نسبة البطالة 7.7 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي،
ولا حتى ارتفاعها إلى 9.2 في المئة بنهاية نيسان/ أبريل الماضي، وهو أمر واضح للعيان
في ضوء الإغلاق الكامل والجزئي للعديد من الأنشطة خلال إجراءات الحظر للحركة.
ولا يتوقع في ضوء رفع حالة حظر الحركة بداية من
السابع والعشرين من حزيران/ يونيو الحالي؛ أن تتحسن معدلات التشغيل بشكل سريع، حيث
تنتمي غالبية تلك
العمالة المتعطلة إلى القطاع الخاص غير المنظم. كما بدأ تشغيل
العديد من الأنشطة كالمطاعم والمقاهي ودور الترفيه بنسبة 25 في المئة من طاقتها، مما
يعني الاستغناء عن جانب من العمالة السابقة في تلك المنشآت قبل ظهور الفيروس.
اقتراض نصف الأسر لسد الاحتىاجات
وهذا إلى جانب أثر خشية التعرض للعدوى التي ستمنع
الكثيرين من التعامل مع تلك الأنشطة لبعض الوقت، كما يؤدى نقص الدخول وتركز الإنفاق
على أصناف الغذاء الأساسية (الأرز والزيت والسكر) إلى الاستغناء عن العديد من أصناف
الطعام كاللحوم والطيور والفاكهة، فما بالنا بوجود فائض متاح للإنفاق على الخدمات غير
الأساسية، خاصة مع زيادة الإنفاق على المطهرات والأدوية والكمامات التي أصبح ارتداؤها
شرطا لاستخدام المواصلات العامة والتعامل مع الجهات الحكومية.
وعندما تشير الدراسة إلى أن نصف الأسر قد قامت بالاقتراض
لتغطية نفقات المعيشة، رغم تقليلها كمية الطعام في الوجبات وتقليل بعضها عدد
الوجبات، والاعتماد جزئيا على
مساعدات الأقارب والأصدقاء أو شراء الطعام بالأجل،
فإن سداد تلك الديون سيكون صعبا في ضوء استمرار دفع فواتير الخدمات المنزلية،
كمياه الشرب والغاز الطبيعي والكهرباء التي تم رفع أسعارها مؤخرا، وتوقع زيادة
أسعار المستوردات مع توقع انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار في الفترة المقبلة كأحد
شروط
صندوق النقد الدولي لمنح مصر
قرضا جديدا.
وهذا يحتاج لأنماط شعبية للإقراض الحسن بدون فوائد، والذي
يقتصر وجوده حاليا على مصرفين فقط، هما فيصل الإسلامي وناصر الاجتماعي، مع الحاجة
للقيام بنفس الإجراءات الإدارية والضمانات، مثل حالة اقتراض الآخرين للمبالغ
الكبيرة، وكذلك البقاء لفترة قد تطول لشهور للحصول على الموافقة الرسمية للقرض.
وتعد إشارة الدراسة إلى نسبة الأسر حصلت على المنحة
الحكومية للعمالة غير المنتظمة؛ دليلا على عدم كفاية تلك المنحة الحكومية، سواء من
حيث عدد الحاصلين عليها أو من حيث قيمتها ودورية صرفها. فقد كان التعداد
الاقتصادي
الأخير والذي تم قبل ظهور الفيروس، قد أشار لبلوغ عدد العاملين في القطاع الخاص
غير الرسمي داخل المنشآت 3.9 مليون شخص.
كما أشار بحث آخر لجهاز الإحصاء عام 2015 لبلوغ
العمالة خارج المنشآت 4.6 مليون شخص، مثل الباعة الجائلين وسائقي التاكسي بخلاف
عمال الزراعة، وهؤلاء (أي عمال الزراعة والصيد) ذكر جهاز الإحصاء أن عددهم في آذار/
مارس الماضي بلغ 5.2 مليون شخص. فنحن هنا نتحدث عن 13.7 مليون شخص يعملون في القطاع
الخاص غير الرسمي، بينما تحدثت وزارة القوى العاملة عن بلوغ عدد المستفيدين من
منحة العمالة غير المنتظمة 1.6 مليون شخص.
التبرعات تغطي تكلفة منحة العمالة
وبالنسبة لعدد المستفيدين من المنحة إلى عدد
العاملين في القطاع الخاص غير المنظم البالغ 13.7 مليون شخص؛ تقل النسبة عن 12 في
المئة، رغم أنه من المفترض أن هناك عمالة أخرى تضررت من تداعيات الفيروس، ضمن
أعداد العاملين في القطاع الخاص المنظم داخل المنشآت والبالغة 8.6 مليون شخص آخرين،
مما يعني أن نسبة الحاصلين على المنحة الحكومة إلى عدد المتضررين في القطاع الخاص
أقل من النسبة السابقة.
كما أن قيمة المنحة البالغة 500 جنيه تقل كثيرا عن
متوسط الأجر الشهري للعمل في
القطاع الخاص الوارد في التعداد الاقتصادي، والبالغ
2891 جنيه. كذلك فقد تم صرف الدفعة الأولى لتلك المنحة في النصف الأول من نيسان/
أبريل الماضي، بينما كان صرف الدفعة الثانية في النصف الثاني من حزيران/ يونيو،
بفاصل أكثر من شهرين.
وربما يقول البعض إن تلك الدفعة الواحدة من منحة
العمالة غير المنتظمة بلغت 800 مليون جنيه حسب وزارة القوى العاملة، وهنا نذكر ما
ورد عن مؤسسة ميا كمز من بلوغ قيمة التبرعات التي تمت لمواجهة الفيروس ثلاثة مليارات
و310 مليون جنيه، حصلت الحكومة منها على مليارين و73 مليون جنيه، كما حصل صندوق
تحيا مصر الخاضع لهيمنة الحكومة على 943 مليون جنيه، أي بلغ نصيب الجهتين أكثر من ثلاثة
مليارات جنيه، في حين تصل تكلفة الدفعات الثلاثة من المنحة للعمالة غير المنتظمة (التي
وعدت وزارة القوى العاملة بصرفها من البداية) 2.4 مليار جنيه.
اقتصار إعانات الطوارئ على السياحة
جهة أخرى ساهمت في دعم العمالة المتضررة من الفيروس،
وهي صندوق إعانات الطوارئ التابع لوزارة القوى العاملة، والذي تم الإعلان به عن
تخصيص 185 مليون جنيه به لصرف إعانات لنحو 178 ألف شخص من العاملين بالسياحة
المتضررين، وهذا الصندوق يحصل على موارده من خلال اقتطاع نسبة 1 في المئة من
الأجور الأساسية للعاملين في منشآت القطاع العام والخاص، أي أنه يصرف مما سبق له
تحصيله من اشتراكات.
وإذا كان الصندوق سيقوم بالصرف للعاملين بالسياحة في
2150 منشأة سياحية، فقد تقدمت له 3800 منشأة سياحية، مما يعني عدم تخصيص مبالغ
للصرف لباقي المنشآت السياحية المتقدمة البالغ عددها 1650 منشأة، رغم أن الأصل عند
إنشاء هذا الصندوق وحسب قانونه أنه يقدم إعانات في حالة الإغلاق الكلي أو الجزئي
للمنشآت أو تخفيض عدد العاملين فيها، في كل الأنشطة الاقتصادية وليس لقطاع السياحة
فقط.
وبالطبع، هناك العديد من الأنشطة المتضررة والتي يجب
أن يعاونها الصندوق، لكنه حصر نشاطه حتى الآن في مجال العاملين بالسياحة فقط، كما
يتطلب الأمر تعديل شروط عضوية المنشآت فيه، والتي تقتصر حاليا على المنشآت الخاصة التي
يعمل فيها 30 عاملا فأكثر، بينما كشف التعداد الاقتصادي الأخير أن عدد المنشآت التي
يعمل فيها شخص واحد يبلغ نصيبها 30 في المئة من إجمالي عدد المنشآت، والتي يعمل فيها
شخصان يبلغ نصيبها 37 في المئة من العدد الإجمالي، والتي يعمل فيها ما بين ثلاثة
إلى أربعة أشخاص 22 في المئة، والتي يعمل فيها ما بين خمسة إلى تسعة أفراد 8 في
المئة، ليصل النصيب النسبي لعدد المنشآت التي يعمل بها أكثر من عشرة أشخاص 2.8 في
المئة فقط، أي نحو 105 ألف منشأة من إجمالى 3.7 مليون منشأة.
twitter.com/mamdouh_alwaly