قضايا وآراء

ضم الضفة الغربية: خباثة سياسية.. أم لعبٌ بالنار؟

محمد الزواوي
1300x600
1300x600

ما تم طرحه تحت مسمى "صفقة القرن" لا يعدو كونه إطارا لمفاوضات مفترضة، وليس بأي حال من الأحوال اتفاقية، لعدم وجود طرف آخر على الجانب المقابل من الطاولة أو حتى معرفته بالموضوع من أساسه. بمعنى أن تلك الصفقة وتبعاتها على أرض الواقع قابلة للرفض عند توفر الإرادة لذلك، بصرف النظر عن طرح الصفقة بالطريقة السينمائية التي عُرضت بها أو الاسم الذي لا يخلو من الدراما الذي أطلق عليها! أما التعامل وكأنها أمر واقع وحل وحيد فهو غير دقيق من الناحية الفعلية، بل على العكس فإنها تتعارض برمتها والقانون الدولي وقرارات سابقة لمجلس الأمن، وأهمها ٢٤٢.

علينا أن ندرك بأن توقيت عرض الصفقة جاء في ظروف داخلية معينة مرت على انتخابات دولة الاحتلال، حيث عجز رئيس الوزراء في حينها عن حسم الانتخابات حتى بعد ثلاث جولات، حتى اضطر صاغرا للتنازل لغريمه والقبول بحكومة وحدة. يترك كل ذلك من الناحية العملية، هذا الإطار المسمى بالصفقة مجرد مقترح أو حتى توصيف لواقع فعلي عرض بطريقة تخدم غايات الاستهلاك المحلي لتحقيق مكاسب انتخابية وحسب، وربما بطريقة ما طوق نجاة رمته الإدارة الأمريكية في حينه لإنقاذ حليفها في انتخاباته.

ولأنه لا يوجد ثابت في عالم السياسة، فإن الظروف الآن قد تغيرت، وأضحت الإدارة الأمريكية بدورها بحاجة من يلقي لها بطوق النجاة عشية الانتخابات القادمة التي ربما أصبحت في أبعد نقطة عن الفوز بها، فبدأت بالتالي الضغط على حكومة الاحتلال لتأجيل الضم الكامل حتى قبيل الانتخابات الأمريكية المقبلة، في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، حتى تستخدم مجددا للاستهلاك المحلي، لكن هذه المرة في الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإن الإجراءات التي سمحت بها وسهلت حدوثها هذه الإدارة الأمريكية ليست وليدة الأمس، إنما هي نتاج سنوات وعقود طويلة من خطوات بنيت بدون مواربة على منهجية خاطئة للتعامل مع طرف محتل يتقن فن لي الأذرع على صعيد السياسة الدولية، بالإضافة إلى إجراءات أحادية على الأرض من طرف واحد جرت بقوة السلاح واختطاف الرأي العام العالمي لدرجة التواطؤ، بدون أية ردة فعل تذكر فيما عدا بعض الظواهر الصوتية هنا وهناك.

في الحقيقة، القدس سقطت من حسابات معظم الدول العربية يوم احتلالها بالكامل عام ١٩٦٧، حيث أدارت ظهورها لها الواحدة تلو الأخرى، كلٌ بحسب ظروفه، فيما عدا المملكة الأردنية الهاشمية التي تمسكت بوصايتها التاريخية على الديار المقدسة.

إذن الوضع اليوم بصفقة أو بدونها هو سيان، فمثلا وعلى سبيل الافتراض لو جاءت إدارة ديمقراطية قررت لسبب ما منح الفلسطينيين القدس الشرقية وكامل تراب الضفة الغربية، فهل سيوافق الطرف الآخر؟ الإجابة البسيطة لا. أما الإجابة الأقرب للواقع الفعلي فهي أنه لن يسمح للظروف بأن تصل به إلى هكذا خيار بالأساس.

باختصار، وقعت اتفاقية أوسلو تحت إدارة أمريكية معينة، وبناء عليه قبل العرب بسلطة منقوصة السيادة، وبدون إطار ضامن للمرحلة التالية، ثم طلب منها أن تجلس إلى طاولة المفاوضات بدون أية أوراق تقايض بها تلك السلطة باقي أرضها المنشودة. المصيبة أن يجيب أحدهم بأن الركيزة هي الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن، والتي هي بالأساس رهينة دولة واحدة منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، والتي شاء القدر بأن تكون هي نفسها الراعي الأول لطرف بعينه في تلك المفاوضات المفرغة من معناها.

في النهاية، الوضع الحالي على أرض الواقع هو مجرد "سلام" هش قام وبقي على أسس غير عادلة بعيدة عن الحق، وعدم وجود إرادة حقيقة، وبالتالي تغيير المقاربة مع هكذا طرف مراوغ هو المتغير الذي سقط من الحسابات، فإن ما حدث على الأرض وسيحدث من ضم لمستوطنات الضفة الغربية ما هو سوى مزيد من خطوات تتخذ نحو تصفية القضية برمتها، وبالتالي تهديد الأمن القومي الأردني نفسه، الذي تقع القضية الفلسطينية تاريخيا في قلبه.

في نهاية الأمر لا يصح سوى الصحيح، هذا يقين لا شك فيه! لكن فقط عندما يتم اتخاذ خطوات فعلية توقف الانتهاكات وتغيير الواقع على الأرض، بما أن المملكة الأردنية الهاشمية ومنظمة التحرير الفلسطينية على ما يبدو قد بقيتا وحدهما أمام ذلك التيار الجارف. فقد حان الوقت الآن للعب بكروت يملكها كل منهما على عكس ما يعتقد الكثيرون، خصوصا في ظل ظروف عدم اليقين التي تسيطر على الانتخابات الأمريكية، وبأن هناك من يعارض ضم الضفة الغربية داخل دولة الاحتلال ربما أكثر ممن يؤيدها.

 


التعليقات (0)