هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد أسواق النفط صدمة حادة، على خلفية إطلاق السعودية موجة إغراق للأسواق، إثر خلافات مع روسيا، في 6 آذار/مارس الجاري، رغم تدهور الأسواق بالفعل، جراء أزمة انتشار فيروس كورونا الجديد حول العالم، ولا سيما في الصين، أكبر مستورد للخام.
ومع بداية مداولات الأسبوع الماضي، سجلت أسواق النفط أسوأ أداء منذ عام 1991، إذ انهارت الأسعار أكثر من 24%، لتصل إلى 31.13 دولار للبرميل، بحسب تقرير لموقع قناة "سي أن بي سي" الاقتصادية.
ولم تتوصل السعودية، أكبر منتج في منظمة "أوبك"، وروسيا، التي تقود مجموعة منتجين مستقلين، إلى اتفاق في إطار مجموعة "أوبك+"، خلال اجتماع عقد في 6 آذار/ مارس، بشأن تعميق خفض الإنتاج، الذي أرادته الرياض، ومن ثم ارتفاع الأسعار في الأسواق، أو المضي بالمستويات ذاتها، وهو ما أرادته موسكو.
وبررت الرياض موقفها بضرورة مواجهة الأزمة المترتبة على انخفاض الطلب في الصين، فيما اعتبرت موسكو أن الأسعار كانت مناسبة، وأن رفعها سينعش إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة.
إلا أن المملكة لم تترك مجالا لجولة مباحثات ثانية، حتى أعلنت العزم على ضخ مليون برميل إضافي يوميا (من سقف 12 مليون برميل يوميا إلى سقف 13 مليونا)، وخفض الأسعار بواقع ست إلى ثمان دولارات لعقود نيسان/ أبريل، وتبعتها بذلك الإمارات، التي تعهدت هي الأخرى بضخ مليون برميل في الأسواق، فيما قالت روسيا إنها ستزيد الإنتاج بواقع نصف مليون برميل يوميا.
ورغم انهيار الأسعار، فإن الولايات المتحدة لم تظهر انزعاجا إزاء احتمال تضرر شركات النفط لديها، إذ رحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بذلك، معتبرا أنه سيكون في صالح مواطني بلاده وأعمالهم، إذ إن أسعار المشتقات النفطية لديها معومة بالكامل.
ويشير تقرير لوكالة "بلومبرغ"، ترجمته "عربي21" في وقت سابق، إلى أن أكبر المتضررين من الأزمة الحالية هم المنتجون الأكثر هشاشة، والأكثر اعتمادا في موازناتهم على أسعار مرتفعة، ولا سيما إيران، التي تعاني أصلا من عقوبات أمريكية قاسية، ومن كارثة جراء تفشي وباء كورونا.
كما أن الصين، التي كان يفترض أن تستفيد من هذه الأزمة، كأكبر مستورد للخام في العالم، فإنها تعاني من ضعف الطلب والنمو، فضلا عن تقارير أشارت إلى رفض المملكة طلبات من شركات آسيوية لشراء النفط بعقود نيسان/ أبريل، مقابل استئجار العديد من الناقلات العملاقة لشحن النفط إلى الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد احتفى بذلك في وقت سابق، قائلا إن بلاده ستستغل الأزمة لملئ مخازنها بشكل كامل.
وتاليا، تستعرض "عربي21" أبرز الصدمات التي شهدتها أسواق النفط على مدار العقود الخمسة الماضي:
أزمة 1973
بالتزامن مع حرب تشرين الثاني/ أكتوبر من ذلك العام، التي أعلنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل، فرضت الدول العربية المنتجة للنفط حظرا على إمداد دول تدعم الاحتلال، وأبرزها الولايات المتحدة، ما تسبب بارتفاع الأسعار 400%، من ثلاث دولارات إلى 12 دولارا للبرميل. وأطلق على تلك الأزمة اسم "صدمة النفط الأولى"، وكانت لها انعكاسات اقتصادية متعددة.
أزمة 1979
أو "صدمة النفط الثانية"، إذ انخفضت إمدادات الخام وارتفعت الأسعار على خلفية توقف ضخ النفط الإيراني، جراء أحداث الثورة على نظام الشاه. ورغم أن الانخفاض لم يتجاوز 4%، إلا أنه تسبب بذعر في الأسواق العالمية، وارتفعت الأسعار بأكثر من الضعف إلى 39.50 دولار خلال 12 شهرا.
ويظهر الشكل أدناه تغير أسعار النفط منذ عام 1970 إلى اليوم، معدلة بقيمة الدولار الحالية:
انهيار 1986
شهدت الثمانينيات وفرة كبيرة للخام في الأسواق العالمية، فقد بدأ ذلك العقد بسعر 35 دولارا للبرميل، ثم انحدرت الأسعار عاما بعد آخر، إلى أن انهارت من 27 دولارا إلى 10 دولارات عام 1986، وذلك جراء تباطؤ الاقتصادات الصناعية على خلفية أزمتي السبعينيات. أضر الانهيار بشكل كبير بالعراق، الذي كان يخوضا حربا طاحنة مع إيران، كما زاد الضغوط على الاتحاد السوفييتي المتداعي آنذاك، فيما مكن الولايات المتحدة واليابان وأوروبا من ملء المخزونات والتعافي من آثار صدمات السبعينيات، وجاء في وقت مناسب للصين الصاعدة.
صدمة 1990
بشكل مفاجئ، ارتفعت أسعار الخام في الأسواق العالمية خلال النصف الثاني من ذلك العالم، بأكثر من الضعف، إلى 36 دولارا للبرميل، على خلفية الغزو العراقي للكويت. لم يستمر الارتفاع طويلا، إذ سرعان ما تدخل تحالف بقيادة واشنطن ضد بغداد، ما ساهم في تحجيم أضرار الصدمة.
اقرأ أيضا: MEE: فوضى أسعار النفط.. كيف ترتد مقامرة الرياض بالمليارات؟
انهيار 1998
خسر سعر برميل النفط أكثر من نصف قيمته في الفترة بين تشرين الأول/ أكتوبر 1997 وتشرين الثاني/ نوفمبر 1998، ليصل إلى حدود العشر دولارات، وذلك بعد أن رفعت دول "أوبك"، بقيادة السعودية، سقف الإنتاج بـ10%، ما دفع دولا منتجة أخرى لدخول السباق على الحصص السوقية، وأجبر العراق على ضخ المزيد من الخام رغم كونه الأكثر تضررا من انهيار الأسعار، الذي خدم مجددا الولايات المتحدة والدول الصناعية. وتكرر المشهد ذاته بشكل محدود مطلع عام 2002 قبيل الغزو الأمريكي للعراق، ما أنهك بغداد بشكل كامل، والتي كانت تعاني أصلا من عقوبات قاسية.
اضطراب 2008- 2009
ارتفع الخام إلى سعر قياسي منتصف عام 2008، متجاوزا 147 دولارا للبرميل، بحكم عوامل كثيرة، أبرزها زيادة الطلب، ولا سيما من الصين، وتراجع قيمة الدولار، وازدياد المخاوف إزاء انخفاض الاحتياطيات النفطية. لكن برميل النفط سرعان ما خسر ثلثي تلك القيمة، بحلول منتصف عام 2009، جراء الأزمة الاقتصادية العالمية.
انخفاض 2014- 2016
تعود الجذور القريبة لأزمة النفط الحالية إلى انهيار عام 2014، الذي استمر حتى نهاية عام 2016، عندما تهاوت الأسعار من سقف 98 دولارا للبرميل، في حزيران/ يونيو، إلى 47 دولارا نهاية 2014، وواصلت الانخفاص حتى 23.5 دولار مطلع عام 2016.
وذكرت العديد من التقارير آنذاك أن ما يجري إنما هو محاولة من السعودية وروسيا، أكبر منتجين في العالم، لعرقلة شركات استخراج النفط الصخري الأمريكية، لكن أكثر من عامين من الفوضى لم تمنع النفط الصخري الأمريكي من التدفق نحو الأسواق، بل إن الولايات المتحدة، التي أطاحت بروسيا من المركز الثاني وبالسعودية من المركز الأول عامي 2012 و2013 على الترتيب، واصلت الحفاظ على صدارة الإنتاج.
أكثر من ذلك، فإن الانخفاض الهائل في الأسواق مكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، من تحقيق إنجازات اقتصادية كبيرة، يحصد سلفه دونالد ترامب ثمارها، إذا باتت نسبة البطالة في أدنى مستوياتها منذ عقود جراء تحرك عجلة الإنتاج والتجارة. في المقابل، لم تتمكن الصين من حصد ثمار ذلك الانخفاض، رغم كونها أكبر مستورد للطاقة في العالم، إذا كانت تعيش عام 2014 تباطؤا غير مسبوق في النمو منذ 24 عاما.
وشكل خفض الأسعار ضربة موجعة للاقتصاد الإيراني، رغم توقيع الاتفاق النووي عام 2015، الذي رفعت بموجبه عقوبات قاسية عن كاهل البلاد. وإثر فوز ترامب بالرئاسة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أعلنت منظمة الدول المنتجة والمصدرة للخام "أوبك" عن البدء بخفض الإنتاج لضبط الأسعار، مع تعهدات بالالتزام من قبل روسيا ودول نفطية أخرى من خارج المنظمة، وهي توليفة عرفت لاحقا باسم "أوبك+".
وبالفعل تعافت الأسعار، وتجاوزت 63 دولارا للبرميل نهاية 2017، وواصلت الارتفاع حتى سقف 76 دولارا منتصف 2018، فيما عادت العقوبات الأمريكية على طهران، بل وبأشد من السابق، بعد تمزيق ترامب للاتفاق النووي.