هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشيع في أوساط المسلمين إرشادات وتوصيات تحثهم وتوجههم إلى التداوي بالقرآن الكريم؛ لمعالجة جملة من الأمراض العضوية والنفسية، تأسيسا على الآيات القرآنية التي وصفت القرآن بأنه شفاء، وأخذا بالأحاديث الواردة في الحث على التداوي ببعض سور القرآن الكريم.
وتشير
مصادر تفسير القرآن الكريم، التي اطلعت عليها "عربي21"، إلى أن العلماء اختلفوا في
تفسير قوله تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ
لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) إلى قولين:
"أحدهما أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وإزالة الريب..، والثاني أنه شفاء
من الأمراض الظاهرة بالرقي والتعوذ ونحوه"، وفق ما ذكره الإمام القرطبي في
تفسيره.
ويُعزز
أصحاب القول الثاني رأيهم بالاستشهاد بالحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، عن أبي
سعيد الخدري أن ناسا من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أتوا على حي من أحياء
العرب، فلم يقروهم (يضيفوهم)، فبينما هم كذلك إذ لُدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من
دواء أو راق، فقال: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جُعلا، فجعلوا لهم
قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ، فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي عليه الصلاة والسلام، فسألوه، فضحك وقال:
"وما أدراك أنها رقية، خذوها واضربوا لي بسهم".
ويستنبط
الحافظ ابن حجر العسقلاني، أحد شراح صحيح البخاري المعروفين، في شرحه لهذا الحديث
أن فيه ما يدل على "جواز الرقية بكتاب الله، ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء
المأثور، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور"، ويذهب العلامة ابن
القيم إلى القول: "فقد تضمن هذا الحديث حصول شفاء هذا اللديغ بقراءة الفاتحة
عليه، فأغنته عن الدواء، وربما بلغت من شفائه ما لم يبلغه الدواء".
من جهته، أكدّ الأكاديمي الشرعي السوري، المتخصص في الفقه الإسلامي، الدكتور إبراهيم سلقيني، أن قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) شامل بعمومه لكل
الأمراض، المعنوية والعضوية والنفسية، لكن الشريعة أكدّت في الوقت نفسه على وجوب
الأخذ بالأسباب، وقد أرشدت الأحاديث النبوية إلى ذلك، كما في قوله عليه الصلاة
والسلام: "لكل داء دواء، فإذا أُصيب دواء الداء، برأ بإذن الله عزَّ
وجل".
وأضاف
لـ"عربي21": "وهذا يدل على وجوب البحث عن الدواء عند الأطباء، مع
التعلق الكامل بالله، والتضرع إليه، واللجوء إلى السور والآيات القرآنية التي ورد
في بعض الأحاديث الاستشفاء بها، كسورة الفاتحة وغيرها".
ولفت سلقيني
إلى أن حديث أبي سعيد الخدري في رقية الملدوغ بالفاتحة، وحصول الشفاء من السمّ
بها، يدل على جواز التداوي بها في الأمراض النفسية كذلك بقياس الأولى، وهو ما
يستفاد كذلك من عموم قوله تعالى (وننزل من القرآن ما هو شفاء..).
وشدد على
أننا مأمورون من الناحية الشرعية بـ"الذهاب إلى أهل الاختصاص من الأطباء طلبا
للعلاج، ولا مانع في الوقت نفسه من أن يرقي المريض نفسه، أو يرقيه أحد أهل العلم
والصلاح، فالخير كله في الجمع بين الأخذ بالأسباب الممكنة، بالذهاب إلى الأطباء من
أهل الاختصاص، مع التوكل على الله، وطلب الشفاء منه سبحانه".
من جهته، رأى
الباحث الإسلامي المصري، معتز شطا، أن "آيات القرآن فيها شفاء لما في الصدور،
وهذا عام يُراد به الخاص، فليس المقصود بالشفاء هنا أنه شفاء للأمراض العضوية،
كتضيق الشرايين التاجية مثلا، أو التهابات الشعب الهوائية، ولكنه شفاء من الأوهام
والوساوس والجهل، فضلا عن أمراض القلوب الأخرى من حقد وحسد وغل، إضافة إلى كونه
شفاء من أمراض الشبهات والشهوات بصفة عامة".
وردا على
سؤال "عربي21" حول ما جعله يستبعد أن يكون القرآن الكريم شفاء للأمراض
العضوية، ذكر شطا أننا "لو تتبعنا لفظ شفاء في القرآن لوجدنا أنه قد ورد في
أربعة مواضع، منها ثلاثة مواضع تذكر الجوانب المعنوية، كقوله تعالى (شفاء لما في
الصدور)، فذكر الصدور لا الأبدان".
وتابع: "وكذلك ربط الشفاء بالرحمة للمؤمنين في آية، والهدى في آية أخرى (قُلْ هُوَ
لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ)، لكن حينما تحدث عن شفاء الأبدان لعموم الناس
ذكر عسل النحل، فقال: (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ
فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ)، فهذا شيء عضوي، والآخر معنوي قلبي".
وذكر شطا
أن "ما يتعلق بالأمراض والهموم النفسية قد يندرج بعضها في إطار الجوانب
المعنوية، بما يتركه القرآن من آثار طيبة في نفوس قارئيه، من الاطمئنان والسكينة،
كما في قوله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، لكن فيما يخص الأمراض العضوية، فلا بد فيها من الأخذ بالأسباب، بالتماس العلاج عند أهل الاختصاص من الأطباء وسائر
التخصصات الطبية الأخرى".
من جانب
آخر، كيف يمكن للخطاب الديني، في غمرة تفشي مشاعر الهلع والذعر التي اجتاحت العالم بسبب
انتشار وباء كورونا أن يساهم في تهدئة روع الناس، وبث الطمأنينة في أوساطهم؟ أجاب
الباحث الشرعي والداعية الفلسطيني، خباب مروان الحمد، بقوله: "الواجب عند جزع
الناس وخوفهم، بثّ الطمأنينة بينهم، وتسكين أنفسهم، ودفع قلقهم، والمنافحة عن
أمنهم وأمانهم".
وأضاف في
منشور عبر صفحته على الفبسبوك: "إن معرفتنا بالخطر أو الضرر الناشئ عن الآفات
والأوبئة، لا يُمكن أن تُقاوم بنشر المخاوف، فطبيعة المجتمعات مسكونة بالخوف،
وطبيعة الإنسان أنه هلوع جزع، كما قال تعالى { إنّ الإنسان خُلق هلوعا* إذا مسّه
الشرُّ جزوعا}، وطبيعة المرض المعدي أن الناس ترهبه وتخشى منه، وهذا حقهم"،
داعيا إلى تطمين الناس، ورفع معنوياتهم، والامتناع عن تخويفهم وترويعهم، ببث
الإشاعات والأخبار الكاذبة.
اقرأ أيضا: هل تسقط العبادات الجماعية بسبب انتشار وباء كورونا؟