هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: المتاهة اللبنانية سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان (1918 ـ 1958)
الكاتب: رؤوفين أرليخ، تعريب محمد بدير
الناشر: دار معراخوت ووزارة الحرب الصهيونية، الطبعة الأولى 2019،(871 صفحة من القطع الكبير).
مؤلف هذا الكتاب الذي صدر بالعبرية عن وزارة الحرب الصهيونية في كانون الثاني (يناير) سنة 2000 هو رؤفين ايرليخ جنرال صهيوني بولندي الأصل مختص في الشؤون اللبنانية والسورية والفلسطينية.. خدم إيرليخ في الجيش الصهيوني لمدة ثلاثين عاماً في قسم المخابرات وتقاعد سنة 1994، يتولى حالياً منصب مدير مركز مائير عميت لشؤون الأمن و"الإرهاب" الذي تأسس سنة 2002 بهدف جمع وتحليل المعلومات المتعلقة بـ "الإرهاب" وتقديم الدراسات والاقتراحات للأجهزة الأمنية والسياسية الصهيونية. ولهذا المركز مكتب خاص في وزارة الحرب الصهيونية.
خلال السنوات ما بين 1985 و2000 كان إيرليخ نائباً ليوري لوبراني منسق النشاطات الإسرائيلية في لبنان بعد الاحتلال الصهيوني سنة 1982. وبحكم هذا المنصب كان على اطلاع وثيق على شبكة العلاقات السياسية والعسكرية التي أقامها الصهاينة مع عملائهم في لبنان، وخلال الفترة ما بين 1991 و1993 شارك إيرليخ ضمن الوفد الإسرائيلي في المفاوضات اللبنانية ـ الإسرائيلية في واشطن ـ وأنجز هذا البحث الأكاديمي وحصل على شهادة دكتوراه من جامعة تل أبيب سنة 1998.
هذا الكتاب الذي يحمل العنوان التالي: "المتاهة اللبنانية سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان01918 ـ 1958)"، ويتكون من مقدمة، وثلاثة أجزاء: الجزء الأول: سياسة الحركة الصهيونية تجاه لبنان خلال الانتداب (1918 ـ 1947) ويحتوي على 3 فصول، الجزء الثاني: موقع لبنان في السياسة الإسرائيلية خلال حرب الاستقلال (29 تشرين ثاني / نوفمبر1947 ـ 23 آذار / مارس1949)، ويحتوي على 5 فصول، الجزء الثالث: سياسة إسرائيل تجاه لبنان في الخمسينيات (1949 ـ 1958) ويحتوي على 8 فصول، إضاقة إلى ملحق الخرائط والوثائق .
يعدّ هذا الكتاب خلاصة رؤية وتفحص الكاتب إيرليخ للعلاقات بين المشروع الصهيوني في فلسطين منذ بداياته وحتى العام 1958 مع أطراف لبنانية بالاستناد إلى وثائق سرية وتقارير لأجهزة الأمن الصهيونية بكافة فروعها، ولقاءات شخصية ومحاضرات لكبار العسكريين والسياسيين الصهانية.
فقد نشر هذا البحث قبل أشهر معدودة من تحرير جنوب لبنان من الصهاينة وعملائهم في 25 أيار / مايو 2000، وكانت تجربة الكيان الصهيوني مع احتلال لبنان مرة ودموية، بحيث أجبروا على الفرار تاركين ورائهم العملاء الذين استأجروهم واستعملوهم كأكياس رمل للدفاع عن جنودهم.
الجذورالتاريخية لنشاط قادة الحركة الصهيونية في لبنان
وإذا كانت التجربة الصهيونية مع لبنان حتى سنة 1958 بمثابة "متاهة" بالنسبة لإرليخ كما جاء في عنوان كتابه، فماذا يا ترى سيكون العنوان التالي لتأريخ فترة ما بعد 1958 والتي حفلت بسلسلة متواصلة من الجرائم والمجازر والاحتلالات والخيانات التي أزكمت الأنوف؟
قد يدعي البعض أن هذا الكتاب مبالغ فيه، وإن صاحبه هدف إلى الفتنة أو تشويه تاريخ الساسة والصحافيين ورجال الدين في لبنان، إلا أن الواقع هو أن هذا الكتاب موجه بالدرجة الأولى إلى الجمهور الصهيوني الذي كان حتى تاريخ صدوره عام 2000 في الكيان الصهيوني، يعيش تحت وطأة عمليات المقاومة اللبنانية، مستقبلاً عشرات الجثث والجرحى القادمين من أرض لبنان بالتأكيد كان آخرهم للمؤلف عندما أنجز هذا البحث هو ماذا سيقول عنه بعض اللبنانيين، وهو الذي خبر التعامل معهم وجندهم وسلحهم لمصلحة المشروع الصهيوني في فلسطين؟
سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان، خلال فترة الانتداب وسنوات الخمسينات، هي أمر لم يحظ تقريباً بالاهتمام البحثي المنهجي والشامل حتى حرب لبنان،
لماذا الموارنة؟
في إطار هذه الدراسة، سيتم بحث علاقات الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل مع الموارنة خلال فترتي الانتداب والخمسينيات، وكذلك القضية المثيرة للاهتمام بحد ذاتها: هل يمكن النظر إلى هذه العلاقات بوصفها جذور التعاون معهم خلال حرب لبنان، لكن خلافاً للأبحاث التي نشرت حتى الأن، العلاقات مع الموارنة ليست محور هذه الدراسة، ذلك أن محاولة بحث سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان من زاوية العلاقات مع الموارنة تعاني من خلل على الصعيد المنهجي، وتنطوي على انحياز واضح يعود إلى حرب لبنان ونتائجها الخلافية. فالعلاقات مع الموارنة شكلت وسيلة واحدة من جملة وسائل، ولم تكن دائماً الأهم والأجدى، لدفع المصالح السياسية، الأمنية، الاقتصادية والاستيطانية في لبنان قدماء كما جددت في فترات مختلفة من قبل قيادة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل.
في إطار البحث سيتم تحليل هذه المصالح، والسبل التي انتهجت من أجل تحقيقها وطريقة إدارة السياسة تجاه لبنان مع التوقف عند أوجه مختلفة ذات صلة بفهم الموضوع كذلك سوف يتم بحث التعاون مع البريطانيين في المسألة اللبنانية خلال مقاطع زمنية مختلفة في فترة الانتداب، منظومة العلاقات مع الحكومة اللبنانية خلال فترة الانتداب وسنوات الخمسينيات، منظومة العلاقات مع أبناء الطوائف المختلفة: الموارنة، الدروز، الشيعة والسنة: الخلفية الإيديولوجية والمفاهيمية للسياسة تجاه لبنان: التطورات في لبنان والعالم العربي التي أثرت على علاقات لبنان مع الحركة الصهيونية وإسرائيل، طريقة إدارة السياسة الصهيونية والإسرائيلية تجاه لبنان على المستويين الشخصي والمؤسساتي، الصلات المتبادلة بين التطورات الداخلية في المشروع الاستيطاني ودولة إسرائيل وبين السياسة تجاه لبنان؛ ومكانة لبنان على جدول الأولويات السياسية الشرق أوسطي للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل في الخمسينيات.
وقد جرى التركيز بشكل خاص على الدور الذي لعبه، خلال الانتداب والخمسينيات، دافيد بن غوريون ووشيه شاريت، الشخصيتان المهيمنتان في المشروع الاستيطاني ودولة إسرائيل في سنوات عمرها الأولى. كلاهما لعب دوراً رئيسياً في بلورة السياسة الشرق أوسطية للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل، بما في ذلك السياسة تجاه لنبان، لدى كليهما، تبلورت في فترة الانتداب تصورات أساسية تعتبر أن نهر الليطاني هو الحدود الطبيعية لأرض إسرائيل وأن مياه الليطاني حيوية لري أرض إسرائيل، وأن الطائفة المارونية، حاملة راية القومية اللبنانية، هي الطائفة المهمة المؤثرة في لبنان، وأن الموارنة هم حلفاء طبيعيون للمشروع الاستيطاني ولدولة إسرائيل وينبغي تركيز معظم الجهود السياسية تجاههم، وأنه من المتعذر تحصيل جدوى كبيرة من العلاقات مع بقية الطوائف، وخصوصاً الشيعة من بين الإثنين، كان موشه شاريت الأكثر وعياً لأهمية التغييرات التي شهدها لبنان في بداية الأربعينيات ولتداعياتها على التصورات الأساسية المعتمدة وعلى السياسة تجاه لبنان، لذلك طالب شاريت في الخمسينيات باستخلاص العبر اللازمة من هذه التغييرات، ويخفض إلى درجة كبيرة مستوى التوقعات السياسية التي تبلورت خلال فترة الانتداب من الموارنة ومن لبنان بشكل عام، من جهته واصل بن غوريون خلال فترة حرب الاستقلال وفي الخمسينات النظم السياسية مساعدة الموارنة على العمل من أجل إحداث تغيير في طابع وحدود لبنان يتطرق هذا البحث للخلاف الذي اندلع بين الرجلين في المسألة اللبنانية ولنتائجه في إطار الإضاءة على نقاش شخصي ومفاهيمي أوسع حصل بينهما في النصف الأول من الخمسينات.
تقسيم إرث الدولة العثمانية
يشتمل البحث على فترة تبدأ عام 1918 أي نهاية الحرب العالمية الأولى، وتقسيم إرث الولايات العثمانية العراق وسوريا ولبنان واحتلالها من قبل الحلفاء في الحرب العالمية الأولى وتنتهي فترة البحث عند الأزمة التي اندلعت في لبنان بين عامي 1957 ـ 1958 والتي عصفت بالبلد وبالشرق الأوسط كله وحملت تباشير الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان منتصف السبعينات.
ويمكن في السنوات الأربعين التي يشتمل عليها البحث تمييز ثلاث فترات فرعية بارزة تمت معالجتها برؤية مقارنة: 1918 ـ 1947، فترة الانتداب البريطاني لأرض فلسطين والانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان : 1947-1949، فترة نشأة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وإقامة دولة إسرائيل. وسيسلط البحث الضوء على مسارات الاستمرارية والتحولات في السياسة الإسرائيلية تجاه لبنان خلال الانتقال من سياسة الحركة الصهيونية الـ "ما قبل دولتيه" إلى السياسة التي بلورتها وأدارتها دولة إسرائيل إبان العقد الأول من عمرها.
تبلورت في فترة الانتداب تصورات أساسية تعتبر أن نهر الليطاني هو الحدود الطبيعية لأرض إسرائيل وأن مياه الليطاني حيوية لري أرض إسرائيل، وأن الطائفة المارونية، حاملة راية القومية اللبنانية، هي الطائفة المهمة المؤثرة في لبنان، وأن الموارنة هم حلفاء طبيعيون للمشروع الاستيطاني ولدولة إسرائيل وينبغي تركيز معظم الجهود السياسية تجاههم
يستند البحث إلى عدد من المصادر الأولية والثانوية الركيزة الأساسية هي مادة أرشيفية تعكس السياسة تجاه لبنان في مراسلات زعماء الحركة الصهيونية، قادة دولة إسرائيل مسؤولي الوكالة اليهودية (خصوصاً القسم السياسي)، موظفي وزارة الخارجية، قادة الـ "هاغاناه" وجيش الدفاع الإسرائيلي مصلحة الأخبار (الجهاز الاستخباري التابع لمؤسسات المشروع الاستيطاني) والاستخبارات الإسرائيلية الأرشيفات التي جمعت منها المادة الأساسية هي: الأرشيف الصهيوني الرئيسي في القدس؛ أرشيف الدولة في القدس، أرشيف الجيش الإسرائيلي في "غلعاتايم" أرشيف معهد تراث بن غوريون في سديه بوكر؛ أرشيف تاريخ "هاغاناه" في تل أبيب؛ أرشيف شعبة الاستخبارات العسكرية في تل أبيب "أرشيف إياد تابناكين" في رامات أفعال؛ وأرشيف حزب العمل في تل أبيب إضافة إلى ذلك، تمت الاستفادة من مواد أرشيفية محلية في كفار جلعادي والمطلة شكلت استكمالاً للمادة الأرشيفية الرئيسية..
واستكمالاً للمادة الأرشيفية جرت الاستفادة أيضاً من عدة مصادر إضافية أولية وثانوية منشورات رسمية ووثائق، بما في ذلك محاضر ومخلصات اجتماعات اللجنة التنفيذية الصهيونية، إدارة الوكالة اليهودية، الحكومة المؤقتة لدولة إسرائيل والحكومة الإسرائيلية في الأعوام الأولى من قيام الدولة. إلى ذلك ينبغي أن نضيف الكراسات الخاصة يتوثق تاريخ السياسة الخارجية لدولة إسرائيل التي نشرها خازن الدولة، والوثائق التي نشرت في لبنان والولايات المتحدة وبريطانيا.
مذكرات صهيونية تجاه لبنان
المذكرات كتبت اليوميات، الرسائل والشهادات التي نشرها مسؤولون في الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل ممن كانوا على صلة بعملية صناعة القرار وإدارة السياسة تجاه لبنان وثمة أهمية خاصة لمذكرات دافيد بن غوريون وموشيه شاريت، سواء التي نشرت على الملأ، أو تلك التي لا تزال موجودة في أرشيف تراث بن غوريون في سديه بوكر وفي أرشيف الجيش والتي تمكنا من الاطلاع عليها.
عشرات المقابلات والشهادات والمحاضرات الخاصة، بشكل أساسي، بشخصيات إسرائيلية كانت على صلة بإدارة سياسة الحركة الصهيونية تجاه لبنان، أو كان لديها علاقة جيدة مع صناع القرار أو منفذي السياسات، بعض المقابلات أجريت من قبل معد البحث وبعضها الأخر من قبل باحثين آخرين في إطار أبحاث أخرى. بطبيعة الحال، ثمة قيود على الذاكرة البشرية بعد مرور فترة طويلة إلى هذا الحد. لكن رغم ذلك، في بعض الحالات، شكلت المقابلات استكمالاً مهماً للوثائق المكتوبة، وفي حالات خاصة لا يوجد فيها شهادات مكتوبة، شكلت مصدراً وحيداً وقيماً لفهم أوجه مختلفة من السياسة تجاه لبنان.
بعض المصادر الثانوية من اختصاصات أكاديمية مختلفة تشمل الكتب والمقالات والأبحاث في مجال السياسة والأمن والاستيطان والاقتصاد. وعلى وجه خاص استعنت بكتاب لورا آيزنبرغ "عدو عدوي، لبنان في مخيلة الصهيونيين الأوائل" الذي يبحث بشكل موسع علاقات الحركة الصهيونية مع المسيحيين الموارنة خلال فترة الانتداب، وكذلك بأطروحة الدكتوراه الخاصة بآيال زيسره "تحدي الاستقلال: لبنان خلال فترة حكم بشارة الخوري (1943 ـ 1952)" الذي يعد مصدراً مهماً لفهم الخلفية اللبنانية الداخلية للسياسة الصهيونية والإسرائيلية تجاه لبنان خلال فترة الانتداب ومطلع الخمسينات.
الصحافة الإسرائيلية واللبنانية والعربية وخلاصة البث الإذاعي من فترة الانتداب والخمسينيات.. شكلت هذه المصادر استكمالاً للمصادر الأخرى.. وتعتبر أهميتها بالنسبة لهذا البحث ثانوية لأن موضوع البحث، بطبيعة الحال، لم يحظ بتغطية إعلامية كبيرة، وفي الحالات التي حصل فيها على التغطية كانت المعلومات مشوبة بعدم الدقة والتوجيه.