كتاب عربي 21

كورونا والذكرى السنوية لإلغاء الخلافة: أين العالم الإسلامي اليوم؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
في السابع والعشرين من شهر رجب من العام 1342هجرية (الموافق في الثالث من آذار/ مارس 1924) تم اتخاذ القرار من قبل الزعيم التركي كمال أتاتورك لإلغاء الخلافة الإسلامية لتحل محلها الجمهورية التركية المستمرة حتى اليوم.

واليوم تأتي الذكرى التاسعة والتسعين (حسب التقويم الهجري) لإلغاء الخلافة، في ظل انشغال العالم كله بأزمة انتشار وباء أو فيروس كورونا، والحديث حول كيفية مواجهة هذا الفيروس المجهول وانعكاسه على خريطة العالم اليوم، والتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية التي سيؤدي إليها هذا الوباء وتداعياته المستقبلية، والتي لم يستطع العلماء والباحثون والمفكرون الاستراتيجيون تقديرها حتى الآن، بانتظار جلاء الأوضاع في الأسابيع والأشهر المقبلة.

والملاحظ أن الذكرى السنوية التاسعة والتسعين لإلغاء الخلافة الإسلامية لم تحظ بالكثير من الاهتمام في الأوساط العربية والإسلامية، باستثناء بيان أصدره حزب التحرير والكلمة التي وجهها أمير الحزب بالمناسبة مساء الاثنين الماضي.

ومن غير المعروف إذا كانت حركات وقوى إسلامية احتفلت بالذكرى أو أصدرت بيانات بالمناسبة، وحتى تنظيم داعش الذي أعلن إقامة الخلافة الإسلامية مجددا في سوريا والعراق قبل عدة سنوات لم تصدر عنه مواقف جديدة أو بيانات في هذه المناسبة.

وقد لا يكون من الأهمية رصد البيانات أو ما صدر بالمناسبة اليوم لأن العالم كله، ومن ضمنه العالم الإسلامي، مشغول بقضايا خطيرة وأهمها مواجهة فيروس كورونا وتداعياته، إضافة للحروب والصراعات المنتشرة في الكثير من الدول العربية والإسلامية. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الاثنين الماضي، إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم، من أجل حماية من "يواجهون خطر التعرض لخسائر مدمرة بسبب فيروس كورونا".

لكن السؤال الأهم اليوم: أين دور العالم الإسلامي في هذه المواجهة العالمية؟ وأي دور لعبته دول الخلافة الإسلامية على مر تاريخها في مواجهة الأزمات العالمية؟ وكيف كانت الأوضاع الصحية في دول الخلافة الإسلامية؟

طبعا لا يمكن تقييم كل تجربة الخلافة الإسلامية بشكل سريع وفي مقال صحفي لأنها كانت تجربة طويلة ومرت في مراحل متعددة، ولم تكن الخلافة الإسلامية على صيغة واحدة منذ وفاة الرسول ودور الخلافاء الراشدين، مرورا بكل المراحل الأخرى وصولا للسلطنة العثمانية ونهاية الخلافة الإسلامية، لكن هناك مراحل مهمة في تاريخ هذه الخلافة كانت أحوال العالم الإسلامي على افضل الصور وانتشرت العلوم الطبية والمستشفيات وكل أشكال الحضارة المتطورة، وبرز علماء وأطباء ومخترعون مسلمون تركوا بصمات كبيرة على صعيد الحضارة العالمية، ولا يزال هؤلاء يشكلون مرجعا كبيرا لكل العلوم الطبية الحديثة.

لكن المهم اليوم: أين هو العالم العربي والإسلامي في مواجهة الوباء الجديد؟ وأين هم العلماء العرب والمسلمون في اكتشاف الأدوية واللقاحات لمواجهة هذا الوباء؟ وما هو واقع المستشفيات والمؤسسات الصحية في الدول العربية والإسلامية؟

من يتابع أخبار الوباء وكيفية معالجته والوقاية منه يلحظ أن العالم اليوم ينتظر ما ستنتجه المختبرات العلمية والطبية في الصين وألمانيا وفرنسا وأمريكا وبريطانيا، وهناك متابعة لما يقوم به الأطباء الإيرانيون من محاولات لمعالجة المرضى في ظل التحدي الكبير الذي تواجهه إيران من انتشار هذا المرض. وبعض المسلمين استعاد بعض الأحاديث والروايات عن الرسول محمد حول الوقاية من الطاعون، وقد نالت هذه الروايات اهتماما عالميا كونها تدعو للعزلة وعدم التنقل وكتبت عنها بعض الصحف الغربية، لكن ذلك لا يلغي الواقع البائس الذي تعاني منه الشعوب العربية والإسلامية في مواجهة هذا المرض، مع أن حجم الانتشار في هذه الدول قد يكون أقل من غيرها من الدول الأوروبية وأمريكا والصين وكوريا الجنوبية.

وبعض العرب والمسلمين نظروا لهذا الوباء من منظور أخلاقي وتربوي فقط، فالبعض اعتبره ابتلاء ربانيا، ومنهم من اعتبره فرصة لعودة الناس إلى الله والأخلاق الحميدة والتفكر بالله ونعمه، وإن كان الوجه الآخر للوباء أنه اضطر السلطات والمرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية لوقف صلوات الجماعة والجمعة أو القداديس، وصولا لإقفال أماكن العبادة وهذه وجه آخر لهذه المأساة.

لكن المهم اليوم أن نسأل عن دورنا كعرب ومسلمين في مواجهة هذا الوباء، ولماذا لا نتوحد للعمل من أجل مواجهته والمساهمة في التقدم العلمي وتقديم العلاجات المناسبة له، وأن نكون المساهمين في التخفيف من انعكاساته الإنسانية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية.

يبدو حسب المعلومات الأولية أن دولة الصين بدأت تتقدم في احتواء المرض، وهي ترسل المساعدات للدول الاوروبية وبعض الدول العربية والإسلامية للتخفيف من آثاره، في حين أن دولا أوروبية ترفض مساعدة دولها المجاورة، وأمريكا تريد الحصول على اللقاح لوحدها، وهي تواجه تحديات مختلفة اقتصادية واجتماعية، وهي مستمرة بفرض الحصار على دول أخرى كفنزويلا وإيران، والعالم كله مشغول بدراسة الآثار المالية والاقتصادية والاجتماعية لهذا الوباء.

وأما على الصعيد العربي والإسلامي، فالسؤال الأهم: هل يمكن أن يشكل انتشار هذا الفيروس القاتل فرصة لوقف الحروب والصراعات والعمل بشكل مشترك لمواجهة هذا التحدي الجديد، واعتبار التضامن الإنساني والاجتماعي له الأولوية على كل خلافاتنا؟

في زمن الكورونا وفي الذكرى السنوية التاسعة والتسعين الهجرية لإلغاء الخلافة الإسلامية، فلنستعد الصفحات الإيجابية من هذا التاريخ كي نعود إلى دورنا الحضاري والإنساني والإيجابي في العالم، بدل أن ننتظر ما ينتجه الآخرون لنا، سواء كان حروبا أو أسلحة أو ثقافات، أو أدوية ولقاحات جديدة.
التعليقات (0)