قامت الدنيا ولم تقعد على الممثل
المصري أحمد الرافعي وتصريحاته المؤلمة عن فرج فودة. كان الرافعي قد استحوذ على إعجاب الجمهور العريض بتجسيده شخصية المتطرف
الإرهابي، وقد مدحته أقلام كثيرة وشخصيات عامة، أيضا الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، لبراعته في أداء الدور.
إلا أن هذا الإعجاب سرعان ما انقلب إلى سخط عام، جراء تصريحه المستفز؛ حول "نفوق" فرج فودة. وسرعان ما نادى المعظم بإهالة التراب عليه، بل من الضروري مساءلته على تصريحه المستفز.
إن ما استرعى انتباهي في هذه "الملهاسأة" تصريحات الرافعي ذاته في صفحته على فيسبوك. وعلى صعيد آخر، استخدامه لفظ المتأسلمين (المثير للضحك إلى حد الدموع)، حيث أطلق ذلك التعبير في أحد المداخلات معه، وقتها استخدم المذيع أسلوب العتاب والعشم والطبطبة، وما إلى ذلك من أمور باتت تُستخدم كثيرا وباتت ميزة في إعلامنا.
نحن أمام مشهد عبثي بامتياز. ممثل ناشئ يرى في المفكر فرج فودة أنه إرهابي يصوب أفكاره لهدم الناس، ويساوي بينه وبين الإرهابيين. وفي المشهد نفسه، نجد الرأي العام العلماني، يطالب بإقصائه وتهميشه بل ومحاكمته.
على الجانب الآخر، نجد أن الرأي العام مرتبك مشوش. وفي حقيقة الأمر أجد الرافعي كممثل لا بد أن يأخذ حقه كاملا من الناحية المهنية. إن موقفه الفكري المضطرب والمشوش لا بد أن نناقشه على أرضية من الوعي والعلم، ليس بالسب والشتم والإقصاء والاغتيال المعنوي.
فالقوى المدنية تنادي بحرية الرأي، ولكنها تعطلها مع أول رأي مختلف لتصوراتها ومبادئها. مسألة الرافعي، كشفت بما لا يدع مجالا للشك؛ تلك البركة الآسنة الراكدة، من الأفكار التي تُسجل وفاتها عند أول مواجهة صريحة.
ليس المطلوب إعدام الرافعي، ولكنْ مطلوب أيضا إعادة النظر في المنظومة التعليمية والثقافية والفنية والإعلامية؛ التي أُفسدت عن عمد طوال الأربعين سنة الماضية، وما تزال عرضة لبيئة مسمومة تغرقها دون هوادة في الفساد، فكان إحدى نبتاتها أحمد الرافعي وغيره في الوسط الفني.
يعاني الكثيرون من ازدواج المفاهيم، فهم يمارسون عملهم الفني بمهنية دقيقة، ولكن داخلهم توجد بذور
التطرف والتزمت، وما تلبث أن تظهر في مواقف ما من الحياة، لنكتشف حجم الجريمة التي ارتكبت في حق الأجيال المتلاحقة. الرافعي لن يكون الأخير، ولكن المسألة أخطر وأعمق مما نتصور.. محبتي.