قضايا وآراء

شبح "كورونا" في إيران

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

راج على مواقع التواصل الاجتماعي أن "ضيفا غير مرغوب به"، انتقل إلى داخل إيران، قبل أسابيع من الإعلان عن وصوله رسميا من قبل وزارة الصحة الإيرانية، التي ظلت تنفي ما كان يشاع عن انتقال عدوى "كورونا" إلى البلاد، إلا أنها في التاسع عشر من الشهر الجاري، أكدت اكتشاف حالات إصابة بالفيروس، معلنة بعد ذلك بساعات تسجيل حالتي وفاة في مدينة قم، التي سرعان ما تحولت إلى بؤرة لتفشي "كورونا" في إيران، ودول جارة، لوجود رعاياها فيها، قصدوا زيارة العتبات الدينية.

 

من السخرية والفكاهة إلى الذعر 

في بادئ الأمر، لم يأخذ الإيرانيون الأنباء الرسمية عن انتقال "كورونا" إلى البلاد بجدية، فتعاملوا معه بفكاهية وسخرية، كعادتهم في مثل هذه الحالات، لكن بعد تأكيد حالات وفاة وتزايدها بشكل مستمر، أصبحوا يعيدون النظر في الموقف، حتى اجتاحت الشارع حالة هلع وذعر، وصار الكل يبحث عن الكمامة الواقية والمواد المعقمة، مطلين على مواقع التواصل، بحثا عن معرفة طرق الوقاية من المرض. فاشتدت الضغوط النفسية بطريقة غير مسبوقة، وهي ضغوط لم يكد يمر يوم خلال العامين الأخيرين، إلا وتعرض لها المواطنون الإيرانيون لها، نتيجة كوكتيل الأحداث والتطورات وتراكمها وتسارعها، تنوعت أشكالها وطبيعتها بين ما هو سياسي واقتصادي أو اجتماعي وبيئي، وذلك منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، بالثامن من أيار (مايو) 2018. 

وكانت الضغوط الاقتصادية الهائلة على خلفية العقوبات الأمريكية الشاملة والقاسية، وأخطاء في إدارة الاقتصاد داخليا، في صدارة عوامل الضغط، حيث تراجعت القوة الشرائية للإيرانيين بشكل مستمر، ليستيقظون في كل يوم على أسعار جديدة للسلع والخدمات. وإلى جانب تصعيد الحرب الاقتصادية، زادت التوترات السياسية بشكل مستمر مما أثار المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية، بعد اقتراب التوترات إلى نقطة انفجار في حالات متعددة. 

 

الكوارث الطبيعية تعمق المعاناة

البيئة والطبيعة من جهتها، وقفت على الضفة الثانية للمواجهة والتصعيد إلى جانب هذه الحوادث العسكرية والسياسية والاقتصادية، فتارة من خلال حملة زلازل، أصبحت ملازمة يومية للحياة في إيران، وتارة عبر تلويث الجو، الذي وصل هذا العام لمستويات خطيرة شلّت الحياة التعليمية لأسابيع في مدن عدة، وتارة من خلال سيول وفيضانات جارفة، ضربت البلاد عدة مرات.

 

بعد مرور نحو عشرة أيام على الإعلان عن ظهور "كورونا"، أصبح الشعب الإيراني يشهّر سلاح الفكاهة والنكتة في مواجهته، بغية تخفيف الآلام والمعاناة.


إلا أن من بين تلك الحوادث المتنوعة، كورونا المستجد له مفاعيل مختلفة، وهي أشد وطأة، حيث أوصل الضغوط النفسية على المواطن الإيراني، إلى الذروة، لتداعياته الجمة، ليس فقط لجهة مخاطر صحية تنجم عنه فحسب، وإنما لكون هذا الضيف غير المرغوب به، يفاقم تبعات الحصار الاقتصادي إلى أسوإ المستويات، بعدما أصبح ينجح في فعل ما عجزت عنه واشنطن، فمن جهة، أدخل التجارة الداخلية في انكماش، وأجلس الجميع في بيوتهم، وألحقت أضرارا بالغة بالأسواق كافة، ومن جهة أخرى، أصبح يسدّ المنافذ الاقتصادية التي ظلت تفتح أمام إيران على ضوء العقوبات الأميركية، بسبب قرار عدة دول جارة إغلاق حدودها مع إيران، وخاصة العراق، الشريك التجاري الثاني لها.
 
لكن في خضم هذه الضغوط وزحمة عناوينها، كعادته بعدما يمتص الصدمات الأولى، يُخرج الشعب الإيراني ما في مخزونه الثقافي من فكاهة متجذرة في أعماق وجوده، ليواجه به الحدث الضاغط، فبعد مرور نحو عشرة أيام على الإعلان عن ظهور "كورونا"، أصبح يشهّر سلاح الفكاهة والنكتة في مواجهته، بغية تخفيف الآلام والمعاناة.
  
وفي حين، أصبحت واشنطن تتعامل مع تفشي "كورونا" في إيران من منطلق مثل "مصائب قوم عند قوم فوائد"، بات يتساءل إيرانيون بنكتة مضحكة، لكن المرارة تموج في باطنها: "لماذا أمريكا لم تحظر "كورونا" لكي لا ينتقل عدواه إلى داخل إيران". ونكتة أخرى تقول: "الحمد لله، حتى فيروس كورونا لا ترغب أن تتركنا وحيدين".

وبما أن زلازل متعددة وقعت خلال الأيام الماضية بعد تفشي كورونا، صار يقول البعض "كورونا يجبرنا على التزام البيت والزلازل يخرجنا منه، فهل من حل وسط؟". 

وأخيرا، فإن "كورونا" حلّ في إيران في وقت كان يستعد فيه المواطنون لاستقبال أهم وأبرز عيد تراثي وتاريخي، وهو نوروز، للترويح عن أنفسهم بعد تلك المعاناة الجمة، ما من شأنه أن يشكل صدمة نفسية إضافية، خصوصا أن تطورات الفيروس وتفشيه السريع، لا يشي بأنه يقصد المغادرة قريبا، لكن على الأغلب سيبتكر شعب الفكاهة والضحك، طرقا، يشق بها جادة الحزن والهم لينظّم احتفالات رأس السنة الجديدة من دون وقفة، على أن يهزم كورونا في نهاية المطاف، وتبدأ صفحة حادث جديد ومعها نكت جديدة، والحبل على الجرار.

0
التعليقات (0)