سياسة تركية

فروقات التدخل التركي بين الأزمتين السورية والليبية

شت حفتر هجوما على العاصمة الليبية طرابلس في نيسان/أبريل 2019- جيتي
شت حفتر هجوما على العاصمة الليبية طرابلس في نيسان/أبريل 2019- جيتي

باتت تركيا لاعبا إقليميا مهما مع تنامي تأثيرها وتدخلها في الأزمتين السورية والليبية.


وطيلة الأعوام الماضية، شكلت الأراضي السورية والليبية مسرحا لصراع تشارك به قوى إقليمية وعالمية، سواء عبر التدخل المباشر أو بدعم أطراف محلية بكلا الدولتين.  


وتستعرض "عربي21" أبرز الفروقات في التدخل التركي بين الأزمتين السورية والليبية، من خلال آراء محللين سياسيين وخبراء في العلاقات الدولية.


ويلخص الباحث في العلاقات الدولية جلال سلمي في حديثه لـ"عربي21" أبرز الفروقات بين التدخل التركي في الأزمتين السورية والليبية في النقاط التالية:

 

أولا: الأهداف
على الصعيد السوري: تدخلت تركيا لحماية مصالحها الأمنية في البلد المجاور لحدودها، ومن أجل إزالة ما تعتبره خطرا والمتمثل في المجموعات الكردية المسلحة.

 

ودفع التدخل الروسي في الأزمة السورية بتركيا لتأخذ دورا أكثر للحيلولة دون توسع السيطرة الروسية.

 

وتولت تركيا عملية إدارة الهيئات السياسية للمعارضة السورية، وشكلت حلقة وصل بين المعارضة وأمريكا والغرب.

 

وقدمت تركيا  دعما عسكريا لفصائل المعارضة السورية ضد النظام.

 

وتحاول تركيا أن تكون حلقة وصل بين الدول المنتجة للطاقة (دول الشرق) والدول المستهلكة (دول الغرب).

 

على الصعيد الليبي: تواصل تركيا تطبيق استراتيجية حلقة الوصل بين الدول المنتجة للطاقة والمستهلكة لها.

 

وتعمل على حماية مصالحها الجيواقتصادية في المتوسط، بما يتضمن إمكانية التنقيب عن الطاقة في المياه الإقليمية للمتوسط.

 

اقرأ أيضا: صحيفة: بعد خسارة حفتر.. الإمارات تفتح جبهة الصومال مع تركيا
 

وتحافظ تركيا على العقود الاستثمارية في ليبيا والمقدرة بـ30 مليار دولار، والتي تم توقيعها مع نظام القذافي قبل الثورة.

ثانيا: شكل التدخل
في سوريا، كان التدخل التركي بداية بلعب دور سياسي وأمني لتزويد المعارضة بالأسلحة وتأهيلها سياسيا، وبدأ التدخل العسكري المباشر داخل الأراضي السورية في شباط/فبراير2015 بذريعة الحفاظ على آثار تركية قرب الحدود، تلاها ثلاث عمليات عسكرية بارزة "درع الفرات" في 2016، و"غصن الزيتون" في 2018، و"نبع السلام" في 2019.

 

في ليبيا، عاد الدور التركي عام 2017 بعدما انسحبت من المشهد في 2014 إثر الانقلاب العسكري للجنرال خليفة حفتر، وكانت بداية التدخل عبر المسار الاقتصادي والتنموي وتقديم الدعم لحكومة الوفاق.

 

ولاحقا تطور التدخل إلى دور استشاري استخباراتي، وصولا إلى مذكرة التفاهم بين الجانبين في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وبموجب الاتفاق قدمت تركيا لحكومة الوفاق مساعدات عسكرية لوجستية (أبرزها طائرات الدرونز) إضافة للمساعدات الاستشارية مع دعم على الأرض ببعض المقاتلين السوريين.


ويوجد تشابه بين أفق التدخل التركي في سوريا وليبيا، إذ بات واضحا أن أهداف تركيا تحولت من "أهداف مطلقة" إلى تحقيق "السيطرة النسبية"، أي أنها تخلت عن هدف إنهاء النظام السوري، كما لا يمكنها تحرير كامل التراب الليبي.

 

وفي كلا الحالتين تحاول تركيا فرض وقائع على الأرض ثم الاتجاه للتفاوض لتحقيق منجزات سياسية.

ثالثا: المنجزات
في سوريا، استطاعت تركيا تشكيل حزام أمني على حدودها بنسبة 70 بالمئة، بما يؤهل تركيا لنقل المعركة داخل الحدود السورية بما يسمى "الدفاع الهجومي".

 

وتم تحصين هذا المنجز بتوقيع اتفاقيات مع روسيا، إضافة إلى دفع المسار السياسي إلى حد ما بانضمام النظام السوري إلى محادثات أستانة، بما يشكل أرضية لاعتماد الاتفاقيات من مجلس الأمن.

 

وأسست تركيا أرضية لتطبيق إعادة اللاجئين إلى الأراضي السورية.

 

وهيأت لنفسها مسارا قويا من خلال اللعب على تناقضات القوى المختلفة، بحيث تبقي الأطراف المتناقضة مثل روسيا والغرب بحاجة لدورها، وتكون بذلك الدولة الإقليمية التي تحقق التوازن بين الأطراف المتخاصمة في المنطقة.

في ليبيا، تعد اتفاقية ترسيم الحدود خدمة كبيرة للمصالح التركية، واستعادة لحقوقها الجيواقتصادية في البحر المتوسط.


وضمنت استرجاع العقود الموقعة مع نظام القذافي، وإعادة توقيعها مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

 

وأثبتت للعالم أنها قوة لا يستهان بها، فخلال أيام وصلت قوات حكومة الوفاق إلى سرت، بعد تحرير العديد من المناطق.

 

اقرأ أيضا: تركيا تتقدم بطلبات تراخيص التنقيب عن النفط بليبيا

وتقترب تركيا من تفكيك تحالف الطاقة بين "إسرائيل ومصر واليونان" إذ باتت "إسرائيل"  تلمح مؤخرا إلى إمكانية التفاوض مع تركيا حول مد خط غازها عبرها، وليس عن طريق مصر واليونان، وذلك بفعل الحاجز البحري الذي رسمته تركيا عبر المتوسط.

 

وقوّت تركيا الجبهة الغربية في ليبيا باعتبارها قوة مساندة يمكن الركون إليها لتحقيق التوازن بين القوى المختلفة، بعدما كان التواجد فيها محصورا على الجانب الإيطالي.


وأثبتت تركيا أنها قوة توازن أمام روسيا وتدخلها المتنامي في المنطقة.

 

واستطاعت حكومة الوفاق بفضل الدعم التركي استعادة السيطرة على عدد من المناطق في الغرب الليبي، إضافة إلى تمكن تركيا من تحييد الناتو الذي كانت فرنسا واليونان تدفعان باتجاه تدخله مؤخرا في الأزمة.


وجعلت تركيا بصيص أمل لحكم مدني في ليبيا بعيدا عن الحكم العسكري الدكتاتوري المدعوم من دول "السعودية والإمارات ومصر".


ويمكن لسيطرة حكومة الوفاق على مساحة واسعة من الأراضي الليبية أن يوفر ضغطا على حفتر وداعميه لإعادة إنتاج النفط الليبي.

رابعا: العراقيل
في سوريا، المستند القانوني للاتفاقيات الموقعة بين تركيا وروسيا غير مكتمل دوليا، ما يعني أن روسيا والنظام يمكنهما نقض هذه التفاهمات الثنائية.


وتعتمد تركيا على معارضة هشة وغير متماسكة. يتبين ذلك من حالة انفلات الفصائل، وعدم قدرتها على تقديم نموذج إدارة سليم للمناطق المحررة، بما يحفظ أمن السكان ويقدم خدمات جيدة لهم.


وتواجه تركيا حملات إعلامية غربية تعارض تدخلها في الأزمة السورية.


وممكن أن تواجه ضغوطا فرنسية وبريطانية، بعد تزايد حضور الدولتن في منطقة شرق الفرات مؤخرا، خاصة فرنسا التي تحاول تقديم نفسها بديلا عن تركيا، في حال انسحبت الولايات المتحدة من تلك المناطق وتوجهت إلى الحدود.


وتواجه تركيا التدخل الاستخباراتي العربي "الإماراتي السعودي"، من خلال محاولة دعم الأكراد ودفعهم لمواجهة تركيا، ومن خلال دعم النظام السوري، ومن خلال تحريض روسيا على تركيا.


وتفتقر المناطق المحررة للمشروعية الإدارية، إذ عجزت تركيا عن تقديم الخدمات الإدارية والاقتصادية لسكان هذه المناطق.

في ليبيا، تعتمد حكومة الوفاق على مجموعات مسلحة أو ما يسمى (الثوار) وهي لا ترقى لتكون جيشا منظما، وبعض الشخصيات والمجموعات المنضوية بداخلها ملاحقين دوليا.


وتعتبر المسافة الجغرافية عائقا أما تحقيق تركيا منجزات كبيرة جدا في الساحة الليبية، خاصة مع رفض الجزائر وتونس التعاون في ذلك.


وتواجه تركيا جبهة داعمة لحفتر ممثلة بعدة دول: فرنسا وروسيا والإمارات والسعودية ومصر.


وتشكل التحالفات الموجودة في شرق المتوسط بين مصر واليونان وإسرائيل تحديا لتركيا، وحتى لو اتفقت "إسرائيل" مع تركيا على نقل خط الطاقة عبر أراضيها، لكنها لن تقبل بالسيطرة التركية الكاملة وستتعامل معها بالند.

 

وربما تشكل الولاءات القبلية تحديا لمساعي تركيا وحكومة الوفاق في السيطرة على مزيد من الأراضي الليبية.

هل توازن تركيا بين الأزمتين؟
يرى المختص في العلاقات الدولية علي باكير أن تركيا أبدت قدرة على إدارة الملفين الليبي والسوري بكفاءة عالية حتى اللحظة، معتبرا أن ما تحققه من تقدم في الملف الليبي سينعكس إيجابا على دورها في سوريا وفي شرق المتوسط، وفي المنطقة بشكل عام.

 

وفي المقابل، ينبه باكير في حديثه لـ"عربي21" إلى أنه كلما ازداد اللاعب التركي قوة في الملفين السوري والليبي كلما زادت الضغوطات الاقتصادية والسياسية من الدول التي ترى في الدور التركي خطرا عليها.

 

اقرأ أيضا: الإستراتيجية الروسية لمحاصرة أوروبا الغربية والتأثير على سياسة تركيا

 

ويقول: "هذه الضغوطات قد تتسبب بنوع من التوتر في العلاقات بين تركيا وهذه الأطراف، وأبرزها في الملف الليبي هو فرنسا ومصر والإمارات وروسيا، وفي الملف السوري روسيا والنظام وإيران".

 

وعن قدرة تركيا أن تحصد ثمرة هذا التدخل وترجمته على الصعيد الأمني والاقتصادي والسياسي، يعتقد باكير أن ذلك "سؤال مفتوح، والإجابة عليه تحتاج بعض الوقت في الملفين".

 

ويشير إلى وجود تصعيد حاليا في جبهات إدلب بسوريا، وأحد أهدافه الضغط على تركيا كي تخفف من دورها في ليبيا.

 

هل تأخر تدخل تركيا في ليبيا؟
يرى أستاذ العلاقات الدولية إلياس الباروني أن حكومة الوفاق تأخرت كثيرا في استدعاء الدعم التركي لها بمواجهة هجوم حفتر والدول الداعمة له على العاصمة طرابلس منذ نيسان/أبريل 2019.

 

وفي حديثه لـ"عربي21" يشير إلى أن الشعب الليبي وحكومة الوفاق والثوار المساندين لها صمدوا قرابة عام كامل أمام الهجوم بدون أي دعم دولي، وبقدرات عسكرية ضعيفة وبسيطة جدا، واعتمدوا على الأهالي في توفير الأكل والشرب، وعلى المتطوعين من الناحية المالية وفي شراء الأسلحة.

 

ويعتقد أن التدخل التركي يساعد حكومة الوفاق في السيطرة على كامل التراب الليبي وليس بهدف رد العدوان فقط.

 

ويؤكد على أهمية استمرار تركيا في دعم حكومة الوفاق، خاصة مع تلقي حفتر دعما عسكريا من عدة دول.

 

ويوضح ذلك: "إذا كان لا يوجد تدخل دولي في الأزمة الليبية، وبقي تمرد حفتر تمردا من جماعة ليبية على حكومة الوفاق فإن الأمر يختلف، لأن الثوار يستطيعون وحدهم السيطرة على الأرض الليبية حينها".

التعليقات (0)

خبر عاجل