كتاب عربي 21

ليلى والذئب: الأرض وكورونا

أحمد عمر
1300x600
1300x600
سنجد خصائص تربط كورونا بأسطورة المستذئب، مثل العدوى الشديدة. وقد يذكِّر سعال المصاب بكورونا بالعواء. وهناك تشابه بين وحدة الذئب والحجر الصحي، ويُضرب المثل بوحدة الذئب وسكون الليل. فيلم "الرقص مع الذئاب" يروي قصة حب على أعتاب زوال حضارة الهنود الحمر وولادة أمريكا، يُنقل دنبار إلى حصن فورت هايز، فيعيش تلك العزلة، في حصن مهجور مهدّد بهجمات الهنود الحمر. وهناك خصيصة أخرى هي مدة الحضانة التي تبلغ نصف شهر، وتوافق مدة تحوّل الإنسان المستذئب إلى ذئب. عقدت الأساطير عقدة الشراكة بين الذئب والقمر بدراً؟

ويمكن أن نتذكر رائعة الفرزدق "وأطلس عسَّال"، يقول في أحد أبياتها:

وَأنتَ امرُؤٌ، يا ذِئبُ، وَالغَدْرُ كُنتُما    أخين، كَانَا أُرْضِعَا بِلِبَانِ

والبحتري الذي لقي ذئباً أصابه الجوع، وكان الشاعر جائعاً أيضاً، فلم يجد بدَّاً من قتله وشيِّه وأكله، وفي ذلك يقول:

كلانا بها ذئب يُحدِّثُ نفسَه    بِصَاحبِهِ، والجَدّ يُتْعِسُهُ الجَدُّ

والشاعر قيس بن عمرو بن مالك الملقّب بالنجاشي، الذي يذكر في قصيدته أنه رأى حوض ماء في الخلوات وذئباً يعوي حوله من شدِّة العطش. فيتذكر المنبوذ الذي خلعه قومه وطردوه من عالمهم، ولم يكن العربي أخوف منه من الإفراد والنبذ، وينشد كيف أنه دخل في حوار مع الذئب، وعرض عليه صداقته، ولكن الذئب رفض هذه الصداقة ورجاه أن يمكّنه من الماء. فيتأثر الشاعر بقرينه:

فقلت: عليك الحَوضُ.. إني تركته    وفي صفوه فضل القلوص من السَّجْل

الذئاب ترفع رؤوسها باتجاه البدر وتعوي عواءها الذي يبعثر سكون الليل، وكأنه يناديه. ذكر العلماء أنَّ الذئاب إنما ترفع رؤوسها حتى يعلو عواؤها وينتشر. وهي مخلوقات ليلية النشاط، وتوافق أيضاً حالات الهيجان البشري في وقت اكتمال القمر، وانتهاء حضانة الفيروس الذي ينضج بعد هذه المدة ويكشف اللثام ويسفر عن وجهه. تعلن مستشفيات المجانين حالات الطوارئ في الغرب، وقد أُعلنت حالة الطوارئ في نصف الكرة الأرضية تقريباً، فيما يشبه الجنون، وكأن الكوكب الأرضي الذي كان يعِدُ بالفردوس، تحوّل إلى مشفى مجانين.

في الشرق، لا مشافي مجانين كثيرة سوى القصور الملكية والرئاسية، وهي في إعلان طوارئ منذ نصف قرن، ولا علاقة بين هذه القصور وبين البدر، العلاقة هي بينها وبين الشمس.

المسلمون يحتجمون في وسط الشهر، ويصومون الأيام البيض تقليلاً للماء في جسم الإنسان كما يظنُّ بعض الشرّاح. ويُظنُّ أنَّ للحجامة علاقة بجاذبية الماء والبدر، والغربيون عموماً يظنّون أنَّ ثمة نسب وقرابة بين الجنون والقمر.

نعود إلى الإنسان الذئب الذي بشَّر به الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز في أشهر أقواله: "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان"، وهو أحد أبرز فلاسفة القرن السابع عشر. وكان الممثل ناجي جبر يكرر قوله في مسلسلات الثنائي دريد ونهاد: إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، على لسان أبو عنتر. تقول الأسطورة الأولى في نشوء أسطورة الذؤيب إنه سخط آلهة رومانية إلى بشر يأكلون لحم البشر فمسختهم ذئاباً.

الصينيون، وهم الذين ظهر فيهم المرض أول ما ظهر، يأكلون كل ما يدبُّ، ورأيت فيلماً وثائقيا لهم وهم يقصّبون جثثاً بشريَّة، ويعلِّبون لحمه للطعام والتصدير أيضاً، هذا لحم يؤكل صراحة، والدول العظمى والصغرى تأكل لحوم البشر مجازاً بالاستغلال والظلم، فعرق الإنسان الذي يجفُّ من غير أن ينال أجره أكلٌ للحمه.

الأسطورة الثانية في المستذئب وراثية، وهي أيضاً من رومانيا، تقول الأسطورة إن "كورنفيليوس" نبيل عاش في قرية أصابها بعد حين وباء، مات الجميع من أثره ما عداه، وكأنما اكتسب مناعة من نوع ما، جاء من بعده ثلاثة أولاد، أحدهم عضَّه الخفاش فصار مصاص دماء، والآخر عضَّه الذئب فأصبح مستذئباً، والأخير حُكم عليه أن يمضي وحيداً في طريق البشر الفانين. مثّلتْ هذه الأسطورة في فيلم "Underworld". وفي رومانيا هناك آلهة ذئب. لنتذكر أن كورنفيليوس نبيل! النبلاء هم الذئاب! النبالة خُلق وليس دماً أزرق يجري في العروق.

الأسطورة الثالثة تقول: إنَّ عائلة اقطاعية في القرون الوسطى، اسمها "سخاروزان" حكمت البلاد بالحديد والنار إلى أن صابت اللعنة النسل في البلاد، فوُلد الأطفال مذؤوبين، وكان المرض يبدأ باسوداد لون البول ثم المغص، وبعدها يتحولون إلى مسوخ ذئاب تعدي كل من تعضه وتصيبه باللعنة، وهي اسطورة تضمر ارتباط الجشع بالاستذئاب.

من أشهر الحكايات التي تتحدث عن الذئب حكاية "ذات القبعة الحمراء"، ونعرفها باسم ليلى والذئب، يتنكر الذئب في صورة جدة الفتاة البريئة ليخدعها، وهي قصة ذات رموز جنسية، فالقبعة الحمراء تشير إلى بلوغ ليلى، والذئب هو الذكر.

لاحظ ابن سينا لدى أحد مرضاه كثافةً في الشعر وكبراً بالجبهة وخوفاً من الضوء، وقد أسماه حينها بـ"القُطرب". وجد الباحثون أن هنالك محاربين أسطوريين يدعون البرسركيين (Berserkers)، عرفوا بوحشيتهم وعنفهم في القتال. لا يخافون، ولا يشعرون بالألم، وقوتهم البشرية خارقة، ويقاتلون حتى الموت. وكانوا استعداداً للحرب يرتدون جلود الدببة أو الذئاب!

للمستذنب في الأساطير أعداء لدودون هم "مصاصو الدماء"، وهناك أسطورة خاطئة عن المستذئب تقول إنَّ مصاصي الدماء أقوى. يقال إنَّ المغوليينا سكنوا تايلند فيما مضى، كانوا يشربون دماء الذئب لاعتقادهم أنه سيعطيهم قوة المستذئب، ويرتدون جلود الذئاب ليصبحوا أقوياء في المعركة، وكذلك حرس صدام حسين، والمارينز..

شائعٌ أنَّ مصاصي الدماء يرمزون إلى النبلاء، بينما يرمز المستذئب إلى الطبقة العاملة والكادحة، أمَّا الزومبي أو الموتى الأحياء فيرمزون إلى الطبقة الفقيرة. لا يفرّق ذئب كورونا بين فقير وغني. في الأساطير يُقتل المستذئب برصاصة أو سكين من فضة.

الصين أحرقت آلاف الجثث، وفي كوريا الشمالية، يُقتل المصابون، وتذكر الأخبار أن إيطاليا تحرق الجثث، وهذه شعائر وثنية لم تكن في أوروبا المسيحية. إن المسلمين واليهود يواجهون خطر حرق جثثهم.

كان الذئب قد تنكر للكيد بليلى والتهامها، ليلى التي بلغت، وكَعُبت، والالتهام اغتصاب للشرف، وبرهان ذلك قبعتها الحمراء، وقد بلغت الأرض، واحمرَّت من الدماء، وحمي الوطيس، فظهر الذئب كورونا المتنكّر، الذي افترس جدتها. أكثر ضحايا ذئب كورونا من الجدود والجدات. أصل اسم كورونا من الملك والتاج. الدول تنفق الذهب الأصفر والأحمر ولا تجد رصاصة تقتله بها.

"ذئبة كابيتولينيا" في موزي كابيتوليني بتلة كابيتوليني في روما، إيطاليا. إحدى أيقونات "مؤسسي روما"، منحوتة منذ العام 1473، ذكرى إزاحة "نوميتور" والد التوأمين رومولوس ورموس عن العرش من قبل "أموليوس"، وذلك وفقاً لأسطورة التأسيس، حيث أمرهما بالقفز في نهر التيبر، فأنقذتهما أنثى ذئب عُرفتْ باسم لوبا، ليجدهما الراعي "فاستولوس" وليقوم بتربيتهما. وإيطاليا إحدى أكثر الدول في ضحايا الفيروس الذئب.
التعليقات (1)
أماني
الأحد، 01-11-2020 08:43 ص
مقال شيّق ورائع سلمت يداك